الطيوب
احتضنت دار الفنون في طريق السكة بطرابلس مساء يوم السبت الموافق 23 يناير 2021م معرضًا تشكيليًا بعنوان (نوافذ تشكيلية) من تنظيم ورعاية الجمعية الليبية للفنون التشكيلية مفتتحة به موسم مناشطها الإبداعية لعام 2021م، وألقى رئيس الجمعية الفنان “محمد الغرياني” كلمة بمناسبة حفل الإفتتاح رحب فيها بالحضور وثمّن كل الجهود المبذولة التي ساهمت وساعدت على ظهور المعرض كما نوّه بأن الجمعية كمشروع ولدت على يديّ التشكيلي الراحل “مرعي التليسي” مما استدعى أن يُهدى المعرض لروحه البهيّة كعربون وفاء.
وقد شارك في المعرض نحو 50 فنان من أبرز الفنانين في المشهد التشكيلي الليبي منهم : “جمال دعوب” “إلهام الفرجاني” مريم بازينة” “عبد الرحمن بركة” “يوسف سيفاو” “عدنان معيتيق” “عطية السنيني“، وجاءت أعمالهم الفنية انعكاس لتنوع مشاربهم ومدارسهم التشكيلية فمن النحتي والتجريدي والتعبيري إلى الإنطباعي والواقعي والبورتريه، وتمتد أيام المعرض حتى الـ30 من يناير الجاري يتخللها برنامج ثقافي متكامل يُفسح الهامش لتقديم قراءات نقدية حول الأعمال المشارِكة، إضافة لإقامة أمسية شعرية يزِّينها نوارس من الشعراء.
واكتظ الفضاء بتلاطم أمواج الألوان ومحاولات تسلل البلاغة لأغوار تفاصيل الحكاية التي تسردها كلّ لوحة على حِدة وهي تُفتش عن ما سقط سهوًا من أقدام التاريخ وتنبش في سرداب ما ذهب سدىً، الحكاية لم تبدأ بعد أو لعلها تنتهي في كل مرة لتبدأ من جديد، هذا الرِهان المزمن الذي يتبناه اللون وتنقل عدواه الفرشاة المغمّسة في دواة البعيد الجهول، فلا ينفك المتلقي إلا أن يرتبك إزاء مِرآة اللوحة وانبعاث معزوفتها وهي تُموسِق الجيوب المثقوبة وترتكب الملهاة في يقين الآخر.
وفي هذا السياق إرتأينا أن نتوقف لرصد أراء وإنطباعات بعض الفنانون المشاركون في فاعلية المعرض، وحدّثنا الفنان “عطية السنيني” عن ظروف مشاركته قائلاً ( جاءت مشاركتي تلبية لدعوة أحد الأصدقاء الذي نبّهني للمعرض وأصرّ على مشاركتي، وعن عمله النحتيّ الذي شارك به أردف (هو موضوع بيئي يسلط الضوء على أمر جلل تحول إلى ظاهرة في مناطق مختلفة من بلادنا، ومن هذا المنطلق ولدت الفكرة في ذهني، والمنحوتة مكونة من خشب فصائل الصنوبريات التي تُسمى(العرعر) وهي مهددة بالإنقراض، وتتعرض هذه النبتة الإقليمية لحملة تجريف وحرق بصورة مرعبة، ويرى السنيني بأن مشكلة هذا النبات بالذات لم يتوصل المتخصصون لاستنبات هذه الفصيلة وزراعتها ولم تتحقق تجارب ناجحة في شتلها بعد.
وعن إنطباعها حدّثتنا الفنانة “مريم بازينة” قائلةً بأن مسألة تأسيس الجمعية كان حلمًا راود معظم الفنانون الليبيون لاسيما الروّاد منهم وفكرة تأسيس الجمعية تعود جذورها لعام 1979م، واليوم تشرق الشمس على ميلاد الجمعية التي تكوّنت من نخبة من التشكيليين كمحمد الغرياني وسالم التميمي ويوسف السيفاو ومريم بازينة ونادية العابد وصبري سلكان وعلي المنتصر. ومُنح كل فنان أحقية المشاركة بعمل فني واحد حتى يتسنى المشاركة لأكثر عدد ممكن من الفنانين، وعن مشاركتها قالت : لقد شاركت بلوحة فنية بعنوان (النور).
وإلتقينا أيضًا بالفنان التشكيلي “عبد الرحمن بركة” الذي حدّثنا عن مشاركته في المعرض قائلاً (كان المعرض التفاتة جميلة وراقية وتشرفت بمشاركتي مع نخبة الفن في البلاد، وكانت بمثابة جسر تواصل بين الفنانين وإطلالة على الأعمال الفنيهة خارج المرسم للعامة، وعن تفاصيل مشاركته أخبرنا (مشاركتي في المعرض جاءت بعمل زيتي يُحاكي التراث بعنوان -القافلة- حيث تجسد تراث أهل الصحراء وطرق التنقل بين الكثبان الرملية الذهبية وتأكيدًا على محافظة أهل الصحراء على مورثهم حتى عصرنا الحاضر، وفي المقابل شكر كل المجهودات القائمين على الجمعية الليبية للفنون التشكيلية وتمنى التوفيق والسداد للرفع من مستوى الفن والرقي بالذائقة.
ورأى الفنان “يوسف السيفاو” أن ظروف نشأته في مدينة طرابلس ساهمت في تشرِّبه وتأثره بالموروث الثقافي للمدينة مما جسّد وشائج روحانية بينه وبين الطقوس التي يمارسها أبناء المدينة، وأردف قائلاً بأن كونه فنان يميّز بين المعرفة والثقافة فمهما ارتقى الفنان لمستوى تطوريّ معيّن فلابد من الرجوع للجذور والهُويّة الأولى له، وهذه خاصية حسب السيفاو يصعب تجاوزها، كما أشار أن رسالة الماجستر خاصته ركّز فيها على إعادة توظيف التراث الشعبي عبر اللوحة التشكيلية فحسب ما يرى بأن التراث الليبي شكل له مصدر إلهام حيّ، وإستطرد مستعرضًا عناوين لوحاته مثل الخميسة التي شارك بها في معرض نوافذ ولوحة الخلال والحويتة، وختم بأن رسالته الفنية لا يُخاطب بها الذائقة المحلية بقدر ما يتوجّه بها للعالم ككل.
والفنانة “عفراء الأشهب” التي شاركت بلوحة بعنوان (إكتئاب) تقول بأن المعرض كان مميّزًا والحضور كان كثيفًا والمشاركين كانوا من نخبة الهواة والفنانين المتمرسّين في هذا المجال.
الأعمال ومضامينها وأساليبها والمدارس التي تنتمي لها كانت منوّعة، والفكرة من إفتتاح معرض وإطلالة نوافذ على شخصيات فنية مختلفة لكي يعرفوا ويستقوا من خبرات بعضهم البعض وبالتالي تظل فرصة للتواصل مع المتلقّي بتعبير بصري، كونها فكرة نحن أحوج لإنتشارها وتوسعها وتطورها بالإضافة لتزامن مناسبة الإفتتاح مع ميلاد جمعية الفنون التشكيلية لدعم المشاريع الفنية والمساهمة في النهضة بالمشهد الفنّي.
ومشاركتي في المعرض كانت بعمل حمل عنوان (إكتئاب) لوحة زيتية مقاس متر في 70 سم، وهي تعبّر عن تجربة الضغط النفسي التي مررت بها في مرحلة معينة من حياتي، وأثناء فترة اشتغالي على العمل تقدمت للمشاركة في المعرض.
وسعيدة بتعليقات الناس الإيجابية وحجم المشاركات، والإحساس والرسالة وصلت للكثيرين وهو أمر مؤشر إيجابي سعيت إليه يتمثل في أن أمرر أفكاري من خلال الرسم لأعبّر عن أرائي ومواقفي ليلامس قلوب المتلقين..