ثمة صراع بين الألوان في اللوحات التجريدية التي يرسمها التشكيلي الليبي يوسف السيفاو كالأزرق والأحمر والأصفر، وهو يرى أن هذا الصراع ينتج أعمالا مبهجة بعيدة عن الألوان الشاحبة أو الأخرى السوداوية، وكأنه يسعى من خلال هذه الألوان الحارقة والحادة إلى تشكيل جديد لوطنه المشتهى.
التقت يوسف السيفاو الذي قال عن علاقة ما يرسمه بالآخر/المتلقي “يشغلني المتلقي كحالة إنسانية لها تفاعل مباشر مع الحياة، المتلقي هو ‘أنا’ بعدّة أشخاص وفي عدة ظروف، فلا فنان بغير متلق، الآخر هو الفنان، وكلاهما نسيج واحد مكمل لبعضه البعض”.
ويلفت السيفاو إلى أن للفنان منابع ومصادر يستلهم منها أعماله قد تختلف اختلافا كبيرا بينه وبين باقي أفراد المجتمع الذين تُشكّل حياتهم وهمومها ومجرياتها مصدره الأول للإلهام، فالفن عنده هو واجهة المجتمع ومرآته. ويضيف “الفنان هو أول انعكاس للحالة الصحية لمجتمعه، والمجتمع بدوره انعكاس لتلك الحالة النفسية والمزاجية التي يمر بها الفنان، وقد تكون هذه الحالة نتاج لحظة أو موقف أو تجمّع لمجموعة من الرؤى التي تتخذ لنفسها شكلا محددا وملحّا، يظل يصرّ على الخروج للعلن في عمل تشكيلي ينفذه عادة على سجيته”.
ولا يحبّذ الفنان الليبي وصف التفاعل بين المتلقي واللوحة بالمعقّد، قائلا “الجمهور الليبي يملك ملكة فطرية في النقد، فهو سريع التأثر بما يشاهده من أعمال. ناقد رفيع المستوى وباحث ممتاز عن نواحي القصور في اللوحة”.
عن انتصاره للمرأة في لوحاته، يقول يوسف السيفاو “المرأة ليست سجينة في أعمالي، إنما هي حرة بشكل يفتقده الرجل ذاته. هي سيرة حياة وقصة كفاح، ولم أجرؤ يوما على رسمها في صورة المُكبّلة، المرأة تتميز عن الرجل بحيّز تعبيري واسع في الأعمال الفنية سواء في أعمالي أو في أعمال غيري من الفنانين، ويمكن وصفها بأنها العنصر الإنساني ذو أبعاد متعدّدة المفاهيم، فإن رسمت الطبيعة، فالشجرة أنثى والوردة أنثى والطبيعة في حد ذاتها أنثى”.
ويسترسل “الجمال أصله المرأة والعطاء أصله الأم وكل مفاهيم البذل والصبر هي من قلب المرأة، المرأة هي الوجود وميزان ثقافة المجتمع ومنبع أصالته، بحيث يمكنني أن أحكم على ماهية مجتمع معيّن من الوهلة الأولى بالنظر إلى وضع المرأة فيه”.
وتُظهر لوحة “منعطف” إنسانا مكبّلا بالقيد، وعنها تسأله “العرب” إلى أيّ مدى استطاع هذا العمل أن يجيب عن أسئلته حول الفن والحياة؟ فيقول “هذه اللوحة في طور الإنشاء وتتطلب بحثا تاريخيا أوسع عن المجتمع الليبي ومراحله، والشخص المكبّل هو انعكاس لمشكلات البشر وصراعهم مع ظروف حياتهم ومصائرهم”.
وهو يرى أن الفن والحياة وجهان لعملة واحدة، موضحا “الحياة آلة جبّارة ترهق الناس وفيها ما يكفي من هموم، يحتك بها الإنسان وينتج عن ذلك الاحتكاك تفاعل اجتماعي وإنساني يجر بدوره هموما أكبر، ما يحيل الإنسان إلى كومة من المشاعر الملتهبة التي تختلف حدّتها من شخص إلى آخر، وبالتالي تختلف القيود تبعا لطريقة استقبال كل فرد لها”.
ويعتبر الفيساو أن موضوع الفن وعلاقته بالحياة، يظلّ موضوعا معقّدا، وقد حاول البشر تجسيد تلك العلاقة بمدارس فنية متعددة، كانت للإنسان ذاته الحصة الأبرز، وسيظلّ صراعه معها موضوعا مستمرّا ما دامت هناك حياة تستمر وفنان يعبّر.
وحول السبب في عدم احتواء المكتبة الليبية على مراجع وبحوث تخصّ الحركة التشكيلية، يقول يوسف السيفاو “بالفعل لا تتوفر مادة علمية كمراجع عن الحركة التشكيلية الليبية، والمكتبة تقريبا خالية إلّا من عناصر اللوحات التي نفّذها فنانون ليبيون مُنذ سنوات ماضية”.
ووجّه التشكيلي الليبي اللوم والعتاب إلى الأجيال السابقة، معلّلا بقوله “توفرت لها إمكانيات أفضل وظروف أحسن، ولم يفكر أحد منها في كتابة سيرة الحركة التشكيلية الليبية، ونحن الآن بصدد إعداد مشروع بحاجة إلى وقت وتنظيم وحيادية كبيرة ليكون مرجعا واقعيا للحركة التشكيلية”.
ويرفض يوسف السيفاو الفكرة التي تقول لا يجب على الفنان تسمية لوحاته، لأنه بذلك يحصر المتلقي داخل تفسير محدد، ويوضح “اسم العمل يولد به، وهو يبدأ من لحظة انبثاقه كفكرة ولا يحصر المتلقي في دائرته، خصوصا وأن الأعمال التجريدية أعمال حمّالة لمفاهيم عدّة وللمتلقّي حرية العنونة والتأويل. الاسم هو أداة طريق وعمل وهوية للعمل”.
خلود الفلاح
صحيفة العرب اللندنية، الاثنين 2019/10/21
https://alarab.co.uk/يوسف-السيفاو-التشكيل-الليبي-بحاجة-إلى-…