حمد هلال
وبينما أنا جالس على كرسيّ في صالة الانتظار، والتي كانت تحوي كلا الجنسين، لم أكن أشعر في تلك اللحظة إلا بالألم الذي استمات في إذلالي.
شعرتُ برغبة عارمة بالصراخ، وددتُ لو أن الزمن يتوقف لثواني، ولكني خشيتُ أن تقذفني اللحظة بكل ما بي خارج الوعي فأجد نفسي في رقعة مهجورة بصحراء مجهولة، أتقلّب على الرمال كالطير المذبوح.
لم استسغ فكرة التلاعب بالوقت، فأنا في النهاية لستُ سوى ومضة سقطت من ذيل شهاب كان يسبح بين المجرات. أنا طرفة عين سكنت جفن مارد عملاق وضخم، يسدّ برأسه قرص الشمس كله إذا وقف. أنا زعنفة صغيرة تخشى أن تُظهر نفسها وسط زعانف الحوت الأزرق الراقد في قعر المحيط الهادئ.
أنا الهدوء إذا اشتد.
أنا البركان الصامت.
لستُ سوى كلمة تاهت بين سطور القاموس الذي لم يمسسه بشر، فكيف لي بعد كل هذا أن أتمنى توقف الزمن عن الدوران، كيف والكون كله يعدّ علي الساعات والدقائق، فلا مناص من الألم إذاً.
أحطتُ جمجمتي بكلتا راحتاي وصرتُ أضغط، لعل وجع ضرسي يقفز من فمي باتجاه الفراغ، لعله يغادرني بلا عودة، وفي لحظة الغفلة من الشيء، من الزمكان، من الجسد العالق بين المطرقة والسندان، جاءت بوجهها الأبيض الناعم، وشعرها الأسود الكثيف الذي يراقص الهواء المنساب من النافذة، وبعطرها الأخّاذ اقتربت نحوي، اقتربت أكثر، نظرت إلى عيناي وقالت :
– لو سمحت، هل لي بالجريدة؟
وقفتُ من مكاني بسرعة، رحتُ أبحثُ لها عن جريدة فأعطيها أياها، رحتُ أبحث لها عن جريدة.
عليها لعنة العشق في قصيدة، أحالتني لكلمات متقاطعة، لبقايا صفحات ممزقة، جعلتني أشعر باللا شيء، جعلتني أشعر بكل شيء.. جمعتني في عقد من الزمن ثم بعثرتني في لحظة.