عن: العرب أونلاين- احمد إبراهيم الفقيه
تضمنت الندوة التي شهدتها القاهرة منذ أسبوع مضى، ونظمها المعهد الألماني للشئون الدولية والأمنية في القاهرة حول ثورات الربيع العربي، أكثر من جانب من جوانب هذه الثورات، وكانت الورقة الرئيسية في الندوة مقدمة من عمر موسى الذي تناول في كلمته آفاق التعاون الإقليمي بعد ثورات الربيع العربي، وتصوره عن أهمية اتساع مفهومنا للإقليم، بحيث يضم بجوار المنطقة العربية بمشرقها ومغربها دولا مثل إيران وتركيا، وأهمية إفساح براح لدول حوض البحر الابيض المتوسط ودول العمق الأفريقي في صياغة جديدة لمفهوم الإقليم وأبعاده الجغرافية والسياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والاستراتيجية، واقتصرت الكلمة التي القيت عن الثورة الليبية، وآفاق التعاون الإقليمي في السياسة الليبية الجديدة، فقلت بان هناك فعلا ما يمكن الاعتزاز بتحقيقه بعد المنازلة العظيمة والملحمة النضالية الرائعة التي خاضها أبطال الشعب الليبي ضد الطاغية وأزلامه، وهناك ما يمكن ان نحتفل به من هبوب رياح الحرية على ليبيا وخروج الليبيين في مدنهم، وقراهم، يفتحون أحضانهم للحرية وشمسها وهواءها بعد ان حجبها عنهم نظام الطغيان لاربعة عقود ونيف.
وانتقل مباشرة إلى محور التعاون الإقليمي مستقبلا ، ودور ليبيا في هذا التعاون، فأقول إن موقع ليبيا الجعرافي الاستراتيجي وما يتصل بهذا الموقع من عوامل سياسية او ما يسمى باللغة الاكاديمية جيوبولوتيكية، بوجودها في وسط العالم العربي وبين جناحيه، المغرب العربي والمشرق العربي، يجعل لها أهمية قصوى في حالتي التواصل والتفاصل، وأقول تحديدا إن ليبيا كثيرا ما سميت منطقة عازلة أو Buffer zone بكل ما يعنيه هذا المصطلح في القاموس السياسي والعسكري والجغرافي من معنى، وما يوحي به من تداعيات، وأعتقد أن ليبيا كانت فعلا وبالمعني السلبي، ربما شديد السلبية، منطقة عازلة وبافر زون، تحت حكم الاستعمار الإيطالي، وتحت حكم الانتداب البريطاني، وهو أمر مفهوم ومعروف وواضح ، متماشيا مع السياسات المعلنة للقوى الكولونيالية، وشعارها الذي جعلته عنوانا لممارساتها، واساليب حكمها للمناطق الواقعة تحت سيطرتها في مشارق الارض ومغاربها، وهو شعار Divide and rule فرق تسد، وباعتبار الطغيان وحكم الاستبداد لا يختلف كثيرا عن حكم الاستعمار، وطواغيته، فانه لم يكن غريبا، ان نجد الطاغية، بسياساته الرعناء، ونرجسيته في السلوك والممارسة، وسو تدبيره وتفكيره، وانقياده الارادي وغير الإرادي، لما تمليه إرادة القوى الكبرى، التي تغريه بالبقاء في منصبه، مقابل ان يعمل على مملاتها والاستجابته لاملاءاتها ، لم يكن غريبا ان ينتهج سياسة لا ختلف عن سياسة القوى الكولونيالية، عندما كان تمارس حكمها بوجهها الصريح القبيح، استعمارا عسكريا واستيطانيا، لا موضع فيه لمصلحة المنطقة وشعوبها، وانما لمصلحة المستعمرين وشعوبهم، فاستمرت ليبيا في عهد الطاغية، منطقة عازلة بين المشرق العربي والمغرب العربي، تمنع التواصل والتوافق والتعاون بين جناحي الوطن العربي.
ولم تسلم تونس رغم عمق الوشائج التي تربط بين الشعبين في العداوة والبغضاء والوصول بالعلاقات الى مشارف الحرب بما تسبب فيه من عنف وعدوان في احداث قفصة الشهيرة عام 1980
الشواهد كثيرة على استخدام ليبيا كمنطقة عزل وانقسام وحاجز لمنع التواصل والتعاون بين جناحي العالم العربي في عهد الطاغية استمرارا لما كان عليه الحال وربما اسوأ مما كان عليه الحال في الحقبة الكولونيالية ، فهل يتغير هذا الحال بعد قيام ثورة 17 فبراير وبناء ليبيا الجديدة؟
لهذا فإنني اتوقع ان تصبح ليبيا بحكم الضرورة التي تحتمها المصلحة، وتحتمها طبيعة العصر، ويحتمها منطق الثورة وتحرر الإرادة، حلقة وصل بين مختلف أقطار المنطقة، ورابطة بين شرق العالم العربي، ومغربه، وربما يتحتم منذ الان وضع بنية تحتية لهذا التعاون، فلابد أن يتحقق مشروع القطار الذي يربط الطريق الساحلي من غزة شرقا إلى طنجة غربا، ولابد أن نرى انشاء اساطيل تجارية بحرية وسفن ركاب وسفن شحن تربط مواني البحرالابيض المتوسط العربية، وخط بحري من اللاذقية إلى تطوان، وأن نرى شركات صيد بحري لاستغلال ثروات الشواطيء العربية وربما أسواق عربية حرة في ليبيا، تكون لصالح بلدان المشرق والمغرب، ولست صاحب اختصاص في رسم الخرئط الاقتصادية، ولكنني ارى ان الامكانيات التجارية والاقتصادية، ومجالات الاستثمار في السياحة، ومجالات الاستثمار في المنتج الثقافي كثيرة، وكبيرة، ووجود ليبيا في هذا الموقع، وتحت حكم وطني يسعى لمصلحة البلاد، سيفتح آفاقا جديدة، ويتيح فرصا لا حصر لها، امام بلدان المنطقة، كانت دائما موجودة، وحال السفه والتآمر والحكم الرديء، دون استثمارها واستغلالها والاستفادة منها، “ان الله لا يغير ما بقوم ، حتى يغيروا ما بانفسهم” كما يقول في كتابه الكريم.