سرد

رواية الحـرز (27)

يشرع موقع بلد الطيوب في نشر رواية (الحرز) للقاص والروائي “إبراهيم عبدالجليل الإمام“، على أجزاء بشكل أسبوعي!! قراءة ممتعة للجميع…

مدينة غدامس (الصورة: عن الشبكة)

27

 في اليوم التالي أرضعته وتركته ليلهو قليلا.. انشغلت بإعداد طعام الغداء.. بعدها توسطت تمانحت البيت.. نظرت حولها.. تأملت جدرانها الأربعة.. لاحظت أن طبقة رقيقة من الغبار تعلو كل شيء.. كما أن الأواني النحاسية فقدت بريقها ولمعانها.. أما المرايا الكبيرة فهي أشد حاجة للتنظيف.. مر وقت طويل على آخر مرة قامت فيها بتنظيف البيت وترتيبه.. انشغالها بأمر الرضيع الضائع شغلها عن اهم ما تحرص عليه المرأة في الواحة: جمال بيتها.. لو لاحظت النسوة هذا الإهمال قد يثير حولها قيل وقال هي في غناً عنهما..

 شمرت عن ساعديها.. ثبتت سلمها الخشبي على جدار صدر التمانحت.. اعتلته وشرعت بكل همة تنزع الأواني النحاسية الصغيرة في المتوسطة ثم تلتها بالكبيرة.. تكومت وسط التمانحت.. انشغل الرضيع باللهو بها.. يقذفها حينا ويضربها ببعضها حينا.. من الواضح انه مستمتع بها كثيرا.. يتمتم بكلمات غير مفهومة.. مسحت المرايا وأزالت الغبار عن الجدران.. كانت تلك المهمة الاسهل.. اما صقل الأواني النحاسية فهي المهمة الاصعب.. جلست وسط التمانحت… شرعت بصقل الأواني.. دندنت بلحن يخص عائلتها.. توقف الرضيع عن لهوه وعبثه وهمهماته.. وقف يستمع لدندنتها.. توقفت بعد ان لاحظت سكونه اعتقدت في البداية أنه نائم.. فقامت لوضعه في مرقده بالكوبت.

شيء ما رأته لأول مرة في عينيه أخافها.. قالت بارتباك:

 – ما بك؟

 تقدم نحوها.. وقف أمامها.. تصلبت عيناه.. لم تعودا ترمشان.. لم تكن وقفة طفل تجاوز عمره العام.. لم تعهد مثل هذا في الأطفال.. سرت قشعريرة في كامل جسدها.. انتابها خوف منه.. ازداد اتساعهما.. تسارعت ضربات قلبها.. تقدم نحوها.. شعرت بحاجتها للهواء.

– ماذا تريد؟.. لا تنسى إأي أمك التي أرضعتك ستة أشهر كاملة.. تقدم منها أكثر.. وقفت لتبتعد عنه.. تنفست في شراسة مزيد من الهواء.. سارت نحو الدرج المفضي إلى سطح البيت.. تقدم نحوها.. فقدت توازنها.. سقطت.. أظلمت التمانحت.. نظرت إلى النافذة التي تعلو السقف.. لم تكن مغطاة.. لكنها لم تعد ترى سوى الظلام الدامس.. شعرت أنها ستغيب عن هذا العالم.. تنفست مزيدا من الهواء.. شعرت كأن رئتيها مثقوبة.. قاومت.. لكنها انزلقت في عالم معتم.. عالم لم يعد منه أحد.

مقالات ذات علاقة

خارج الثكنة

مفتاح العماري

لم يفزّعها الرصاص.. وأيقظها سعال الصغير !!

زكريا العنقودي

جزء من رواية الميتافيزيقيا

فتحي محمد مسعود

اترك تعليق