قصة

قصة أحدب القرية

أحمد فكرون

من أعمال التشكيلي علي المنتصر

اجتمع حوله بعض فتية القرية وهو ينادي بصوت عال ” لن ينجيكم إيمانكم عندما تحل الكارثة، عندما يجيء الطوفان لا تلجؤوا إلى رؤوس الجبال، لن يطفأ غضب الماء إلا الماء”.

انفض الجميع من حوله وهم يسخرون من قوله وكلماته، وسحبته والدته إلى داخل البيت.

ولد في ليلة عسيرة عرفها أهل القرية باسم ليلة العجائز فبرودة الطقس تلقفت أرواح شيوخ القرية وعجائزها؛ والرياح العاتية قضت على نخيل القرية وشجرها العتيق، كان من بين من رحلوا قابلة القرية التي أشرفت على ولادة كل نساء زمانها في القرية، كانت ألام المخاض تحاصر والدته بينما توارى القابلة الثرى؛ جاءتها إحدى نساء القرية لتتولى أمر توليدها، ولنقص في خبرتها ومعرفتها سحبت الجنين بقوة من رحم أمه فأدى إلى عيب في جسده مما جعله أحدب الظهر.

كانت هذه القرية تتمتع بجمال أخاذ تحرسها أشجار النخيل من كل جانب تعزف فيها المياه ألحانا عذبة، يرسل البحر بالقرار فيرد عليه النبع بالجواب لترسم مقطوعة موسيقية عذبة.

كان أحدب القرية دوما ما يفضل الجلوس على شاطئ البحر منفردا يرقب غروب الشمس كل يوم ومن بعدها يبدأ سمره بجانب نبع الماء يداعب الماء بأصابع يديه ثم يعود إلى البيت ليخلد في نوم عميق، في إحدى الليالي الصيفية حط قارب غريب على مرسى القرية نزل منه شاب يافع وسيم الوجه يصاحبه كلب أبيض اللون، نزل الصياد الغريب في مضافة كبير أهل القرية عدة ليال إلى أن اشترى منزلا عند الشاطئ، لم يعرف احد سر هذا الصياد، قال بعض اهل القرية انه أتى لطلب الرزق وينعم بخيرات شواطىء قريتنا.

بالقرب من المرسى جلس الصياد يحاور نفسه ودخان نرجيلتيه يعلو في الهواء وكلبه باسط ذراعيه ومع زفرات دخان النرجيلة حدث نفسه قائلا سآخذ بثأرك من هذه القرية سارد لهم الصاع صاعين، ليعلموا قدر الرجال.

 لفت نظره أحدب القرية يأتي كل يوم إلى الشاطئ عند الجرف السحيق لطالما شاهد الأحدب يجلس على شاطئ البحر منفردا يرقب غروب الشمس فيبدو للناظرين كأنه يغتسل بحمرة الشفق الوليد .. ولا يبرح مكانه حتى يكاد لهيب الأفق المتماوج أن يهدأ ويسكن ويغيب ..فيعود افلا بين الحقول يسامر كائنات الليل ويعابث ماء النبع بيديه وهو شارد الذهن غائم النظرات .. يمكث هناك حتى تهدأ ضجة الخلق ويتوارى صخبهم في مدافن النوم .. وقبل أن تبدأ ستائر العتمة بالانزياح يقفل عائدا لبيته كأنه ناسك فرغ من أوراده وصلواته .

 يتحسس الصياد الخطى خلف الأحدب يستمع إلى تمتماته ومقولاته العجيبة وينظر إلى أفعاله الغريبة، كان الصياد يقول في نفسه أن خلف الأحدب شيء عظيم ولعنة ساحقة ولكني سأختبره الآن فأرسل كلبه للهجوم عليه فعاد الكلب في رعب شديد فأمره بالهجوم ثانية فعصى الكلب أمر سيده الصياد.

نظر الأحدب نظرة شاخصة في الأفق هرع مسرعا نحو نبع الماء تبعه الصياد نزع الأحدب ثيابه ووقف تحت مصب ماء النبع وهو يردد ”لن يطفأ غضب الماء إلا الماء” حتى ابتلعه الطين.

عاد الصياد إلى قاربه مرعوبا مسرعا وجد مياه البحر تتراجع وتبتعد عن المرسى قال بصوت منخفض اتاهم انتقام اقسى من نقمتي صعد القارب وركب الموج وغادر القرية.

في تلك الأثناء كان كل من في القرية غارقين في سكرهم وسهرهم وهم لا يشعرون، حل الصباح اسودت السماء زفر البحر غضبا علت الأمواج عم الطوفان وغرق الجميع وجف النبع وخلت القرية.

مقالات ذات علاقة

حَبّة رَمْل

أحمد يوسف عقيلة

مـوت جـــمل !!

الصديق بودوارة

العيد

عائشة إبراهيم

اترك تعليق