( تنويه : قصة ترصد معاناة المواطن الليبي البسيط ومحاولة الحصول علي أبسط حقوقه من الرعاية الصحية في ظل الأوضاع المعيشية السيئة و الفساد الأخلاقي والإنساني . . لانهدف إلي الإساءة لشخص أو مؤسسة بعينها . . ولكن هي إسقاط لواقع مرير مازال جاثما علي الوطن و المواطن حتي كتابة هذه الأسطر . . )
أغلق الملف الذي بين يديه ، إعتدل في جلسته ، رجع إلي الوراء قليلا بكرسيه محدثا أزيزا خافتا ، نزع نظارته الطبية من علي عينيه ، خاطب جليسه الذي كان أمامه في إنتظار ما يملي عليه من قرار :
بعد إطلاعي علي نتائج التحاليل الطبية وصور الإيكو وتخطيط القلب . . أقول لك أخي الكريم بأسف شديد إن حالة الوالدة خطيرة جدا
ومحتاجة عملية قلب علي وجه السرعة ، عمرها الكبير و إصابتها بالسكر والضغط وعدم إلتزامها بتوجيهات الأطباء وعدم أخذ الدواء في مواعيده هو الذي أوصلها لهذه الحالة الخطيرة والمستعجلة ، بإمكانك أن تودعها المصحة اليوم لنستعد لإجراء العملية غدا .
ساد السكون غرفة الكشف بعيادة الدكتور فؤاد حيث أصيب صابر بالذهول ولم يجد ما يرد به ،
مرت لحظات مؤلمة منذ سماع هذا القرار من الطبيب الذي نزل عليه نزول الصاعقة .
يعني يادكتور هذا آخر كلام . . ضروري من العملية . . رد صابر .
الدكتور فؤاد : الحالة صعبة وما فيش حل تاني ، نلحقوا عليها قبل ما يحصل ما لا تحمد عقباه .
كان جوابا قاسيا زاد من حدة الألم الذي يعانيه صابر . . وجه كلامه إلي الدكتور بثبات :
وكي خلاص يا دكتور مدام هذا رايك النهائي نتوكلوا ع الله . . لكن سؤال لو سمحت : ممكن نعرف تكاليف العملية كلها
د / فؤاد : العملية وما يتبعها من غرفة عمليات وإقامة وأدوية وأجور الطاقم الطبي تكلف 70 ألف دينار ليبي . . المبلغ كبير شوي أني عارف الله غالب ، لكن هذا الموجود يمكنك البحث والسؤال وح توصل إلي نفس هذا الرقم وربما أكثر قليلا
أسقط في يد صابر وزاد فوق ألمه وجراحه جرحا آخر . . خاطب نفسه قائلا : لاحول ولاقوة إلا بالله . . موت وحق الكفن . . وين بنلقوا هالمبلغ الكبير كيف نديرو كيف نعملوا . . لطفك وعفوك يارب .
إستأذن صابر من الدكتور صافحه بعد أن إستلم الملف خرج في خطوات متعثرة حتي وقف بباب العمارة . . أخرج هاتفه ليجري مكالمة عاجلة :
ألو أهلا إبراهيم ألان كيف خرجت من عند الدكتور فؤاد . . أمك حالتها خطيرة ، ومحتاجة عملية قلب ، الدكتور قال اليوم دخلوها المصحة باش بكرة يعملها العملية . رد إبراهيم : لاحول ولا قوة إلا بالله . . باه . . شن بنديروا توا . رد صابر : تعالالي في الحوش وجيب أختك مريم معاك . . كلم خوك نزيه حتي هو خليه يجينا . أقفل الهاتف ولم يترك فرصة لإبراهيم ليرد عليه .
إجتمع الأشقاء الأربع للبحث في وضع والدتهم ومحاولة إيجاد حل عاجل لمشكلتها الصحية .
صابر : هذا حال الوالدة زي ما حكيتلكم بالتفصيل . . ضروري من عملية . . اليوم تدخل المصحة وبكرة تعمل العملية
نزيه : يعني ضروري مصحة خاصة ما ينفعش مستشفي عام . . مستشفي القلب بتاجوراء مختص بهذا النوع من العمليات و بالامكان نعملولها العملية وبدون مقابل . . أني مش باخل عليها . . لكن إنتم عارفين الوضع كويس ، المبلغ كبير وصعب أنه يتوفر عندنا
صابر : إنت عارف الوضع في المستشفيات العامة . . منهارة بالكامل . . لا اجهزة ولا معدات ولا أدوية ولا خدمات تمريض
وحتي لو توفر هذا كله . . ح تاخذ دورها في قائمة الإنتظار وإشبح أمتي يوصل فيها الدور . .
مريم : أني ح نعملكم قهيوة تعدلكم روسكم باش تفكروا تمام . . دخلت مريم إلي المطبخ لإعداد القهوة في حين واصل بقية الإخوة البحث
في حلول سريعة وناجعة لهذه المشكلة الطارئة .
إبراهيم : فكونا منه الدكتور فؤاد خلي نديرولها عملية في تونس وإلا الأردن أعطيني الملف يا صابرح نمشي للجنة الطبية المختصة بعلاج المرضي بالخارج ناخذوا منهم تقرير طبي لغرض العلاج علي حساب الدولة .
صابر : هذي اللجنة مش لينا يا إبراهيم هذه اللجنة للمسئولين الكبارلفلان وعلان . . للأقارب والنسايب والمعارف والصحاب . . يبوا يزرعو الشعر. . يبوا ينفخوا الشوارب . . يبو ينقو الحواجب . . يبوا ينظفوا وجوهم السوداء من التالول والحب ويغيروا لونها . . يبوا يشفطوا الدهون من بطونهم المدلدلة قدامهم من إكال الحرام . . أما إحني ناسينا ومش في حساباتهم بكل . . تي هما حتي الشباب الثوار اللي حاربوا في الجبهات واللي مقطعة إيديهم ورجليهم ومجروحين . . قاعدين مرميين يعيطوا ، لا من شافهم ولا من داواهم. . و زيد عندك ياخوي . . حتي قبل ما تخش من الباب . . باب اللجنة هاذي اللي عابي عليها . .تلقي فروخ دايرين روحهم حرسات لابسين الفراعي والكانتيرات وشباشب الصبع شادين المسدسات والكلاشنكوف والعصي . وهات ما عندك من تهزيب وقلة قيمة ، وحتي ضرب بالكفوف كان كترت معاهم الدوة وإلا معجبهمش شكلك . . ياودي هذا الموضوع فوته . . إنت راجل كبير مش حمل بهدلة يا خوي .
نزيه : شن رايكم نكلموا ولد عمتنا صادق الصغير اللي يخدم في مصرف السلامة يديرلنا واسطة نحصلوا سلفة من المصرف وإلا نعطوه التقرير الطبي يدبرلنا في دولار وإلا يورو.
دخلت مريم وفي يدها سفرة القهوة لتضعها بين يدي إخوتها وهي تردد : هذه القهوة تفضلوا . .شن صار . . وصلتوا لنتيجة وإلا ما زال
نزيه : وصلنا لعند ولد عمتك الصادق .
وهي توزع فناجين القهوة علي الجميع . . ضمت شفتيها وحركتهما يمينا ويسارا في إمتعاض – بفعل نسوي خالص – قائلة : يا ودي هذا وين بتلقوه في طرابلس وإلا في تونس . . في فاليتا وإلا في لندن . . ها التمرة ما لقوها فيه صغاره و مرته الأولي عتيقة من يوم ما سيبهم وخذي مرته التانية فايزة وهو داير من بلاد لبلاد . . يتفسح ويغير في الجو هو وإياها .
صابر : ليش لا . . من يوم ما غطس في هالطبيخة وهو زايط . . فيلات وسيارات ومراة ثانية . . سلم هالقروض والتسهيلات والإعتمادات والفيزات . . يورو ودولار غارق فيهم لودانه .
نزيه : ياودي يا مريم شن جاب ه الدوة . . دوة النساوين . . ياخد يطلق . . هو حر . . فكونا منه وخلونا ندوروا علي حل تاني
مريم : نلقطوا المبلغ فيما بيناتنا . . كل واحد يجيب اللي يقدر عليه . . وكان نقصت حاجة ، كل واحد فينا يشد جامع يوم الجمعة يوقف قدامه ويدير شكارة يلقط فيها اللي كاتبه ربي . . اللي نحصلوه باهي . . ولاد الحلال هلبه .
نظر الجميع إلي مريم نظرة إستهجان وإستغراب وبلاهة :
إبراهيم : الله يسامحك يا مريم هذي أخرتها . . نمدوا إيدينا للناس . . نوهبوا . . كيف يكون شكلنا ومنظرنا بعد ها العمر وهالقيمة
صابر : وبعدين . . خلينا نسايروك علي قيس عقلك . . نلقطوا من بعضنا ونوهبوا من الناس . . قداش بنحصلوا . . راهم 70 ألف ياوخيتي يامريومة . .
كان تبو إديروا لأمكم العملية في تونس . . والله . . والله ما نحصلوا حتي حق تذاكر الطيران اللي شاطت فيهم النار وحق الإقامة ومصروفات الإعاشة وغيرهم وغيرهم . .
في هذه الأثناء سمع الجميع صوت صراخ مدوي من داخل المنزل :
كانت صبرية زوجة صابر تصرخ بألم وحرقة وجنون :
ردي علي يعمتي يا زهرة . .
عمتي . . عميمتي . .
ما تسيبيناش يا غالية . .
