إذاعة هولندا العالمية
“تحضرني أم كلثوم حين تغني” عمر ضايع يحسبوه ازاي عليا”، حين يؤاخذ علي البعض أني أُجبرت على أن أكون قريباً من نظام القذافي ” يقول الكاتب الليبي الكبير أحمد إبراهيم الفقيه مرتشفاً قهوة بحليب لا تصنع إلا في هولندا، مضيفاً، “أنا من ضحايا القذافي، سرق عمري. أنا من اصحاب الاعمار الضائعة. لم يتبق لي إلا عمري الضائع”. ويحاول الفقيه أن يكرس ما تبقى من عمره الضائع للكتابة، ” دائماً تمنيت أن أتفرغ تماماً للكتابة يوماً ما”. ومهما اختلفت الآراء حول الفقيه، يظل أديباً متميزاً وصاحب قلم يشهد بقدرته النقاد.
إنجاز في ظل أعتى الأنظمة
قبل هذا كان الفقيه يعمل ويكتب ويصرف “مرتبه على إنتاجاته الأدبية” كما يصرح متأثراً، مؤكداً أنه كان يستغل هامش الحرية الموجودة دون أن يتخطاه كي لا يعرض حياته للخطر، وبهذا التكتيك ايضا، “لم يسجن نجيب محفوظ حين امتلأت سجون عبد الناصر بزملائه”. كل “جرم” كاتب ليبي مثل الفقيه، يشهد العالم بتميزه، أنه “تعايش مع ديكتاتور”، “ولكني لا أشعر أني فقدت معه شيئاً، تستطيع ان تأخذ الجواد إلى الماء ولكن لا تستطيع ان ترغمه على الشراب، بل حققت للأدب الليبي هذا الرصيد الضخم من مؤلفاتي تحت ظروف مؤلمة لحد التوحش. تعاملت مع نظام القذافي كما أتعامل مع ريح عاتية وبشكل يحفظ عنقي وكرامتي”. والجدير بالذكر، أن الفقيه وقبل نظام القذافي، صنعته روايته “بحر لا ماء فيه” التي صدرت في العام 1965.
النيهوم والكوني
الصادق النيهوم وإبراهيم الكوني، اثنان من أبرز كتاب ليبيا على الإطلاق، يتوقف لديهما الفقيه متذكراً ذاك الزمن الذي كان فيه ظهورهم تحدياً قوياً في ظل نظام “يحارب النجومية، ويشتهي تصفية كل نجم بلا رحمة”. الفقيه يكبر الكوني سناً، ليس هذا فقط، بل يصرح الفقيه أن الكوني نفسه “يعترف باني سابق عليه واني صاحب فضل عليه. لا منافسة بيني وبينه باستثناء منافسة جميلة في مجال الكتابة. إن الف هو كتاباً، أؤلف أنا ثلاثية”. إلا أن أصداء كثيرة تبوح أن المنافسة بين الاثنين كانت أكبر، اشعل فتيلها القذافي نفسه بين الاثنين، ليتنافسا على حظوتهما لديه.
الصادق النيهوم، الذي تجاوز الكتابة ليتميز بفكره وفلسفته في الحياة، تحول إلى ظاهرة تستحق الدراسة. الفقيه عرفه عن قريب، “كان رجلا له قامة سامقة وحضور قوي وله من معه ومن ضده” بشهادة الفقيه نفسه، الذي اعتبره البعض خصماً للنيهوم، ولكنها حسب الفقيه لم تكن هي الأخرى أكثر من “خصومة في الموقف الفكري. خصومة كتبت عنها في مقال طويل يشبه الكراس”. ربما كان تعامل النيهوم مع نظام القذافي، أذكى مما استطاعه الفقيه والكوني. حين قام القذافي بانقلابه، كان النيهوم في قمة شعبيته. كان شباب بنغازي متأثراً به للغاية، يقلدونه في شكله، في شعره وفي ملبسه واسلوبه في الحياة. كان يمثل الثورة الشبابية في 1968.ويشهد الفقيه أن القذافي بذل جهداً في استقطاب النيهوم ليكون معه. ولكن النيهوم رفض دائماً وبذكاء أن يصبح بوق القذافي، ويضيف الفقيه متنهداً” والله يرحمه، انا متأكد ان الصادق النيهوم لو لم يجد أمامه ذاك المعتوه، لكان أكبر مما هو عليه”.
“مؤخرات” للقذافي
الطريف ربما أن القذافي اختار الفقيه ليكتب له مقدمات لكتبه، فكان يضعها في مؤخرة الكتاب، وهو ما أثار نوعاً من النكتة في أوساط المثقفين الليبيين. لكن الفقيه يعلق قائلا، “كتب قصتين بأسلوب جميل، لهما قيمة أدبية، وأنا أصرح بهذا وهو ميت الآن، جاءتني مصححة وكنت أمينا معه. هذه قطرة في ميزان حسناته مقابل محيطات طغيانه”. يقول الفقيه إن القصتين وثائق نفسية تستحق أن نضعها أمام علماء النفس لدراسة نفسية هذا الرجل. “في قصة” الفرار الى جهنم “، تنبأ بمصيره فعلا، فهل تستحق الدراسة أم لا؟”
“للدكتاتوريين أحيانا نوعا من الاجادة في الابداع الادبي.. كانوا كتابا ومجانين مثل هتلر وموسوليني، نفس طينة القذافي”. ويعود الفقيه لنفسه ليتذكر معترفا: “أنا.. مسكت القلم في أحلك الظروف وكان سلوى وعلاجا نفسيا، قد يستغرب المرء ان كاتبا مثلي كتب سبعين مؤلفا وهو يشتغل يتعايش مع طاغية”.
“عنتريات لم تقتل ذبابة”
في العام 1970، منح القذافي جائزة الثورة في الادب في عيد ثورته الأول، للفقيه. في العام 1982، عرض عليه منصب وزير الثقافة، ثم أوفده كديبلوماسي إلى الخارج. ” كان مجرد عمل، اقدمه لبلدي، لا أكثر”، يقول الفقيه، رافضاً بالقطع أن يشار إليه كرمز من رموز النظام السابق. “كان صعبا رفض القذافي من البداية. كان قد جاء بتغيير وكنا كشباب مرحبين به لأننا لم نكن نعرف العواقب. ذهبت بنا الشعارات آنذاك بالحماس بعيدا “عنتريات لم تقتل ذبابة”.
طفولة صعبة
ويسهب الفقيه في الحديث عن طفولته: “التقطت دراستي التقاطاً.. لم يكن في زمني ومحيطي وعي بالدراسة. كنت أساعد والدي في دكانه. درست الابتدائية في قريتي مزدة أربع سنوات، وزادت سنيتن كانتا كارثة لعائلتي. وبعد ست سنين، لم استطع ان اصبح موظفا كما كان الامر من قبل.. والتحقت التحقت بمدرسة داخلية في طرابلس. كنت اول واحد من قريتي يدرس واعتبر نفسي محظوظا”. يحاول الفقيه حالياً تجميع اعمال مبعثرة في رواية.. “مرافئ الطفولة” سيرة ذاتية “غير مسبوقة، توقفت فيها طويلا لدى الطفولة، كما لم يفعل أديب عربي من قبل أبداً”.
دردشة بمقهى أمستردامي
للفقيه طريقة سرد جذابة، تنسيك الضوضاء في مقهى بدأ يكتظ، في أمستردام، المدينة التي يزورها لأول مرة فيقع في عشقها فوراً. يروي عن المسرح الذي أتى به لأمستردام، عشقه الأول، عن عائلته وأسافره وأصدقائه، وعن “موقعة الجمل”، التي وجد نفسه بسببها حبيس طرابلس قبل أن يعود للقاهرة ويعلن انشقاقه عن القذافي. وحين يصل إلى زمن الثورة الفبرايرية، يترجم على الشهداء، متأملاً المشهد الثقافي الليبي الجديد: ” انا على يقين ان هناك الان افاقاً جيدة ستفتح امام الحياة الأدبية والفكرية والإبداعية رغم اني لم أر تشجيعا من السلطات الليبية الحالية”.
تعليق واحد
كلما حاولت احترامك احمد ابراهيم الفقيه اترجع، من لا يعرف انك من اصحاب المصالح، القذافي لم يبحث عنك لتقول خفت على رقبتي انت من تقربت منه من اجل المصلحة وكل الليبيين يعرفون ذلك، انت لم تجلس في ليبيا يوما واحد عشت متنقلا بين دول العالم،احترم نفسك وانت تعيش اخر ايامك