المقالة

القرآن بين الإيمان والإسلام

سلسلة: الصورة والخيال

سعود سالم

النص القرآني
النص القرآني

3 – القرآن بين الإيمان والإسلام

إن الخيال كمكون أساسي للإنسان، مثل التفكير، والإدراك الحسي، والإدراك المعنوي “اللغوي”، وكمصدر لأحد النشاطات الإنسانية المهمة والأساسية، “الخلق والإبداع الفني”، قد يمثل أحد المفاتيح المحتملة لفهم ظاهرة تكوين وتطور الفكر الديني عموما، والفكر الديني الإسلامي بصفة خاصة. أو على الأقل إلقاء الضوء على المجال الذي حدثت فيه القطيعة بين الشعر وبين الدين، رغم توحد المصدر الجغرافي والفني والثقافي. ولعله من المهم التأكيد في هذا المجال، أنه من خلال الفكر الديني ذاته، جاءت المحاولات الأولى لتحليل البنية اللغوية للقرآن، واستنباط الأشكال الفنية التي يحتويها، ودراسة هذا النص في حدوده التاريخية واللغوية، واعتبار الخيال أحد العوامل المهمة في تركيبه، والتي أدت إلى استقباله وفهمه كلغة مجازية تصويرية. ويكفي الإطلاع على كتاب سيد قطب “التصوير الفني في القرآن”، لإدراك ما نقصد إليه في هذا المجال. حيث أن إدراك وتحليل النص القرآني كعمل إبداعي، يلعب فيه الخيال دورا أساسيا، وحيث تبدو فيه البنية المجازية كوحدة مركزية ورئيسية: “فالتصوير هو الأداة المفضلة في أسلوب القرآن” حسب قول سيد قطب، حيث “الحوادث والمشاهد والقصص والمناظر، فيردها شاخصة حاضرة، فيها الحياة، وفيها الحركة. فإذا أضاف إليها الحوار، فقد استوت لها كل عناصر التخيل، فما يكاد يبدأ العرض حتى يحيل المستمعين إلى نظارة، وينقلهم نقلا إلى مسرح الحوادث الأولى الذي وقعت فيه، أو ستقع، وحيث تتوالى المناظر وتتجدد الحركات، وينسى المستمع أن هذا كلام يتلى، ومثل يضرب، ويتخيل أنه منظر يعرض، وحادث يقع..”. ويستمر سيد قطب قائلا ” فهو تصوير باللون، وتصوير بالحركة، وتصوير بالتخيل. كما أنه تصوير بالنغمة تقوم مقام اللون في التمثيل، وكثيرا ما يشترك الوصف والحوار وجرس الكلمات، ونغم العبارات وموسيقى السياق، في إبراز صورة من الصور تتملاها العين والأذن والحس والخيال والفكر والوجدان..”.ولا شك أن مواجهة النص القرآني كعمل أدبي أو فني، وتحليله من منظور استيطيقي دون السقوط في متاهات الفكر الميتافيزيقي ـ الغيبي، يعتبر مدخلا ولو كان ضيقا لتنفس القليل من الهواء البارد النقي من التلوث الخرافي، والإنفتاح على مجال عقلي يسمح بإمكانية الحوار. ورغم أن سيد قطب لم يكتب هذا الكتاب لهذا الغرض، وإنما ليؤكد على العكس من ذلك، أن هذا الجانب الفني والخيالي يضاف إلى معجزة اللغة العربية ذاتها، والتي تتخذ صفة السحرـ سحر اللغة العربية ـ كأحد الأسباب التي دفعت العرب منذ البداية لاعتناق الإسلام. وهو يفصل بين طريقتين لتوصيل المعاني إلى القارئ أو المستمع :

1ـ  طريقة نقل المعاني الذهنية والحالات النفسية، وإبرازها في صور حسية بواسطة الخيال.
2ـ  نقل المعاني والحالات النفسية في صورتها الذهنية التجريدية.

وسيد قطب يؤكد بأن القرآن استعمل الطريقة الأولى لتوصيل المعاني، “ولهذه الطريقة فضلها ولا شك كأداة للدعوة لكل عقيدة، ولكننا إنما ننظر إليها هنا من الوجهة الفنية البحتة. فوظيفة الفن الأولى هي إثارة الإنفعالات الوجدانية وأشاعة اللذة الفنية”. ولكن قصة إعجاز القرآن وفصاحته وأنه سحر العرب وجعلهم يدخلون الإسلام بأعداد كبيرة ما هي إلا خرافة أخرى وتنتمي إلى Fake News كما يقال اليوم. فقد استمرت الدعوة المحمدية في مكة قبل الهجرة ثلاثة عشرة عاما، وكتب فيها حوالي ثلث القرآن، ولم يدخل الإسلام طوال هذه الفترة أكثر من ١٥٤ شخصا فقط لا أكثر ولا أقل، أي ليس أكثر من ١٢” كافرا” يعتنق الإسلام في السنة. فأين هو إذا هذا الإعجاز الذي يتحدثون عنه؟ وربما يجب إعتبار هذا الفشل في إقناع أهل مكة لإعتناق الدين المحمدي، وفشله في كسر الولاء القبلي هو الذي دفع بمحمد وزمرته بالهجرة إلى المدينة بعد أن تفاوض مع بعض قبائلها. وفي المدينة طرح محمد مفهوما جديدا هو مفهوم الأمة القائم على العقيدة ليكسر طوق القبيلة في الولاء والإنتماء والحماية وذلك في ما يعرف بصحيفة يثرب، والتي تعتبر أول معاهدة سياسية حربية بين المهاجرين والأنصار واليهود، والتي تبدأ بهذه الكلمات: “هذا كتاب من محمد النبي (رسول الله) بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن اتبعهم فلحق بهم وجاهد معهم. إنهم أمة واحدة من دون الناس.” وقد وضع في هذه الوثيقة الأسس الأولية لمفهوم الأمة وحدد القوانين الداخلية والنظام الأمني والعلاقات بين القبائل العربية واليهود. ويمكن إعتبار هذه المعاهدة كنواة الجيش الإسلامي الذي كونه محمد من تحالف هذه القبائل لبداية شن هجمات عدوانية على القوافل التجارية المكية وبداية تكوين الإقتصاد الإسلامي المبني على الغنائم. وبعد انتشار الإسلام وإحتلال مكة الناتج عن الغزوات العديدة أصبح الدخول في الإسلام جماعيا وليس فرديا، أي أن القبيلة هي التي تعلن إسلامها وليس أفراد القبيلة، وهكذا تحول الولاء العقائدي إلى الولاء السياسي، ولهذا فرق محمد في الصحيفة بين المؤمنين والمسلمين، وهو ما يفسر أيضا إرتداد كل القبائل العربية عن الإسلام بعد موت محمد، ما عدا قبيلة قريش التي رأت أنه من مصلحتها الإقتصادية أن تبقى عاصمة للدين الجديد.

إن العودة إلى بداية الدعوة المحمدية والنظر إلى هذه المرحلة التاريخية من زاوية إجتماعية وإقتصادية ضروري لتبديد الأوهام ودحض الأكاذيب التي ما تزال تدرس في المدارس حتى اليوم عن معجزة الإسلام وسحر القرآن اللغوي. الحقيقة أن الدعوة المحمدية كانت مجرد حركة سياسية وعسكرية انتشرت وانتصرت في الجزيرة العربية بفضل البرجوازية القريشية في مكة. أما القرآن والدين الجديد فما كان ذلك إلا ذريعة لهذه الحركة السياسية ذات الدوافع الإقتصادية والمصالح القبلية.

مقالات ذات علاقة

في اختلاف النهارات

جمعة بوكليب

إطار الصورة الفوتوغرافية

المشرف العام

مُجْتَمَـعُ المَعْــرِفَةِ العَـرَبِي

خالد السحاتي

اترك تعليق