يشرع موقع بلد الطيوب في نشر سلسلة (للتاريخ فقط) للشاعر “عبدالحميد بطاو“، والتي يروي فيها الكثير من الأحداث التاريخية والسياسية.
الحـلقـة: 11/ نحـــــن عــرب آخــر الأمر
منذ تشــكل حزب الإخوان المسلمين (الذى لا أدرى متى) وصراعهم مع “عبدالناصر” وإعدام “السيد قطب”، وحادثة منصة الاسكندرية التي تعرض فيها “عبدالناصر” لإطلاق رصاص وهو يلقى خطابه، بدأ الكثيرون يشوهون من ينادى بالوحدة العربية أو يطالب بقيام دولة عربية موحدة من المحيط إلى الخليج، واعتبر بعضهم أن هذه الدعوة عنصرية وتجاوزها العصر، وأن اللغة الواحدة والجغرافيا المترابطة والتاريخ والمصير المشترك ليست أسساً صالحة أو مناسبة لقيام وحدة عربية أو دولة عربية تضم أقطارًا متنافرة يقاتل بعضها بعضًا في كثير من الأحيان، وأن الوحدة المناسبة في نظر هؤلاء هي الوحدة الاسلامية، التي تجمع ماليزيا وأندونيسيا وإيران مع كل الأقطار العربية، وأصحاب هذا المبدأ الأخير صاروا يشكلون إرهابًا على كل من يخالفهم، وأصبحت المناداة بالأمة العربية الواحدة مسبة بل يقولون لك هذه مرحلة تجاوزها التاريخ، ولعل ممارسات بعض القادة العرب وانحرافاتهم وتآمرهم زادت الطين بلـّة كما يقولون، ولكـن سيبقى التاريخ الواحد واللغة الواحدة والدين والجغرافيا روابط لا انفصام لها، ولعل حلم الوحدة العربية والدولة العربية الواحدة ليس بعيد المنال، لأننا كنا عربـًا وسنبقى عربـًا مهما زاد الطغاة والأدعياء والمتعصبين دينيـًا.
دعونا الآن نعود لما نحن بصدده، وقد قلت ما قلته تمشيًا مع مقولة (كلام يجيب كلام).
المهم واصلت هيئة المحكمـة استجواب أغلب الشباب، و من بين من يتصلوا بنا ويصافحوننا من جمهور الأقارب المداومين حضور الجلسات كان (عــمى عـلي) والد (عمر دبوب)، أحد الشهيدين الذين أعدمهما القذافي أمام الكنيسة في بنغازي، في: 7-4-1977م.
وفي يوم من الأيام رأينا عم “علي” يجلس والحزن والانكسار في عينيه، وهو يتحاشى أن ينظر إلينا وأصر (رجب الهنيد) على طلبه حتى جاءنا وسمعناه يهمس للهنيد: يا ولدى العجيز يعطيك عمرها، وقاعد موش عارف كيف انقولها لعمر.
ولكن “عمر” سمع الخبر وتماسك بينما كان عم “على” يصفق يدًا على يد وهو يقول له: الله غالب إرادة الله شد حيلك.
كانت تلك الجلسة تعيسة، وأوشكنا ان نتفجر في هيئة المحكمة، ولكننا كظمنا غيظنا حتى عدنا للسجن وأقمنا مأتمـًا وعزينا “دبوب”.
كانت هذه الحادثة من حوادث المحكمة المؤثرة، وكم ذهلت أمام صبر وصلابة (على دبوب) وجمود ابنه “عمر”ـ حتى لم يذرف دمعة لحظتها.
تم التحقيق مع (عبدالله الحصادي) الذى كان ثابت الجأش رصينًا مقتصدًا في كلامه، حتى أنه أنكر معرفتي به كما استدعي من درنة (سالم عبد الكريم بوشرتيله) كشاهد إثبات، ولكنه تحول شاهد نفي لصالحنا وكان موقفه شجاعـًا وواثقـًا من نفسه ومن كلامه، وفرض احترامه على القاضي. فقط الوحيد الذى اغضبنا جميعـًا هو (سعد مجـبر) الذى استجدى عفو القاضى وقدم له ورقة تلتها المحكمة تبين أنها رسالة من (ولى العهد) موجهة اليه تشيد بإخلاصه وحبه وتفانيه في خدمة المملكة ككشاف متميز، وكان أسلوبه في الرد والمبالغة في تمثيل دور النادم والتائب سبب لنا حرجًا كبيرًا (وقد برأته المحكمة وأفرج عنه).
ولعله استعمل الأسلوب نفسه مع نظام القذافي فيما بعد، حتى أصبح سفيرًا له في إيران وبعد ثورة 17 فبراير، ادعى في حوار بينه وبين “أحمد الريان” في قناة الجزيرة، أنه ثوري وقد سبق أن سجن (كمنـاضل) ولم يعلن انشقاقه صراحة ليلتها أثناء البث المباشر، لكى يمسك العصا من منتصفها (آسف أن أذكر الاسم فهو فعلا كان موقفه مخزيًا في المحكمة، وحينما رجعنا للسجن صار يبكى ويتأسف حينما كنا نشتمه ونلومه).
بتاريخ 23 يناير 1968م، تم استجواب كل المتهمين وطلبت هيئة الدفاع من المحكمة إعطائهم مهلة لدراسة الملفات وإعداد مرافعاتهم واستجابت المحكمة لطلبهم وتم تأجيل الجلسات حتى يوم 3 فبراير.
دعونا نتوقف هنا، لكى نتحدث في الحلقة القادمـة عن شهود الأثبات (المخبرين) وعن تعنت القاضي، والإعلان صراحة عن وجهه القبيح، وعن مرافعات المحامين التي كانت في مستوى القضية.
فإلى الحلقة القادمة.. إن شاء الله..