مقدمة في التعريف بالأدب الليبي للكاتب: الطاهر بن عريفه- بتاريخ: 2-أبريل-1990م.
في مقدمة الطاهر بن عريفه صورة تاريخية للحضارة الليبية في آدابها وفنونها وجمال أماكنها، وأسماء روادها، طرقت المقدمة الباب على السنين الماضية والحاضرة في النهضة الليبية، وسجلت نجوم الثقافة الليبية،وجمعت معارف متنوعة من التاريخ والفلسفة والأدب والتراث الشعبي، و أول بستانها يزدهر بقول الكاتب (يعتقد البعض أن ليبيا لم تشهد في تاريخها الطويل نهضة ثقافية وفكرية كتلك التي وجدت في بلدان الشمال الأفريقي الأخرى، معللين رأيهم هذا بعدم وجود مراكز ثقافية ذات إشعاع حضاري مثل جامع الزيتونة في تونس، وجامع القرويين في المغرب الأقصى والجامع الأزهر في مصر، غير أن هذا الظن ما يلبث أن يتلاشى أمام النقد العلمي النزيه)، إذن كيف نرد على الاعتقاد السائد عندهم؟ يشير الكاتب إلى العديد من الحقائق التاريخية، والأدلة العلمية نذكر منها الآتي:
1- (لقد كانت هذه المنطقة منذ القدم مسرحاً لسلسلة متعاقبة من التراكمات الحضارية والثقافية الأصيلة، وتشهد كهوف إنسان ما قبل التاريخ والرسوم التي صورت فيها على مدى القدرة الفائقة في تسجيل وقائع الحياة اليومية عند الإنسان الليبي القديم)
2- تشهد أطلال مدن لبدة وصبراتة وقورينا في برقة وجرمة في فزان على الانتعاش الحضاري الذي لا يخلو من ازدهار ثقافي أشار إليه أرسطو في رحلته إلى قورينا).
3- (وفي العصور الإسلامية الأولى كانت البلاد نقطة انطلاق وتموين للجيوش الإسلامية، وكانت المهمة الأولى هي نشر الدين الجديد في هذه الربوع، فأنشئت المساجد ومع المساجد ظهرت حلقات العلم والمعرفة)
4- ويعود الفضل إلى ابن زياد في أنه أول من أدخل موطأ مالك إلى شمال أفريقيا، وابن منظور صاحب أهم معاجم اللغة العربية المعروف بلسان العرب)
تتضح الأدلة السابقة على مكانة الأدب الليبي واتصاله بالعلوم الإنسانية المختلفة، وعند قراءة المقدمة يستدرك القراء قيمة الكتاب وأصالته الليبية العريقة، والإلمام بالعلماء وسيرة الأدباء والنماذج التطبيقية المتنوعة في الأدب الليبي القديم والحديث ويرسل الكاتب إشارات سريعة في التعريف بالأدب الليبي الحديث كقوله: (فهذا شاعر الوطن الكبير أحمد رفيق المهدوي ينظم القصائد، وهذا الشيخ أحمد الشارف ينشئ القصائد المليئة بالفخر والوطنية، وفي مطلع الخمسينات ..ظهرت مواهب شابة ساهمت مساهمة فعالة في مجال الثقافة والأدب )وقف الكاتب عند الأدب الحديث وقفة طويلة، وذكر العديد من أسماء الأدباء وأعمالهم الأدبية والتعريف بهم، كقوله:
(علي مصطفى المصراتي وهو كاتب وصحفي ومؤرخ جمع بين هذه وتلك فبلغ حتى الآن ما يزيد على ثلاثين كتاباً، وكامل حسن المقهور وهو محامي قاص مواكب للحياة الفكرية في البلاد، وعبد الله القويري كاتب جيد للمقالة وناقد أدبي أثرى الحياة الأدبية، وخليفة التليسي فإنه امتاز عن أقرانه بترجمته بعض الروائع الإيطالية إلى اللغة العربية، يضاف إلى هؤلاء يوسف الشريف وهو قاص مبدع، وصدقي عبد القادر كان يحب أن يلقب بشاعر الشباب لسلاسة تعبيره، أما علي الرقيعي الذي مات في ريعان الشباب مخلفاً ديواني شعر أسماهما الحنين الظاميء وأشواق صغيرة فهو بحق رائد مدرسة التجديد في الشعر الليبي الحديث وأول من من فك قيود القصيدة الشعرية فسارت بمثل ما سارت عليه قصائد السياب ونازك الملائكة)ومن السيرة الموجزة للأدباء تفتح آفاقاً جديدة للدراسات الأدبية والتعريف بهؤلاء الأدباء الذين تميزت أعمالهم الأدبية وأضاءت على صفحات الصحف والمجلات والكتب، وتكون سهلة وممتعة عند المثقف والباحث والصحفي والإعلامي وغيرهم من المتابعين للشأن الثقافي الليبي، وصنع الكاتب من المقدمة معالم الثقافة والأدب في ليبيا
وذكر الكاتب دور المرأة الليبية في الرحلة الأدبية قائلاً: (ولم تكن المرأة الليبية بعيدة عن الزخم الثقافي فقد قامت المرحومة زعيمة الباروني وهي ابنة المجاهد سليمان الباروني بكتابة مذكراتها عن سيرة والدها إضافة إلى تأليف مجموعة قصصية تعتبر الأولى في هذا المجال في بلدان المغرب العربي وهذه المجموعة القصصية المستوحاة من البيئة كانت ذات دلالة في العنوان والمحتوى وحملت اسم من القصص القومي)
إن المقدمة قوية المصدر تغذي الأطراف الثقافية المتعددة في الأدب الليبي، وتقود القارئ إلى مراحل التطور التاريخي في ليبيا، وتقدم عصارة الزمن الليبي الذي قدم بصمات واضحة في الشعر والقصة القصيرة والرواية والمسرح والنقد الأدبي والمورثات الشعبية وكل فن يتميز عن الآخر بأسماء رواده وأعمالهم الأدبية، وهذا يزيد الفضول عند المتلقي في القراءة والمتابعة.
ذهبت المقدمة إلى طريق أخر في التعريف بالأدب الليبي وهو عرض المدارس الأدبية وأثرها في أدبنا، كقول الكاتب : ( تأثر الأدب الليبي بالآداب العربية في المشرق العربي فكان دعاة التقليد من أمثال أحمد الشارف ورفيق المهدوي وبصورة أقل إبراهيم عمر يعتمدون على النظم والأوزان الشعرية ووحدة القصيدة مقتفيين في ذلك آثار أمير الشعراء أحمد شوقي وحافظ إبراهيم والمدرسة الشعرية العربية التقليدية )وكان التأثير بارزاً عند الشعراء الليبيين (وإذا كانت مدرسة الأتباع والتقليد لها أنصارها في الشعر الليبي، فإن تيارات التجديد ما لبثت أن وفدت على البلاد وأخذت تٌجاري في مدارس التجديد في المشرق العربي سواء في ميدان الشعر نجد علي الرقيعي أم في ميدان القصة عند عبد الله القويري وكامل المقهور في 14 قصة من مدينتي ومجموعة الجدار ليوسف الشريف ..وكان التعبير الأدبي سواء منه الشعر أو القصة أخذ من الرمزية ستاراً للتعبير عن آرائه وخلجاته نرى ذلك في رواية (من مكة إلى هنا) للصادق النيهوم ….في شعر علي الفزاني حيث تختلط المتناقضات في دواوينه الأربع مستعيراً تشبيهات عبد الوهاب البياتي وتتحول القصيدة عنده من مدن النار والرماد إلى مدن الثلج والصقيع،وبجانب المدرسة الرمزية في الأدب الليبي الحديث ثمة مدرسة تسجيلية تزعمها الدكتور علي فهمي خشيم نرى ذلك بشكل واضح في رواية حرب السنوات الأربع، وإذا كان علي فهمي خشيم قد استعان بالتاريخ في محاولته الربط بين أحداث الماضي والحاضر، فإن إبراهيم الكوني وهو أديب ذهب إلى أبعد من ذلك بتوظيف الأسطورة والخرافة في الآداب الشفهية عند أقوام الطوارق كأداة مثلى للولوج إلى الحاضر وحل مشكلاته) وهذه الورود الثقافية المتميزة تستحق الظهور والكتابة فيها لأنها أعطت عطورها الزكية على صفحات الأدب الليبي،وحقق الكاتب الغاية العلمية في مقدمته قائلاً: ( وفي هذه الدراسة حاولت التعريف بهذه النهضة المباركة في ميادين القصة والشعر والمسرح والتراث الشعبي، وأفردت لكل مجال من هذه المجالات باباً خاصاً بينت فيه تطور كل فن من هذه الفنون، وعرفت برجاله وأشرت إلى إسهامات بعضهم وأفردت دراسة لبعضهم الآخر) وهذه المنهجية في البحث توضح طريق الكتاب والغاية منه، والمقدمة أضأت الموضوع، ووضحت المضمون، ونستند على قول صاحب المقدمة بقوله: (إن هدفي من هذه الدراسة هو نقل تجارب وخبرات مواطنينا الليبيين والتعريف بهم عند إخوانهم المغاربة والمشارقة) ونقل الثقافة بين المجتمعات العربية تمدنا بالخبرات الأدبية والثقافية والتقدم نحو الأفضل بين الشعوب.