المقالة

نجوم العرب

قصائد من حصى.. لوحات من أعمال الكاتبة هاجر الطيار

كثيراً ما سمعت اتهاماً للغرب بأنه يتعمد تجاهل مناضلين أمثال نوال السعداوي وسيد القمني، تماماً كما يتجاهل كتّاباً عقلانيين لهم رصيد من المؤلفات مثل عبد الكريم سروش ومحمد المزوغي ومصطفى حجازي، وأنه بالكاد يحتفي بهم أو يستضيفهم في قناواته ليعرّف العالم بهم وبجهودهم في تغيير مجتمعاتهم، ومن باب أولى أن يمنحهم جوائز أو تقدير ما، في الوقت الذي يمنح تقديره وجوائزه واهتمامه لشخصيات ذات توجه يميني وإخواني أمثال راشد الغنوشي ومحرزية العبيدي ويجعل منهم نجوماً، كما يقدّر فنانين أصحاب رسالة هزيلة في الفن مثل هيفاء وهبي وشعبان عبد الرحيم، وجميعهم ليس لهم إسهامات معرفية أو فنية رصينة في الرقي ببلدانهم.

لكي نفهم لماذا يبدو تركيز الإعلام الغربي خافتاً، على شخصيات قضت حياتها في تقديم رسالة راقية بالفن أمثال ماجدة الرومي وصباح فخري أو زكي ناصيف، أو أصدرت الكثير من المؤلفات المهمة في مجال العقل والتنوير وتثوير المجتمعات، أمثال صادق جلال العظم وجورج طرابيشي وحسين مروه، أو قضت نصف قرنٍ تقريباً في النضال النسوي أمثال نوال السعداوي وفاطمة مرنيسي، فيجب أن نعترف بحقيقة بديهية جداً، وهي أن النجومية والإعتراف يبدآن أولاً من الشعوب التي ينتمي إليها هؤلاء المبدعون.

إن الشعوب الناطقة بالعربية ببساطة شديدة، لا تمنح العقل والفن قيمتهما الضرورية أبداً، فهي شعوب منقادة للعاطفة وتسمح للغرائز والحواس بالهيمنة عليها، حتى لتكاد تتربص بكل محاولة عقلانية أو تقدمية لتغيير المجتمع لتُجهز عليها في مهدها.

سيرة حياة شعوب المنطقة الممتدة من نواقشوط حتى بغداد، هي سلسلة من الإقصاءات لكتاب وفنانين أرادوا دائماً منحها بعض العقلانية والذوق، فمن وقف مع نصر حامد أبو زيد في محنته بمصر؟ ومن تعاطف مع ضيف الغزال حين قُتل بليبيا بعد انتقاده لمؤسسة اللجان الثورية من الداخل؟ من قال كلمة تهدئة واحدة في حق ولد امخيطير بموريتانيا حتى لا يقتل؟ ومن تظاهر ضد مقتل حسين مروه أو الإعتداء على نجيب محفوظ؟ ومن يتابع الفنان الملتزم مارسيل خليفة أو يبحث عن كلاسيكيات الأوركيسترالي بسام سابا أو حتى سمع به؟ ومن عارض استمرار بقاء نوال السعداوي في الغرب بسبب اضطهاد حكام مصر المتواصل لها؟ ومن اعترض على رجال الحوزة الشيعية بقُم لموقفهم من عبد الكريم سروش، الذي كتب كثيراً في إعادة الفهم الديني للقرأن والنبوة؟ ومن احتج على مؤسسة الأزهر في سلوكها التكفيري والرافض لكّتاب التنوير والعقلانية، بدأً من طه حسين مروراً بفرج فودة وانتهاءاً بإسلام بحيري؟

إن شعوب منطقتنا لهي عدوة لدودة للتفلسف، والفكر العلمي والتحليل النقدي والتجديد الديني، والفن الراقي الرصين، أما تلك الكتابات المبشرة بالمستقبل والتي تستفز العقل فهي ليست صديقةً لها، لهذا لا عجب أبداً أن تجد أن معجبي”جورج طرابيشي  على فيس بوك هو شخصٌ واحدٌ فقط، وهو الذي ألف 27 كتاباً بالعربية معظمها في العقل والتنوير، وترجم مجلدات في الفلسفة عن اللغة الفرنسية، كما أن لا أحد تقريباً اليوم يطلب أو يقرأ أعجوبة حسين مروه في النزعات المادية بالإسلام، أما مصطفى حجازي المتخصص بعلم النفس والمجتمعات البشرية، فعلى الأغلب لا يعرفه إلا مجايليه من الكتاب وعدد بسيط من القرّاء فقط، بل لقد جعلت هذه الشعوب من المبشرين بالماضي والخرافة نجومها الذين تلتف حولهم ولا تسمح بالمس بهم، فمحمد العريفي الذي يدافع في خطبه عن إقامة دولة الخلافة بالقرن الحادي والعشرين فإن معجبيه على تويتر فقط جاوز الـ 9 مليون شخص، أما علي منصور الكيالي الذي يعتقد بأن الجن يطير في الفضاء عن طريق الضراط النفاث، فله عدة صفحات على فيس بوك، كل واحدة منها تضم عشرات الألوف على الأقل، أما طارق رمضان الذي يدور أوربا مبشراً بالإسلام الإخواني تحديداً كحل لمشاكلها فيجتمع حوله 2 مليون معجب بفيسبوك وحده.

إن شعوباً كشعوبنا هذه وبهذه الضحالة الفكرية التي تتمتع بها، لابد أن تهيم حباً بكتابات أحلام مستغانمي، المليئة بالتزويق اللغوي والجمل الشعرية الفخمة، والتي لا تتخطى كونها مجرد ركام أدبي مزركش ومتنطع، يلعب على وتر العاطفة لدى القرّاء وإمطارهم بالخطابة البلاغية الجوفاء، مع رمي الكلمات الجميلة لملأ فراغ الصفحات، وهي كتابات لا يمكنها أبداً أن تمر بجهد التشكيل، كما أنها ستلهث خلف رواية بنات الرياض لرجاء الصانع، وهي رواية هزيلة الطرح مهزومة اللغة، وكل ما اقترفته هو كتابتها عن بضعة سعوديات قدن السيارة وهن يتنكرن بزي رجال، ولا شك أنها ستلاحق أخبار وصور هيفاء وهبي، وسماع أغانيها الخالية من أي قيمة فنية أو جمالية، حتى تخطى جمهورها على فيس بوك حاجر الـ11 مليون متابع وهم يمطرونها بالتعليقات الجنسية الملتهبة، أما شعبان عبد الرحيم فيستمع إليه عشرات الملايين دفعةً واحدة، حتى يحوز على فرصة إستثنائية في مقابلة مع قناة السي إن إن، لم يحظَ بها عبد الهادي بالخياط أو معلومة بنت الميداح أو نوال الكويتية.

لقد تُرجمت روايات أحلام مستغانمي للفرنسية وهي تُدرَس ببعض كليات الآداب بفرنسا، رغم سطحية أعمال هذه السيدة، ولهثت المحطات الفضائية بجنون خلف مروة وأحلام الإماراتية، وتم الإحتفاء براشد الغنوشي ومنحه جائزة ابن رشد ببرلين، واستُضيف طارق رمضان أينما حل بدول أوربية عديدة، هذا لأن شعوبهم هي التي جعلت منهم نجوماً حتى عرف بهم الغرب، فهم قد حازوا إجماعاً داخل بلدانهم، وذلك الإجماع يفصح عنه عدد متابعيهم وعدد مرات القراءة لهم أو الإستماع إليهم وحجم المنضمين لصفحاتهم والتفاعل معهم، والغرب حين يستضيف أشخاصاً كهؤلاء أو يترجم لهم أو يجري معهم المقابلات أو يمنحهم الجوائز، فلأن شعوبهم هي التي عرّفته بهم، ولكي يدرس السلوك الإستهلاكي لهذه الشعوب على الصعيدين الفكري والفني، ويعرف مالذي يثير اهتمامها ومن الذي تلتف حوله ومن الذي تتجاهله ومن الذي تحاربه، لهذا فهو لا يكترث كثيراً لكتابات امرأة مثل نوال السعداوي وهي تنتقد خنوع المرأة الشرقية وهوانها، بقدر ما يلاحق كتابات أحلام مستغانمي التي خدّرت النساء حين طيّبت خواطرهن بشتم الرجال واعتبار الكلاب أفضل منهم، هذا لأن عدد قارئات “أحلام مستغانمي” يفوق ملايين المرات عدد قارئات نوال وفاطمة مرنيسي معاً، ولهذا قد لا يحتفي الغرب كثيراً بـ”جورج طرابيشي” الذي لا يقرأ له أحد رغم رصيده الثقافي وكثرة مؤلفاته وترجماته عن تجديد العقل العربي، لأن شعوبنا لا تعتقد حتى بأن العقل بحاجة للتجديد، وأي جائزة يأخذها هذا الأخير أو غيره، فلأنه كان قد كتب للغرب بلغته فأدرك الغرب قيمته ومنحه تقديره بناءً على ذلك فقط.

مقالات ذات علاقة

القفة… غَزَالِةْ طرابلس

حواء القمودي

هويّة وموارد

عبدالمنعم المحجوب

في مكتبتي

أبو إسحاق الغدامسي

اترك تعليق