قصة

ابنة ابيها

حمد هلال

الرجل والطائر من أعمال التشكيلي محمد عبيه


كان مساءً جميلا، ضوء الساحة كان ينير عتمة الأرصفة، وقفتُ أنا في آخر الممر الضيق، لم يكن سيسعدني وجودي في المعرض بقدر ما كان سيسعدني لقيا ذلك الرجل الذي سيزورني مصطحباً معه طفلته الجميلة.

كانت صور الحقيقة تتدنى من بصري لترحل معها كل صور الخيال التي بقيت لفترة تغلف ذاكرتي، ومع توسع دائرة سعادتي لمجرد علمي بوصولهم، واذا بالتيار الكهربائي يذهب فجأة في الوقت الذي كانت يجب أن تُضاء لأجلهم كل قناديل المدينة.

خيّم الحزن على رأسي، استوطن كلماتي واستعمر مفرداتي، جعلني أشعر برغبة قوية عارمة دافعة للصراخ، لولا ازدحام المكان، لولا بقايا عقلي الذي تمسك بي خشية أن أسقط في وادٍ من الجنون.

كم تمنيتُ حينها لو أن الذي أنا فيه ليس سوى أطياف حلم سينتهي مع أول رضة خفيفة تعود من خلالها الحقيقة الى واقع أقف أنا فيه بمكاني المناسب.

خرجت مسرعاً على رنة هاتفي، امسكته بقوة خشية أن يسقط من يدي، كانت تلوح لي من بعيد، كان أبيها معها، اقتربا معاً، كانت خطوات أبيها واثقة، لم يكن رجلاً فحسب، بل انه كان الحب الذي يمشي على الأرض، إنه كأطياف الحب المنهمر كالغيث من السماء.

نعم هو.. انه هو.. ذات الرجل الذي لطالما حدثتني ابنته عنه.. يا لخجلي منهما، فكيف لي أن أستقبلهم في تلك الرقعة المظلمة، ولكن !!

وما إن وطأت قدماه أرض المكان، إلا وأنار بوجهه رقعة امتدت حتى نهاية الأرض التي أقف عليها، لأدرك حينها بأن العتمة لم تكن سوى خوفي من عدم رؤيتي لوجهه جيداً. وبأن النور لم يكن سوى حضوره الذي احتظن سعادتي.

مقالات ذات علاقة

قلب أم في جسد الوطن

محمد ناجي

عندما اشتعل الرأس شيباً

حسين نصيب المالكي

من حصاد ذلك الزمان – بزنس

يوسف الشريف

اترك تعليق