يشرع موقع بلد الطيوب في نشر رواية (الحرز) للقاص والروائي “إبراهيم عبدالجليل الإمام“، على أجزاء بشكل أسبوعي!! قراءة ممتعة للجميع…
28
فتحت عينيها ببطء.. تحسست رقبتها.. تنفست بشراهة كمن يخشى ان يختنق مجددا.. انتظمت أنفاسها شيئا فشيئا.. بعدها استعادت كامل قواها.. شعرت بشيء من الراحة.. تذكرت ما جرى لها قبل سقوطها.. بحثت بعينيها عن الرضيع.. لم يكن بالجوار.. نادت عليه بخوف.. وقفت بسرعة.. ركضت نحو الكوبت.. وجدته نائما في مكانه المعتاد.. لاحظت عرق غزير يتصبب من جبينه.. مسحته بطرف ثوبها.. لاحظت كذلك أن رأسه ملتهبة.. تناولت مروحة سعفية كانت في كوة بجدار الكوبت.. حركت الهواء أمام وجهه بسرعة.. انتعش.. استفاق.. رآها فابتسم لها.. اسرع نحوها.. احتضنته بقوة.. قبلته.. قالت:
– لقد افزعتني يا ولدي.. ما الذي جرى لك؟
تمتم بكلمات مبهمة من جديدة.. تبينت كلمة واحدة فقط من بين همهماته بعد أن طلبت منه تكرار جملته عدة مرات.. كلمة واحدة كانت واضحة.. لم تفهم مقصده.. كررت له الكلمة لتتبين إن كانت هي المقصودة:
– آمن؟
توقعت انه يرغب في شربة ماء.. لكنه هز رأسه نافيا.. تساءلت مجدد ا:
– ضرآمن؟([1])
أشار برأسه ايجابا.. سألته لتتأكد:
– هل تعني المال؟
أشار بهزة أخرى موافقا.. سألته مجددا:
– هل تريد مالا؟
هزه نافيا في عصبية هذه المرة.. سألت في حيرة:
– هل جلبت لي مالا؟
ابتسم هذه المرة.. لكنه لم يهز رأسه كسابق المرات بل قال:
– يي.. نعم
– أين؟
نظر نحو غرفة زوجها الغائب في رحلته المجهولة..
اسرعت تصعد الدرجات الأربعة المفضية إليها.. دفعت الباب.. دخلت.. مر وقت طويل على آخر مرة تدخل فيها إلى هذه الغرفة.. فتحت نافذتها الصغيرة.. هجم شعاع الشمس ليلتهم عتمتها.. نسج خيوطه بسرعة.. ذرات الغبار تناقلت بسرعة بين طرفي الشعاع.
فتحت السحارة الخشبية.. بحثت بين أثواب زوجها.. لمست يدها كيسا ضخما.. لما يكن هنا عندما تفقدته لأخر مرة..
حركته.. صدر صرير تصادم قطع النقود منه.. فتحته.. أفرغت محتواه.. كانت أكثر مما قد يكسبه أحدهم من رحلة تجارية.. فرحت بهذه الهدية:
-الآن استطيع زيارة الفقيه..
خرجت من الغرفة تحمل ثروتها.. كان الرضيع يلهو بالأواني النحاسية..
[1] – آمن = الماء. أضرامن = المال بلسان غدامس القديم.