(منشور كتبته في صفحتي على الفيس بتاريخ 25/06/2020 كنواة فصل في كتاب جديد أتمنى أن أعيش حتى أنشره، حيث ستجد فيه كل مصادره وخرائطه)
لا أستغرب أن يتصور المصري أو السعودي أن ليبيا تكونت من ثلاث أقاليم، أما أن يردد ليبي هذا القول فهذا ما يؤكد لي إن من أسباب ضعف الوطنية الشديد لدى الليبيين هو عدم قراءتهم لتاريخهم!
فما عرفنا هذه الأقاليم إلا أيام احتلال قوات الحلفاء البريطانية الفرنسية لبلادنا من 1943 إلى عهد الاستقلال، وما امتداد هذه الأقاليم في دولة الاستقلال إلا نية مبيتة من هذا الاحتلال لتكريس الشقاق بين أبناء الشعب الواحد،
الحقيقة أستغرب أكثر من الذين أحسبهم من المثقفين كيف يتفاجؤون حينما أقول لهم إن هذه الأقاليم ما عرفها الليبيين قبل احتلال الحلفاء لبلادهم منذ 1943! ومن كان يحكمنا قبل 1943؟ إنه الاحتلال الإيطالي، ومن 1937 إلى 1943 (أي طوال السنوات الست الأخيرة من هذا الاحتلال) لم تكن ليبيا مقسمة إلا إلى 5 محافظات هي:
1. محافظة طرابلس
2. محافظة مصراته
3. محافظة بنغازي
4. محافظة درنة
5. محافظة الصحراء الليبية (وهي منطقة فزان والكفرة)
أي أن ليبيا كانت مقسمة إدارياً إلى 5 مناطق يوم احتلتها القوات البريطانية والفرنسية!
طيب ماذا عن ليبيا ما قبل هذه التقاسيم، أي قبل سنة 1937؟ في 1927 قسم الإيطاليون ليبيا إلى “محافظتيْن” فقط! هما ببساطة:
1. تريبوليتانيا، وشملت كل غرب ليبيا من البحر المتوسط إلى النيجر،
2. سيرينايكا، وشملت كل شرق ليبيا من البحر المتوسط إلى تشاد،
وقد استمر هذا الوضع 7 سنوات، أي إلى سنة 1934، ففي هذه السنة جرى تعديل بسيط وهو تقسيم ولاية تريبوليتانيا إلى قسمين شمالي وجنوبي، أطلقوا إسم “فزان” على الجنوبي، لكن ذلك بقي مجرد 3 سنوات فقط أثبتت لهم فشل هذا التقسيم في إدارة البلاد، فقسموها إلى المحافظات ال5 التي ذكرتها أعلاه وبقيت بلادنا خماسية حتى عهد احتلال دول الحلفاء بداية من 1943.
فهل كانت ليبيا 3 أقاليم قبل 1927 حينما صارت مجرد محافظتيْن؟ أبدا! كانت ليبيا قبل 1927 وطوال 15 سنة متواصلة مجرد محافظة واحدة من مصر إلى تونس والجزائر! كانت بلادنا منذ بداية احتلال الإيطاليين لها في 1911 وحتى سنة 1927 مجرد محافظة واحدة تسمى “مستعمرة شمال أفريقيا الإيطالية“.
فهل يمكن أن نعود إلى الوراء أكثر لنرى هذه الأقاليم التاريخية المزعومة؟ ماذا عن حالة ليبيا ما قبل الاحتلال الإيطالي؟
ما قبل بداية الاحتلال الإيطالي لليبيا – الذي بدأ سنة 1911 – كنا نعيش ما يُعرف بالعهد العثماني الثاني، فكيف كان شكل ليبيا في هذا العهد؟ في 1869، أي بعد انتهاء الدولة القرمانلية في 1835 وبداية حكم العهد العثماني الثاني ب 34 سنة كانت بلادنا منقسمة إلى 5 محافظات، هذه هي أسماؤها من الشرق إلى الغرب:
1. بنغازي،
2. الخمس،
3. طرابلس،
4. الجبل (وعاصمته يفرن)،
5. فزان وعاصمته مرزق وقد شملت الكفرة! (تجد مرفق خريطة هذا التقسيم)
وقد بقي هذا التقسيم إلى سنة الاحتلال الإيطالي في 1911 كما ذكرت أعلاه!
طيب ماذا عن بداية العهد العثماني الثاني؟ أي ما قبل هذا التقسيم؟ ببساطة أبقى العثمانيون التقسيمات الإدارية الليبية في بداية العهد العثماني الثاني على ذات تقسيمها الإداري في العهد الذي سبقه وهو العهد القرماني الذي استمر من 1711 إلى 1835، فكيف كان هذا التقسيم؟ نعم كانت بلادنا في العهد القرمانلي (وبداية العهد العثماني الثاني حتى سنة 1869) منقسمة إلى 3 محافظات! صح! (تسمى سناجق)، لكنها ليست الفيدراليات التي في ذهنك، إنها:
1. محافظة برقة ومقر إدارتها مدينة درنة لا بنغازي كما يمكن أن يظن البعض،
2. محافظة مصراته ومقر إدارتها مدينة مصراته،
3. محافظة طرابلس التي امتدت من البحر المتوسط وحتى النصف الشمالي للنيجر، أي شملت كل أراضي فزان،
هكذا كانت ليبيا طوال عهد حكم الأسرة الليبية “القرمانلية” الذي دام من 1711 إلى بدايات العهد العثماني الثاني في 1869.
ماذا عن ما قبل العهد القرمانلي؟ ليست لدينا الكثير من الوثائق حول ليبيا ما قبل العهد القرمانلي، أي ما يسمى بالعهد العثماني الأول، غير أن ما يتوفر لدينا من مصادر يشير إلى أن بلادنا كانت في ذلك العهد مقسمة إلى ذات محافظات العهد القرمانلي! يعني من 1551 إلى 1869 كانت ليبيا مجرد المحافظات الثلاث التي ذكرتها أعلاه.
3 تعليقات
. لم افهم ماذا يريد أن يخبرنا الكاتب ؟ المعلومات المذكورة معروفة و اي انسان باستطاعته البحث قليلا عبر الانترنت يستطيع الحصول علي هذه المعلومات التاريخية
أما إذا أراد أن يناقش أو يعرض أن فكرة الأقاليم الثلاث هي أسطورة !! فهذا غير صحيح و ذلك ببساطة أنه يمكن وصف اي تقسيم من التقسيمات المذكورة بنفس الوصف ، فكل جديد هو أسطورة الذي قبله بهذا المنطق ، فليخبرنا الكاتب اي من الحقبات التاريخية يجب اعتمادها حتي تعد غيرها من الأساطير ؟ من اين نبدا و من يقرر اي حقبة هي المرجع و لماذا ؟ هل توقع الكاتب أن ليبيا بخريطتها الحالية و حدودها المرسومة بخطوط طول و عرض مسجلة في الأمم المتحدة أتت عبر ختم الهي منذ العصر الحجري الاعلي و تعرض هذا الختم الي التحريف ؟
يا سيدي تقسيم الأقاليم الثلاث هو مجرد تطور تاريخي كغيره تم اعتماده ليؤسس عليه فكرة إنشاء دولة وطنية حديثة بمقاييس القرن العشرين لا اكثر و لا اقل .
السلام عليكم..
في ظننا إن الكاتب قصد أن تسمية الأقاليم أو تقسيم ليبيا إلى ثلاث أقاليم هي فكرة مستحدثة، وغير أصيلة في الثقافة الليبية.
كثيراً ما ردد “ديل كارنيجي” في كتابه الأشهر “كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس” أن غالبية الناس لا تفهم بالمنطق، فهي لا توافق إلا على ما ترغبه نفوسها بغض النظر عن ما إذا كانت رغبتها مبنية على أسس منطقية صحيحة أم خاطئة، كما أن من الأقوال المأثورة في ليبيا: كلام الحق وجاع، إذ قليلاً ما نجد من يقبل على نفسه قبول الحقيقة المخالفة لطموحاته!
فها أن دراسة تاريخية مثقلة بالتفاصيل التي تثبتها كل مصادر التاريخ الليبي المنشورة … مكتوبة بعربية مبسطة تقول ما تريد قوله بوضوح شديد “بداية من عنوانها”، ومع ذلك تجد من يسأل ماذا يريد كاتبها؟
بالطبع هذا تساؤل يؤكد بداية عدم قبول طارحه بالحقائق التي عرضتها هذه الدراسة، حتى ولو كانت تستند إلى مصادر! ولا أفهم حكمة أن يستخف بها صاحب السؤال في الوقت الذي يشير إلى وجودها في النت! في تناقض وتوتر في سياق طرح أفكاره لا شك عندي في أن ذلك حدث لأنها تُعارض قبوله بما هدفت إليه هذه الدراسة وهو الأساس التاريخي لحقيقة وحدتنا الوطنية منذ أكثر من 500 سنة!
لا أعلم ما هي جنسية المتسائل، فلا أدري إن كان ليبياً لم يتشبع بروح الوحدة الوطنية مثلي ومثل أبناء جيلي والشعوب المجاورة لنا الذين مهما ضاق بهم الحال يطالبون بحقوقهم ولا طالبوا في مرة بتقسيم وطنهم من أجل استحواذ جهة فيه على ثروته، لكن هذه العشرية السوداء لم تكشف عن شعب من شعوب شمال أفريقيا والشرق الأوسط يستهين إلى أدنى حد بوحدته الوطنية هكذا جهاراً نهاراً إلا فئة في الشعب الليبي! بل وتجد من يجد في نفسه الجرأة بحيث يحاول يائساً أن يجمع لك كل ما يستطيع من أدلة أسطورية غير صحيحة بأسلوب سفسطائي في وضح النهار … ليتجاوز أكثر من 500 سنة مستمرة متواصلة من تاريخ وحدة أراضي ليبيا، لمجرد رغبته في تقسيم الوطن، ليس لتنمية مجتمعه بقدر ما هو حلم استئثار قبيلته أو جماعته بثروته النفطية، وهو في ذلك مستعد لتتفيه أي حقيقة تاريخية وتغليف رغائبه التي لم تعد دفينة بأي حجج ولو كانت لوي أعناق حقائق التاريخ!
على أي حال هذه الدراسة هي من ضمن رزمة منشورات عديدة نشرتها في صفحتي الشخصية ومازالت متوفرة للعامة … تخاطب من يريدون تقسيم الوطن رغبة في الاستحواذ على نفطه بالاعتماد على حجة أنه يتكون من أقاليم ثلاث يظنها تاريخية وأنه يرغب في العودة كما كانت بعد الظلم الذي أصاب جماعته من أبناء الوطن الآخرين، وكأنهم كانوا دولة مستقلة قبل الاستقلال!! عادة ما أقول لمفرد هؤلاء: ومن شادك؟ إذهب وإقسم إن استطعت! لكن رجاءاً لا تزعم أنك قسمت بناءاً على مقولة الأقاليم التاريخية الثلاث! فهذه ليست أقاليم تاريخية ولا جغرافية! بل استعمارية حديثة رَسَمَت المصالح البريطانية والفرنسية في شمال أفريقيا على جثة مستعمرات إيطالية السابقة، لا لمصالح الشعب الليبي ولا لغرض عصرنته ولا تنميته وإنما لأغراض تخص المستعمر لوحده، من باب فَرِّق تَسُد،
فإذا أردت أن تستهين بوحدة الوطن فذلك شأنك، لكن لا تحاول بناء ذلك على أساطير كاذبة مثلها مثل الأساطير اليونانية! فما عرفنا هذه الأقاليم التاريخية المزعومة إلا بعد أن دخلت جيوش الحلفاء لمستعمرة إيطاليا الليبية، فقسموها بينهم إلى إثنين على فكرة ثم 3، بريطانيا تناولت كل الشرق الليبي وشمال غربه، ونظراً لشساعة مساحتهما رأت أن تقسمهما إلى محافظتين استعماريتين، واستحوذت فرنسا على جنوبه الغربي حيث أسمته مستعمرة “فزان وغدامس” بالمناسبة، وليس فزان حاف هكذا كما هو متداول بشكل خاطئ، وهناك من المصادر والطوابع البريدية الصادرة والمنشورة “في النت” ما يغنينا عن كثرة الحديث في هذا.
أما أكثر ما لفت فضولي فهو أن هذا المعلق يستخف بأهمية الدراسة باعتبار أن معلوماتها متوفرة في النت!! وكأنه عيب! إنها متوفرة قبل ذلك في العديد من الكتب المنشورة وخرائطها قبل بزوغ عصر النت بكثير، ولا بد بداهة لأي بحث تاريخي أن يعود إلى المصادر، سواء في المكتبات أو الموثقة في النت، وقد قلت إنها مجرد دراسة تمهيدية ستكون ضمن كتاب أعمل عليه مثقل بالمصادر والخرائط، غير أن هذا المعلق حينما ضايقته حقيقة الدراسة بدأ يبحث عن أي حجة لدحضها، فاعتبرها مثلاً بلا قيمة طالما أنها معروفة تعود إلى مصادر في النت!! وإنها لعمري أقوى حجج لوي عنق الحقيقة قرأتها حتى الآن! حتى أنني تساءلت بيني وبين نفسي إذا لم تستند هذه الدراسة إلى مصادر في النت هل كان سيقبل بحججها أم أنه سيرد بأن لا مصادر لها؟
خلاصة … المقال يتوجه لمن يتحجج بالأقاليم الاستعمارية الثلاثة لتقسيم ليبيا، هذا المقال يريد أن يقول إقسم ليبيا إن استطعت بناءاً على أي حجة “معاصرة” عسكرية كانت أو سياسية أو مصلحية ذاتية كالنفط، لكن لا تستند في ذلك إلى التاريخ لأنها حجة أسطورية واهية ستكون!! فالتاريخ المنشور ذاته والمتوفر لكل باحث متأني في كتب التاريخ الليبي يقول بأن هذه الأقاليم التاريخية المزعومة لم تكن تاريخية أبداً بل استعمارية حديثة ما عرفتها بلادنا إلا بعد 1943، رسمتها أحذية جنود وضباط وساسة بريطانيا وفرنسا على مستعمرة إيطالية، ولم يكن لليبي واحد أي دور في المساهمة فيها! وما عرفت ليبيا منذ أن تأسست بحدودها وشعبها الحالي في 1551 إلا تقاسيم محافظات إدارية، وقد كانت 5 محافظات في أغلب زماننا منذ 1551 لم تحمل في أغلبها مسميات هذه الأقاليم المزعومة، فإذا كان هناك من يبحث عن أقاليم تاريخية لليبيا فليبحث عن أقاليمها الجغرافية، فهذه فعلاً تاريخية تعود إلى مئات السنين إن لم تكن آلافها، كالجبل الأخضر وجبل نفوسة والجُفرة والجفارة والحمادة ووادي الآجل ووادي الشاطئ … إلخ
أخيراً كم هو مؤسف أن تعمل شعوب مختلفة اللون والأصل واللغة والدين والتاريخ على أن تتوحد بلدانها كالدول الأوروبية وشعوب الولايات المتحدة وكندا، بينما يعمل ليبيين – أصلهم العربي والأمازيغي واحد – على تقسيم بلادهم … من أجل حفنة إضافية من دولارات النفط!