قصة

حالة طارئة جداً

من أعمال التشكيلي معتوق أبوراوي
من أعمال التشكيلي معتوق أبوراوي

بغرفة الأطباء في المستشفي العام جلس مجموعة من الأطباء يشربون القهوة ويتبادلون أطراف الحديث في مواضيع شتي.. في وقت مستقطع من العمل، لكسب بعض الراحة، وتجديد النشاط، في يوم عمل عادي يعج بالمرضي والكشوفات والتحاليل والعمليات وغيرها.. فجأة فتح الباب بقوة مع صوت الممرض يصرخ عاليا.. دكتور عبد الهادي.. يا دكتور عبد الهادي.. حالة طارئة مستعجلة جدا جدا يا دكتور.. شاب في غرفة الطوارئ عامل حادث شنيع.. وكل العاملين في الغرفة موجودين ومستنين حضرتك علي وجه السرعة..

د/ عبد الهادي: حاضر يا فايز شوي ونلحقك أسبقني أنت وأنا جاي وراك

أغلق فائز الباب، وولي إلي غرفة الطوارئ مسرعا يسابق الريح.

د/ عبد الهادي مخاطبا مجموعة الأطباء: ديمة وهما يرعشوا فينا تعال بسرعة.. فيسع ما تعطلش.. حالة طارئة ومرات تمشي تجري تحسابه حق.. تلقاه محصل كدمة و إلا جرح سطحي ونازف دم علي ملابسه مخليها كلها حمراء، يحسبوه حق حالته خطيرة.

د/ سمير: ياودي من كثرة ما مرت بينا هالحالات، كل يوم كل يوم خمسة ست حالات طارئة لين تعودنا عليه الكلام هذا.

د/ عبد الهادي: حوادث السيارات في بلادنا كترث، وزادت علي حدها، بسبب التهور والطيش وإنعدام تطبيق القانون.

د/ جابر: ومتنساش الطرق المكسرة حتي هي واخدة حصتها.. يا الله يا دكتور عبد الهادي، توكل شوف شغلك، الجماعة يراجو فيك في غرفة الطوارئ وكان إحتجت مساعدة.. نادينا نجوك علي وجه السرعة.

د/ عبد الهادي: حتي أنت مطفوش زيهم يا دكتور جابر، الصبر يا خوي، خلي نكمل هالسبيسي ونشربوا قهيوتنا، وبعدين ربك يسهلها.

نظر الجميع إلي الدكتور عبد الهادي بإستغراب وحيرة وإستهجان.

بعد فترة قصيرة وصل الدكتور عبد الهادي إلي غرفة الطوارئ، وهو في حالة من الهدوء والرصانة، ولم يظهر علي محياه أي علامة توحي بالهلع والخوف والمسئولية.

وجد الجميع جالسين وعلي محياهم وجوم كبير، لم يكن هناك أي عمل يسير بسرعة أو علي عجل.

إستغرب الدكتور عبد الهادي هذا السلوك وهذا الوجوم ووجه حديثه إلي الممرض فايز:

أه.. شن صاير يافايز.. وين الحالة الطارئة اللي قتلي عليها.. وإلا طلعت مش طارئة.

نظر فائز إلي الدكتور عبد الهادي نظرة لوم وعتاب وغضب، وبدأ أنه يختار كلماته بأدب حتي لا يؤديه

معلش يا دكتور / عبد الهادي سامحني.. ممكن ترجع لغرفة الأطباء تتريح، تكمل قهوتك، وتدخن حتي علبة سجائر كاملة.. الحالة الطارئة في واحد سبقك ليها، وقام بالواجب علي أكمل وجه.

د/ عبد الهادي: كيف صار من جي قبلي يا فايز أنت عارف أني أنا مشرف الطوارئ اليوم.

رد أحد الجالسين مشيرا بيد، ويمسح دموعا جرت علي خديه باليد الأخري: شوف يا دكتور عبد الهادي.. شوف غادي علي الطاولة اللي في ركن الغرفة، غادي ح تلقي الشاب صاحب الحالة، جاه عزرائيل قبلك، ودار معاه الواجب.

أسقط في يد الدكتور عبد الهادي، خارت قواه، حاول أنا يسرع في خطواته إلي حيث أشار المسعف.

وقف علي جثمان الشاب،أزاح الغطاء عن وجهه، نظر إليه بلهفة..

لم يستطع أن يكبح جماح دموعه أن تنهمر بغزارة

هذا الوجه يعرفه جيدا بالتأكيد، إنه يعني له الكثير الكثير.. إنه أحمد.. إبنه البكر.

مقالات ذات علاقة

وحشة

أحمد يوسف عقيلة

حجـرٌ في ظهرِ الطفـل

محمد النعاس

إنصـاف !

غالية الذرعاني

اترك تعليق