الشاعرة حواء القمودي
سيرة

محاولة القبض على سيرتي الأدبية!؟ (48)

صباح النور يا أملي ….

لا أعرف كيف أشق مسرب الحكاية لأقبض على النسغ، لأفهم سرّ التعثر وأكتشف هذه الثغرات العجيبة في حكاية بنت حاولت أن تكون، لا اظنها أرادت أن تكون مختلفة ولا أحبّت أن تكون غريبة، لكن تبدو قوانين المجتمع ضاغطة ومهيمنة ولا فكاك من الانصياع لتوازناتها، لكنّها تعثرت ولم تعرف كيف توازن بين خطوات المبدعة وبين أحلام البنت العادية، فهل تراها تحاول الآن أن تفهم؟ وهل يجديها الآن هذا الفهم؟ …..

أسئلة كثيرة تنبثق على سطح الحكاية، تغرز أنيابها كي تصلّ اللبّ، فهل تراها ستصل؟!

وها أنا حواء (المعلمة) التي بدأت تنتظم في الذهاب (لجامعة ناصر)، فتغدو طالبة تجلس على مقعدها وتفتح مذكرة لتكتب دروس العروض والنقد و النحو واللغة الانجليزية، فصل أول وليكون الدكتور (فخر الدين عامر)  أحد معلميها حيث نظريات علم الجمال (الفن للفن أو للمنفعة)، وتلك السجالات وووو، وأيضا في مادة (مناهج بحث) كان هو الذي طلب بحثا في (كتاب الشعر لأرسطو) وكانت لدي نسخة بترجمة  شكري عياد وتقديمه، وكتبت دراسة عن هذا الكتاب، ولكن  ربما لعشقي للنجوم بدلا من إعطاء أرقام للتضمينات والاقتباسات، كنت أضع علامة* أو** أو***، تصوري يا حواااااا طالبة في دراسات عليا وبدلا من رقم 1/2/3 تضع *، و سلمنا البحوث وكان يوم الامتحان في مادة الدكتور (فخر الدين عامر) -شفاه الله- سمعت بأنه مريض في الآونة الأخيرة، إذا وقف الدكتور ليخبرنا عن بحوثنا، وليذكر بتهكم بحثا بدل وضع أرقام للتضمنيات والهوامش تضع الطالبة نجمة، و(يبست في مكاني) بالمعنى الحرفي للكلمة، وحين ثقل عيار الكلمات كنت سأستأذن للخروج وعدم الاشتراك في الامتحان، ولكن قلت في نفسي (معليش ياحوا.. هو انت اجتهدت في مادة اليوم وقريت للصبح وليكن ما يكون).. وتحصلت  على 62/100 في هذه المادة، وأضاف قسم الدراسات العليا/ أدبيات ثلاث درجات لأتحصل  على درجة النجاح، ولكن الغريب أنني لم أتعلم الدرس.

وفي الفصل الثاني  في مادة (قاعة بحث) والتي كان الدكتور “محمد عثمان علي” -رحمه الله-، هو الأستاذ الذي يقف ليملأ السبورة بخطه الأنيق المتقن كأنه منقوش أو منحوت، وبصوته الهادئ وعلمه الثري، كان يمنحنا خلاصة مقطرة، ومازلت احتفظ بأوراق بها استعمالات أدوات الجر والشرط والاستفهام، وطلب منّا نهاية الفصل بحثا واخترت الشاعر “مفتاح العماري” الذي مازلت منتشية بفيوض ديوانه (رجلٌ بأسره يمشي وحيدا)، وذهبت للسؤال عنه في مقهى (مجمع الفتح) مرة وأخرى، وفي المرة الثالثة التقيت بالشاعر “نصر الدين القاضي”، وتجاذبنا أطراف الحديث وعرفت أن لديه مخطوطة جاهزة لديوانه، وهكذا تحول المسار وكتبت بحثا عن ديوان (من سيرة الصباح والمساء). وحين قدمت مقدمة البحث لهذا العالم الجليل، كتب لي ملاحظة تقول:

مدخل رائع لدراسة شاعر معاصر، ولكن ألا ترين أننا تجاوزنا أسلوب البحث بهذه البلاغات التي تعاطيناها في ثنايا الكلام.

الشاعر الليبي نصرالدين القاضي

واستعنت بالصديق المبدع “يوسف الشريف” للحديث عن تجربة الشاعر “القاضي”، وايضا الشاعر “العماري”، لأني جعلت فصلا للموازنة بينهما، واستعنت بصديقتي الشاعرة “كريمة حسين” لتقدم لي ملخصات عن كتب في الحداثة الشعرية، وكتبت البحث وجعلت عنوانه (نصر الدين القاضي: شاعر الفرح الممكن)،  وسلمته وانتهت الامتحانات وفي أغسطس 1996م، تسلمت هذا البحث من القسم ومعه ورقتان مكتوب عليهما (خاص بالطالبة حواء القمودي الحافي)، أمّا درجة البحث فكانت كما هو مسجل عليه (ثمان وسبعون درجة)، رصدت في 10-8-1996م، وخرجت مفعمة بالتوق لما في هذين الورقتين من ملاحظات حول بحث (نصرالدين القاضي.. شاعر الفرح الممكن)، وكانت سبع ملاحظات ثرية ومليئة بإرشادات قيّمة، حيث كتب في أولاً:

جاءت المقدمة دالة على المزج بين الأديبة والباحثة الأدبية، التي تبرز بين تعابيرها عبارات رقراقة موحية، والباحثة التي تحاول أن تخط لنفسها مقدمة تتحدث فيها عن الصعوبات وعن المنهج الذي اتبعته في أداء عملها، وهذا أمر طيب وجميل.

وكانت الملاحظات التالية؛ تنبيها على الهنّات التي اقترفتها الباحثة، لتكون الملاحظة، سابعاً وأخيرا:

إن كان لي أن أثني على عمل الباحثة، فإن ثنائي يكون منصبا على قدرتها الذكية في تحليل النص الشعري المعاصر، وهو أمر يفتقر إليه عدد من طلابنا في الدراسات العليا، وكذلك ثنائي على الأسلوب الرقراق العذب الذي تعاطته في أداء فصول البحث.
د. محمد عثمان علي – 96/8/7

وحقا كنت أطير بين النجوم في ذاك اليوم الصيفي الحار من شهر أغسطس، حين التقيت بهذا الكائن الملائكي والذي تعرفت عليه من خلال كتابه (أدب ما قبل الإسلام)، فهو قد رفض كلمة (العصر الجاهلي)، ورأيته أول مرة جالسا على كرسي في كلية التربية، وطلاب وطالبات الانتساب متحلقين حوله ليعرفوا نتيجة امتحانهم في مادة هذا الكتاب، ولأكون الطالبة التي نظر إليها وقال: ممتاز أربع وتسعون.

وفي تلك الظهيرة من اغسطس و كنت حقا أرتجف فرحا وأنا أضمّ البحث والوريقات إلى قلبي، وكلماتي الشاكرة لاهتمامه حتى أنه كتب هذه الملاحظات، وأشهد أنه قال لي: هذا البحث يستحق امتياز، فقلت له لو وضعت لي حتى (مقبول) سأكون فخورة بها فما بالك وقد تحصلت على جيد جدا، و كان ذاك آخر لقاء، لأنه عاد إلى بلاده السودان الكريم وتوفي بعد عام في رمضان 1997م.

مقالات ذات علاقة

سيرة الفنان إبراهيم حفظي

رامز رمضان النويصري

محاولة القبض على سيرتي الأدبية!؟ (50)

حواء القمودي

مراجعة الكتاب بروما

سعيد العريبي

اترك تعليق