إيمان محمد – مصر
مراجعة رواية السقوط الأخير.
تأليف: كريم محمد علي.
الناشر: دار الميدان للنشر والتوزيع.
أربع سنوات.. أربع رحلات أخذتني بين صفحاتها، أسير تحت سماءٍ حمراء قمرها محطَّم، وليلها دائم، شمسها صورية وألوانها محدودة، سلامها خرافة، والنجاة حلم، أربع رحلات عشتها كاملة واليوم بدأت الرحلة الخامسة، اليوم فقط أخوض الرحلة الأخيرة في عالم المحرقة عبر السقوط الأخير.
الرواية تعد جزءًا أخيرًا من ثلاثية تندرج تحت تصنيف الفانتازيا والخيال، تدور أحداثها في عالمٍ واحد يُدعى عالم المحرقة، حيث يعيش العالم آخر لحظاته قبل النهاية الوشيكة، كل شيء متهالك تقريبًا، لم يبقَ شبرٌ واحد على حاله الأولى، غابت الشمس واختفت النجوم، فسدت المياه ونفقت الحيوانات، يبست الأرض وتمددت الصحاري، انتشرت الوحوش ونَدُر البشر، احتدَّ الصِّراع وحلَّت الحرب.
ما يُميز السلسلة بشكلٍ عام والرواية بين أيدينا كجزءٍ منها هو قدرة الكاتب على خلق عوالمٍ كاملة بقوانين وتاريخ وأساطير خاصة وعناصر مختلفة وفريدة، فبالإضافة لأجزاء السلسلة الثلاثة أصدر الكاتب روايتين أخريَين تدور أحداثهما في العالم ذاته، فتولَّد لدينا خمس روايات تحتفظ كلٌ منها بقصة وأبطال مستقلين وفي نفس الوقت تتداخل أحداثها وتتشابك ببراعة مع بعضها الآخر، لتربط بين العوالم الخمس وتجمع القصص المتفرعة على خيطٍ واحد نحو نهاية واحدة.
تميز أسلوب الكاتب بحسٍ تعبيري مميز وقدرة رائعة على وصف المشاهد -خاصة الحربية منها- حتى لأنَّك ترى المشاهد وتسمع الأصوات وتشم الروائح أحيانًا، وعلى الرغم من ذلك جاءت اللغة بسيطة مؤدية لما وُضعت له، فيمكننا القول أننا أمام كاتب يعتمد أكثر على الفكرة ويعتبر اللغة وسيلة لا غاية، جندي يؤدي دوره في خدمة الفكرة ولا تُترَك له القيادة، لا يمككنا وصفها بالضعف ولا يمكننا وصفها بالجزالة، فالحكم الأنسب أن نصفها بالجيدة القابلة للتطور، وهو ما يُلاحظ بالفعل إذا ما قارناها بالجزء الأول مثلًا.
على مدار الرواية تتصاعد وتيرة الأحداث شيئًا فشيئًا، وتُملأ فراغات كثيرة كانت متروكة في الأجزاء السابقة، فتوضع كل نهاية في مكانها، وتتكشف كل حقيقة تلو الأخرى حتى نصل إلى نهاية الرواية ونهاية السلسلة كلها، فتحدث الصدمة وتنقلب التوقعات، وتأتي نهاية غير متوقعة مهما سبح الخيال وابتعد لا يصل إليها؛ جاءت النهاية من النوع الملتوي أو “البلوت تويست” مما حمل تغييرًا جذريًا للأحداث وحطَّم كل توقُّع محتمل للنهاية، لذا فهي نهاية رائعة وموفقة لسلسلة مميزة.
الآن انتهت السلسة الأقرب لقلبي، مزيج من الحزن والرضا، يسيطر عليّ إحساس الفقد، رافقت أبطالها لأربع سنوات وانتظرت السطر التالي بعد الفاصلة في كل جزء، لكن لا مزيد من الفواصل في عالم المحرقة، الآن وُضعتْ النقطة، لكنَّه كان وقتًا ممتعًا ووداعًا طيبًا ونهاية لائقة، فشكرًا للسلسلة وللكاتب.