الحياة الثقافية (حوار/ حنان علي كابو):
الكتابة عند خيرية فتحي عبدالجليل أشبه بالمغامرة وتحديا فوق الذات، وتجربة مثيرة لعوالم غير اعتيادية، وانتصار ساحقا للخيال…
فهي من مواليد مدينة البيضاء، خريجة جامعة قاريونس عام 1992م – كلية العلوم – قسم حاسوب بنغازي، تكتب الخاطرة والقصة القصيرة والمقالة والرواية.
أعدت لإذاعة الجبل الأخضر عدة برامج ثقافية واجتماعية.. منها برنامج واحة النصف الأخر، برنامج مرآتي، برنامج قاموس المعلومات، وبرنامج تحت أهداب القمر إذاعة صوت ليبيا بالبيضاء.
شاركت في عدة أمسيات للشعر والقصة القصيرة هذه الأمسيات أقيمت في مدينة البيضاء في الفترة (1996- 2000م) بتنظيم رابطة الأدباء والكتاب بالجبل الأخضر.
تحصلت على جائزة الترتيب الأول في مجال القصة القصيرة على مستوى ليبيا ضمن فعاليات مهرجان النهر الصناعي العظيم لمواهب الشابة الذي أقيم في مدينة بنغازي.
تحصلت علي الأول في مجال القصة القصيرة على مستوى ليبيا للمعلمين عن قصتي شيخوخة وقصة صرخة سنة 2000م تنظيم نقابة المعلمين على مستوى ليبيا.
نشرت في صحيفة الوطن الإلكترونية.. والآن أحد أعضاء تجمع ناشرون وهو تجمع الكتروني علمي ثقافي أدبي عام لمحبي العربية، أعضاؤه أدباء ومؤلفون وأساتذة جامعة، ودور نشر وتوزيع ومعارض كتب، وقراء وطلبة علم، يلتزمون جميعا بالاحتفاء بالصدق والعلم – الأردن.
قامت بتحرير صفحة شظايا أدبية بصحيفة شمس الحوار الصادرة بمدينة البيضاء عن مؤسسة المجتمع المدني.
لديها كتاب مطبوع يحمل عنوان ”أول الفرح” صدر عن دار الكتب بالقاهرة سنة 2016م.. رواية “الأطياف الناطقة” صدرت إلكترونياً عن دار كتابات جديدة للنشر الإلكتروني عام 2017م.. ومخطوط لرواية لم تكتمل بعد ومخطوط لمجموعة قصص قصيرة، ومخطوط بعنوان “ذائقة الغياب والغربة“.
في هذا الحوار أبحرت معها الي عوالم الكتابة والقصة والرواية، إلى اطيافها الناطقة، وحبرها الذي لايكفي لكل الوجع، إلى مفترق المدينة وأول الفرح…
> حافز الكتابة…
كان الأمر في البداية مجرد مغامرة، تجربة مثيرة واكتشافاً لعوالم جديدة، تحدياً للذات، انتصاراً ساحقاً للخيال، مُحفزاً شاسعاً للدهشة، تفجيراً ساحقاً للأسئلة وعلامات الاستفهام، تحريكاً عجيباً للنشوة والانتشاء من أجل كتابة نص مختلف ورواية غير معهودة، جميلة مختلفة تماماً عن كل ما كتبتُ.. وثانياً تحقيقاً لرغبة صديق قال لي ذات يوم: ”أمنية لا زلت أتمناها كل ما قرأت نص من نصوصك وهي أن أرى هذه اللغة المكثفة المتدفقة كشلال نور نحو قمة الجبل الأخضر.. أن أراها وهي تنسج نصاً روائيا يكون أول نص روائي يقدم المرأة الليبية للعالم.. وأنا واثق بأنه سيكون متألق وغير عادي.. أو دعيني استعمل تعبير أخواننا المصريين (ح يكسر الدنيا)“. كان ذلك عام 2014م ومنذ ذلك التاريخ وأنا أنتظر اللحظة حتى وفقني الله إلى كتابة رواية (الأطياف الناطقة) وأقدمها للقارئ كما قدمها (موقع ليبيا المستقبل): ”ساعات قليلة تأخذك فيها الكاتبة عبر رحلة سردية شيقة، بين الحلم والواقع.. تصدمك بصراحة قاسية، ومواجهة الذات والأخرين، تكشف ما هو معروف ولكن مسكوت عنه، بلغة مليئة بالوجع والأسى على حلم لم يكتمل، تعاتب.. تغضب.. وتلطف الأجواء بين الحين والأخر.. تطرح الأسئلة بشجاعة وعفوية.. أبطال هذه الرواية أطياف بلا ملامح، لا وجود مادي ملموس لهم، ليسوا من عالم نتحسس الطريق إليهم باللمس، أو الشم أو التذوق، ولا هم من العالم الافتراضي الموجود أصلاً“…
> مسالك البوح…
الورقة بالنسبة إلى هي الملجأ الوحيد الذي أهرب إليه كلما ضاقت السبل الأخرى وانغلقت أمامي الأبواب وهي الملاذ الآمن منذ الصغر أيضاً، كان ضجيج الأعماق أكبر من مساحة الورقة بكثير وكانت الذاكرة تفيض وتئن أنيناً خافتاً ولا خلاص إلا بالكتابة، لا إنعتاق إلا بالبوح، لا نجاة إلا في صحبة قلم رفيق، أصلي على أصداء صرير احتكاك سنه الرشيقة، وحفرها في قلب الورقة، أنام وأصحو في صحبة الرفيق، كانت جدتيّ تراقب هوسي بالقلم من بعيد، تهز رأسها وتمضي لكنها تبارك هذه الصحبة الهادئة وهي لا تعلم أن هذه الرفقة أكثر ضجيجاً وصراخاً وعويلاً من صحبة أبناء وبنات الجيران في الساحة المقابلة لبيتنا القديم يوم عيد الفطر السعيد أو في الأفراح والمناسبات، جدتي لم تسمع جلبة القلم أو جلجلة الورقة، لم تنتبه لا لضجيج الأعماق ولا لنداءات القلب أو صهيل الروح، أكتب على خجل كنتُ أدس عنها هذا الضجيج الخافت تحت وسادتي مطمئنة إلى غفلتها وهي التي لا تعرف من القراءة والكتابة إلا سورة الفاتحة، الكتابة بالنسبة لي هي الحياة…
> نتاج قصصي وروائي متفاعل مع التجربة الآنية…
ثمة أشياء مهمة في موضوع الكتابة الإبداعية، هذه الأشياء هي التي تكون أو تخلق تجربة الكاتب، منها التجربة الحياتية، التجربة الشخصية الناتجة عن الإختلاط بالناس والقراءة المكثفة إلى جانب الموهبة الفطرية فحدود أي كاتب هو محيطه الإجتماعي، عائلته، مدرسته، أسرته، وطنه، إلى جانب ثروته من الكتب التي قام بقراءتها ومفرداته التي أكتسبها، كتبت عدة قصص قصيرة عالجتْ عدة قضايا إجتماعية وجمعتها في مجموعة واحدة “لا حبر يكفي لكل هذا الوجع”، كتبت رواية (عند مفترق المدينة) وهي قصة الشاب (عبد الله) الذي ترك دراسته وألتحق بالثوار في معركة (البريقة) بالإضافة إلى روزاية الأطياف الناطقة، فالكاتب عندما يريد أن يكتب عن أي شيء يجب أن يعيشه معايشة واقعية ثم يكثف القراءة عنه وبعد ذلك تأتي مرحلة الكتابة…
> ملامح العلاقة بين الكاتبة وأبطالها…
أحاول أن أعيش التجربة التي يعيشها أبطالي، أضع نفسي بدلاً عنهم تارة وتارة أدع لهم المجال ليعبروا هم عن أنفسهم، وأغلب الوقت أشاركهم أحاسيسهم، مشاعرهم، معاناتهم، فرحهم، لحظة انحدارهم أو تألقهم، أبطالي تربطهم رابطة دم قوية، رابطة وعلاقة أنهم ينحدروا من سلالة قلم واحد ومن حبر واحد يتشكلون من مفرداتي اللغوية الثرية وينتمون إلى طريقتي السلسة في الكتابة وعالمي الذي أعشقه…
> الاتحادات والروابط وأهميتها في تنشيط الحركة الثقافية…
كم أتمنى أن يكون للأدباء في ليبيا رابطة أو أتحاد أو كيان كبير يجمع شتاتهم ويقوم بالنشاطات المختلفة ويسهم في تنشيط الحركة الثقافية لكن للأسف يوجد رابطة دون تفعيل أو تنشيط للحركة الثقافية في بلادنا…
> الأطياف الناطقة وجائزة منف…
تابعت الدرجات التي وضعتها لجنة التحكيم والتقارير فوجدت انهم يضعون درجة للعاطفة ودرجة للخيال، والصور المركبة واللغة وسلامة الكلمات والحبكة، البناء الدرامي وتماسكه، تصاعد الإحداث والنهاية والأسلوب الراقي وكانت الملاحظة التي وضعتها لجنة التحكيم “متميز يثبت حضور الذات السادرة في هذا النص الروائي”، وهذه في اعتقادي كلها أمور ساهمت في جعل هذا العمل يتحصل على جائزة منف على مستوى الوطن العربي…
> شخصيات تتماهى بعيدا عن النص…
رغم أنني أقوم بكتابة شخصيات قصصي ورواياتي من خيالي وأقوم بخلقها على الورق في محاولة مني لجعلها شخصيات تنبض بالحياة إلا أنه في بعض الأحيان تتمرد علي وتأتي كما هي تشتهي لا كما يخطط لها، رغم محاولاتي في كبح جماحها،أحيانا تتفوق علي حتى أنني أقول عند إعادة القراءة: من كتب ذلك؟
> عادات للكتابة؟
أن أكتب في غرفتي، أو مكان منعزل، هادئ، لا يشاركني إلا كوب الشاي وحاسوبي الخاص، ويجب ان تكون النافذة مفتوحة…
> نص وليد بيئته…
ومن منا لم يتأثر بهذه الأحداث، من منا لم تغيره، تهز أعماقه وتزلزل كيانه، المبدع الحقيقي هو الذي يملك رؤية خاصة به يستنبطها من تجاربه الحياتية ومن البيئة المحيطة به والأحداث السياسية والوطنية التي تمر بوطنه ويقدمها لنا في صورة عمل قصصي أو روائي أو نص وجداني، فعندما تتقطع بك السُبل، عندما تمسح المكان بعينين زائغتين مليئتين بالدموع ونظرة استجداء فلا تجد إلا السراب، عندما تسُد المنافذ والطرق على أبجدية عاشقة، عندما يتعثر الكلام وتختلط التأتأة بالدموع وتخذلك العبارة ويغوص نصف الكلام في الحلق وتتباطأ الخطوات، ترتبك وتنكسر أمام المسارات المفروضة والمسارب المزروعة بعلامات الحذر والتوقف والشك والسؤال، تقف في المفترق تجد نفسك في مهب ريح ولا من معين، عندما تتوسل وتدعو وتستنجد فلا يستجيب سوى صدى نشيج حنجرتك الباكي، وتكون لحظات الفرح مصادفة قد تأتي وقد لا تأتي، عندما تشتاق وتموت اشتياقا للحظة نادرة لا تأتي وزمن فات، عندما يتقاسم أطفالك كسرة خبز، وتنكسر نظرتك أمام طوابير البشر، يطاردك لهاث طفلك المريض الجائع أمام باب الجامع، تستدير عائداً، تطلق صرختك ولا تدخل للصلاة، تخجل من الله ومن الوقوف خلف إمامٍ ملطخ الثوب بالنفاق، تتمنى أن تقتل صوت الخطيب المتلون ببحة شك، عندما تتأبط العجائز الفراغ وتستجدي الأمهات دفء الأرصفة، ولا تسمع إلا صوت التمتمة في زمن البوح والكلام.. عندما تبحث عن مكانٍ للصلاة فلا تجد، كل الأرض ملطخة بماء طهر كاذب.. تأكد أن لا وطن لك إلا الذات فأرحل و أنا قمت بالرحيل والإنكفاء والتقوقع داخل شرنقتي الأمنة وهي الكتابة وكان الرحيل الفاجع توغلاً في الذات…
> الثقافة في زمن الحرب قضية…
للحرب أدب وثقافة وأمور كثيرة لا يمكن الكتابة عنها أو مناقشتها أو الخوض فيها إلا في هذا الزمن زمن الحروب والنكبات فالثقافة في زمن الحرب ليست ترفاً بل رسالة وقضية تقع على عاتق كل أديب، هناك روائع أدبية خلقت من رحم الحروب، لكن المؤسسات الحكومية الموجودة الآن على الساحة عاجزة تماماً عن تلبية حاجة المبدعين في النشر…
> تشكل الهم القصصي…
منذ الطفولة كتبت القصة القصيرة وأنا في المرحلة الإعدادية، كنت أخبئ كراستي تحت وسادتي وأنام، كتبت عن الفصل والمعلمة وزميلات الدراسة واستراحة الفطور ومديرة المدرسة ثم في فترة الدراسة الجامعية راسلت برنامج (ما يكتبه المستمعون) من إعداد الكاتب والأديب (سالم العبار) وكان الأديب الدكتور (الناجي الحربي) الذي أدين له بالفضل في تشجيعي بعد الوالد طبعاً، نشرت قصصي في صحيفة الشمس والزحف الأخضر وأخبار الجبل التي كانت تصدر في تلك الفترة، توقفت فترة طويلة ثم وبفضل الله عدتُ من جديد لأكتب الرواية والقصة والنص الوجداني الأنيق…
> الكتابة في زمن الحرب…
الكلمة مثل الرصاصة، بل أخطر من ذلك بكثير، يمكن للكاتب أن ينتقد الحرب، أن يتكلم عن وحشيتها أثارها، عن مفهم حب الوطن والتضحية في سبيله، عن الدمار والخراب الذي تتسبب فيه الحرب وبذلك يشارك في توقف الحرب…
> النشر الالكتروني…
في الوقت الحالي وفي ظل الظروف القاهرة وبالنسبة لي نعم هو السبيل الوحيد، لا أنكر أنني أتوق وأتمنى وأرغب في طباعة كل مخطوطاتي الورقية ولكن إلى أن يتحقق الحلم الجميل يظل النشر الإلكتروني هو سبيلي الوحيد لطباعة أعمالي…
> نسق جديد في الرواية الليبية…
”هذه الرواية، التي خرجت في نسخة إلكترونية، نسق جديد في الرواية الليبية، نسق مختلف، تعتمد فيه الكاتبة على البوح، والسرد الخلص، دون التعويل على الاشتغال الروائي، والحضور الطاغي للشخوص، فهي حتى في نهاية الرواية، عندما تغادر دائرتها، باتجاه اللقاء بالطيف جسداً، تختار أن تجعل اللقاء لحظياً، وكأنه ما كان ليكون، أو إنه إنما كان لينتهي في لحظته، لا مزيد”.. هذا ماكتبه الشاعر (رامز النويصري) عن الأطياف الناطقة وهذا ما أردته بالفعل ولكن يجب أن نعلم أن لكل نص قراءاته المتعددة ولكل ناقد وجهة نظر مختلفة، وكذلك في رواية (عند مفترق المدينة) تعمدت الكتابة بنسق جديد، أنا أؤمن بكسر القيود خاصة عند الخوض في تجربة الكتابة الروائية…
> مخاض عسير…
أكتب في حالة معينة، حالة وجدانية يصعب وصفها وعندما أنتهي من النص احتفظ به أو أنشره كما هو، بالنسبة لي لو رجعت إلى النص بعين ناقدة متفحصة وأنا في حالتي العادية لتغير النص أو ربما تشوه، عندما أكتب النص أتركه كما هو بعيوبه لأنه ناتج عن مخاض عسير وحالة معينة أعيشها ويصعب تفسيرها…
> روافد الكتابة…
هي رحلة شاقة بدأت مع الطفولة وجدت نفسي أعشق حصة التعبير وأحاول أن أكتب شيئاً مختلفاً عن ما تكتبه الطالبات أو ما تريد المعلمة قوله من خلال عناصر الدرس، شيئاً ما في داخلي يحفزني للكتابة، شجعني الوالد الله يرحمه على القراءة مبكراً، كنت أحب المجلات الحائطية التي تطلبها معلمات اللغة العربية، أخيراً وجدت نفسي في القصة القصيرة والنثر من خلال ما يكتبه المستمعون كتبت عدة نصوص نشرت في بعص الصجف آنذاك، بعد ذلك كان موقع (ناشرون) وعدة مواقع أدبية في تونس والمغرب واليمن من خلال الإنترنيت ووفقني الله إلى طباعة (أول الفرح) وهو مجموعة من النصوص النثرية عن دار كتب بالقاهرة وشاركتْ به الدار في معرض القاهرة الدولي عام 2016م، ثم فكرت بالنشر الإلكتروني فكانت رواية (الأطياف الناطقة) والمجموعة القصصية (لا حبر يكفي لكل هذا الوجع)، فازت الأطياف الناطقة في جائزة منف للرواية الإلكترونية على مستوى الوطن العربي 2017 وفازت كذلك مجموعتي القصصية في جائزة أنتبيرجيس للإبداع على مستوى ليبيا عام 2019م عن القصة القصيرة، لدي عدة مخطوطات أفكر في طباعاتها الكترونياً والمشاركة بها في عدة مسابقات بعون الله…
> طيف الكتابة…
الكتابة عبادة تنفجر مشاعري وقت الكتابة، هذه الهواية زرعت في حياة أخرى، هذا الكتاب هذب أطراف روحي وذاك تغلغل بين تجاعيد ذاكرتي وذلك يثير حنقي، لا أستوعب ارتفاع سقف روعته، هذه الصفحات هشة رقيقة كامرأة وتلك تزعزع ثقتي بمفهوم الجمال وأخرى تحتضنني وتنصت إلى شكواي، أول كتاب تفتحت عليه عيني ومداركي كتاب (ألف ليلة وليلة) وأول مكتبة تهت بين ردهاتها هي مكتبة والدي، كان والدي يحمل الكتب والمجلات التي يشتريها وبعد قراءتها يدفع بها إلى، كان يعرف أبنته جيداً التي يسيل لعابها لمجرد وجود ورقة وقلم وما خلوت إلا وفي يدي قلم أو كتاب…
> لحظات فارقة في الكتابة…
أنه وجع وأي وجع يتركه هذا الغياب في أعماقي، أي ليل شارد بدون عطر أنفاس كلماتك؟!!! أي أثر تركته فوق تلافيف الذاكرة قبل أن تغلق الأبواب خلف حزني وترحل مبتعداً عن جدران الليل الذي أستفرد بي بطوله وأنا ألتحف الوحدة وأرتجف وعيناي معلقتان بإطراف دفء عباءتك المنسحبة ببطء و قسوة وفي يدي تأشيرة حنين صالحة وقابلة للتجديد أُلوح بها وأحشو ثقوب العمر وأتوق للدخول إلى عوالمك السحرية بخطوات ثابتة اقطعها مدى الحياة، لكنني أتهاوى وأتعثر وأجر حزني الثقيل رغم رصفي للطريق في عبوري إليك متأرجحة بين اليقين وعدم اليقين والليل يهديني قمراً ضئيلاً باهتاً مشفقاً عليّ من حيثُ لا يدري.. الكتابة لا تموت في أي لحظة من اللحظات والبوح لا ينضب لكن الرحيل يترك وجعاً يجعلك تصوم عن كل شيء، الكتابة تولد من رحم المعاناة، من شدة الحزن وشدة الفرح، في الحالتين نكتب…
<هل هناك رحيل أكثر بشاعة من هذا الرحيل، ووقع غيابه، الاب في حياة الكاتبة؟؟
هل هناك رحيل أكثر بشاعة من هذا الرحيل يا أبي..؟ رحلت وفي فمي الكثير من البوح العالق.. فكيف أرسله إليك؟ حائطك على الفيس جامد لا يتحرك، وهاتفك أرقامه تضيء ولا من مجيب، مازال في جعبتي الكثير من الكلام ومن الحنين ومن تراب الوطن عالقاً بأهداب قلمي، مازالتْ هناك أشياء معلقة بين سن قلمي والورقة، هذا الغياب، قاسياً،عاتياً، قاسماً، واسعاً، كبيراً عليَّ، تركتني هكذا سريعاً، تركتني وحيدة في قارعة طريق محفوفة بالحنين…
“الأطياف الناطقة، نص يربك حسابات العقل، والمنطق، ويخرج بين أنقاض الروح ويعلن عن نفسه… هو نص لا يشبه إلا نفسه، نص روائي يختلف عن كل ما كتب في الرواية الليبية، أتمنى أن يطبع ورقياً”.
____________________________________________
* نشر بالعدد (44) من صحيفة (الحياة الثقافية)، 16 ديسمبر 2019