شخصيات

هل خسرنا شاعرا.. أم كسبنا صحفيا..؟!!

جميل حمادة

الكاتب الصحفي علي الهلالي.


شخصية متميزة، رغم ما يبدو في سحنته من نحول ظاهر وجلي، تجعلك تشعر تجاهه بالشفقة، إلا أنه ذو بنية قوية وشخصية مرحة.. بعيدة عما قد يستكنه من بؤس فيها.. أو في طياتها.. وهو صحفي متميز بكل معنى الكلمة.. ولو أنه لا يعول على ذلك كثيرا في ليبيا، لكنني رأيت وسمعت وقرأت بعض المتابعات التي يواظب الهلالي على نشرها في بعض الصحف، وعدد من مواقع الانترنت.
وكان علي الهلالي يسخر كثيرا من بعض الشعراء .. والكثير من الشعر، ويحاربه بشعر مشابه له.. في مثل ما يفعله حين يعارض قصيدة النثر، أو شعراء الحداثة عموما، وأنا واحد منهم، مع قليل مما أدعيه من اختلال في انتماء القصيدة.. أو عدد كبير من قصائدي..!
ويقول علي الهلالي، وهو مدير تحرير صحيفة الجماهيرية الليبية مثلا في محاولة سخرية جميلة من قصيدة النثر؛
(…لا تحضر يا صديقي
أنت هناك
وأنا معنا ..
في البعيد
حيث تتجلى غيمة
عذاب وجميل
كيف يلتقيان… يا الله
يا هذي الليلة..
يا هذيك العتمة
يا أنا..
يا أنت ….
يا عذاب…!)..

ويروي علي الهلالي قصته مع الشعر.. ، وبالأحرى قصته مع المعركة التي جرت وقائعها بينه وبين الشاعر محي الدين محجوب، وقد عاصرت شخصيا بعضا من أحداثها، ولكن لم أكن على علم بذلك الحد الذي وصلت إليه الأمور بين علي ومحي الدين، كما أخبرني؛ وأهم ما كان في تلك القصة أن علي الهلالي كان مشروع شاعر مشاكس مثير، وكان علي قد كتب مجموعة قصائد تفعيلة وواظب على نشرها في صحيفة الجماهيرية تباعا، ولكن يبدو أن هذه القصائد لم تعجب الشاعر الصرماني محي الدين محجوب فقام هذا الأخير، وكتب مقالا حول الهلالي يقول عنه بما معناه أنه يمكن أن نصدق أي شيء عن الهلالي وأن نصدق أنه قادر على أداء أية حرفة، ولو كانت حتى قيادة سفينة فضائية، إلا أن يكون شاعرا، ولم أعد أذكر عنوان تلك المقالة، التي نشرها محي الدين إبان الفترة التي كان فيها الدكتور محمد علي وريث هو رئيس تحرير صحيفة الجماهيرية ما قبل عامي 1996-1997 على وجه التقريب، وقد سادت تلك الفترة موجة ما سمي حينها بتقليعة”الشعراء التسعينيون” التي كانت على أشدها بين مد وجزر وشد وطرد.. إلخ.. حيث كتب فيه يقول؛ بأن علي الهلالي قد يفهم في كل شيء إلا في الشعر…مشيرا إلى أن علي الهلالي لن يكون شاعرا أبدا، أو على الأصح بأن محي الدين محجوب لم يتقبل فكرة أن يكون علي الهلالي شاعرا، وبعد زمن قليل إلتقيا وتحاورا قليلا، ثم قال له محي الدين “معذرة.. هذا ما لدي”..! وفي هذا السياق يقول علي الهلالي بأن تلك الفترة شهدت مناكفات ومحاورات مثيرة ومضحكة حد البكاء بينه وبين محي الدين محجوب، بل ومستفزة في كثير من الأحيان.
ومن بين أجمل تهكمات علي الهلالي على قصيدة الحداثيين يقول فيها:
(ذبابة تمشط ظفائرها على ضفاف المسيسيبي
تنظر في البعيد…
حيث اللاهناك
داعبها حلم.. جميل/ بنفسجي
باللالون…!
باللارمادي…. يا الله..
ماتت الذبابة.. ولا زالت
لم تولد بعد…”

ورغم ذلك، فإن لعلي الهلالي مقولات جميلة يمكن أن تصبح قريبا من وادي الحكمة.. فحين يقول مثلا..
(ولدت في هذا العالم كي أسير إليك..) المشكلة هنا (ولا أريد أن أقول “الاشكالية” أنك تحس هنا أنه قول يستحق أن يلتفت إليه (..!) لو قيل لك على سبيل المثال أنه حكمة روسية، أو مثل اسكندنافي، أما لعلي الهلالي، فربما لن يلتفت إليه أحد..!
يقول أيضا: (كلماتي قبرت في عمق القلب، ولا سبيل إليها إلا حبل مشاعري))!!
وفي مكان آخر يقول: (من وهج عينيك أشعلت لفافة عمري وارتشفها الزمن..!))!؟
أما أكثر قصائده سخرية فقد جاءت ذاتية.. وليست موجهة إلا تجاه حبيبة غامضة، ويقول فيها:
(( فردة خبز وقليل من التن
وهريسة/ وكثير من الجوع
هذا أنا حين يحاصرني الشوق
ويأخذني غليك
فقلبي يفغر فاه
ولا يسكنه إلاك..))!

يمكن القول أن هذه المعركة انتهت في حينها لتكون مقدمة أخرى لمعارك مع شعراء آخرين، سرا أو علانية.. ولكن يظل السؤال.. هل مازال يكتب شعره ذاك أم خلف له محي الدين محجوب عقدة “شعرية” فتوقف عن كتابة الشعر.. (شعره).. ولكن يبرز السؤال ثانية عندما نعرف أن علي الهلالي مازال يكتب نثرا جيدا، ويكتب المتابعة الصحفية المتميزة..؛ فهل خسرنا شاعرا حقا.. أم كسبنا صحفيا جيدا

مقالات ذات علاقة

عام على رحيل الأديب يوسف الشريف

مهند سليمان

في مثل هذا اليوم رحلت عنا الإعلامية الشاعرة خديجة محمد الجهمى

محمد عقيلة العمامي

في ذكرى رحيل زعيمة الباروني .. التاريخ لا يُسقط أبناءه

مهند سليمان

2 تعليقات

جميل حمادة 15 مارس, 2020 at 14:58

شكرا اخي رامز، جزيلا لك، وشكرا فائضا للموقع البديع بلد الطيوب، على نشر مقالتي هذه التي أحبها.. كثيرا، واعدكم بأنني سأكتب المزيد عن هذه المعارك الثقافية ومثيلاتها،، بما يبهج القاريء، وبما يصلح أن يستعاد من الذاكرة إلى المرابيع، والحكايات النبيلة.. تحية أخرى لاخي العزيز علي الهلالي أيضا.. سلام.

رد
المشرف العام 16 مارس, 2020 at 09:14

الشكر موصول لك شاعرنا ولك خالص التحايا والود والمحبة.
ونتمنى أن تخص الموقع بأحد قصائدك أو كتاباتك النقدية.

رد

اترك تعليق