شخصيات

في سيرة السيد الهادي إبراهيم المشيرقي..

كاريمان صقر

الهادي إبراهيم المشيرقي -رحمه الله- (الصورة: كاريمان صقر)


من رجالات ليبيا الوطنيين الشرفاء الذين امتلكوا حسا وطنيا عاليا، والذين قضوا جل حياتهم في الإسهام ليس في قضايا بلدهم وحسب، بل كان نشاطهم قوميا، امتد للدفاع عن القضايا القومية العربية والإسلامية لشعوب المنطقة قولا وفعلا ودون حدود، ومن هنا عرف بدوره النضالي بالدرجة الأولى إلى جانب أدواره الأخرى بمجالات شتى، إذ اتسعت وتعددت أعماله وإسهاماته ثقافيا وأدبيا وسياسيا..

هو سليل عائلة عريقة كريمة من طرابلس، وهي عائلة ” المشيرقى ” – ولد بمدينة طرابلس وتحديدا بالمدينة القديمة منها بتاريخ 15 ذي الحجة 1325- الموافق 19 يناير 1908. ومنح الجنسية العثمانية والشهادة بختم السلطان ” عبد الحميد الثاني ” آنذاك.

هو ” الهادي إبراهيم محمد امحمد المشيرقى “، نشأ وقضى طفولته ببيت العائلة بالمدينة القديمة ،وقد تزامنت تلك المرحلة من حياته مع مرحلة احتلال الاستعمار الإيطالي لليبيا، فعايش صنوف الحياة المؤلمة تحت نير الاستعمار آنذاك وما كان يقوم به تجاه أهل البلاد من مظالم واذلال ، ذلك المحيط الذى تربى به وتشبع من علاقات نسيج ذلك المجتمع وروابطه بكل ماله من طابع اجتماعي وديني وسياسي وثقافي، وكل تلك المعايشات شكلت الدافع الذى حرك الحس الوطني لديه فيما بعد لينخرط في بذل ما في وسعه لخدمة قضية بلده وسعيها نحو الحرية .

ببداياته عمل ” الهادي المشيرقى ” مع والده وإخوته في متجر بالمدينة القديمة قبل أن ينتقل فيما بعد إلى شارع “سيشيليا -عمر المختار لاحقا “..ومما يجدر ذكره هنا أن السيد الهادي المشيرقى  أسس فيما بعد مع إخوته  ( على ،محمد، عبد المجيد ) شركة “أبناء إبراهيم المشيرقى ” ،وكانت شركة ذات أسس متينة وناجحة استطاعت منافسة الشركات الأجنبية واليهودية بليبيا والتي كانت تحتكر السوق بذلك الوقت ، ومن ذلك مثلا أن  “أبناء المشيرقى ” كانوا أول وعلى الارجح الوحيدين الذين ادخلوا إلى ليبيا والسوق وقتها العديد من الأجهزة والمعدات المختلفة ومنها ، الاسطوانات الغنائية والراديوهات، وفيما بعد التلفزيونات والثلاجات والغسالات، والمسجلات ، وكانت من ماركات عالمية معروفة بذلك الوقت ،مثل ماركة فيليبس واندست وجرندل، وغيرها ، كما كان الاهتمام بالجانب الثقافي والإعلامي من خلال جلب وتوفير الصحف والمجلات ليتمكن الناس من الاطلاع ومتابعة ما يدور بالعالم من حولهم .

وتزامنا مع ذلك كان وعي السيد الهادي المشيرقى وإدراكه لما تتطلبه قضية بلده المستعمرة من جهد وبذل منه ومن كل أبناء ذلك الوطن يتنامى ويتسع، خصوصا وأنه ومع مطلع الثلاثينات من القرن الماضي، وكان شابا تملؤه الحماسة، لم تكن أمامه هيئة أو تشكيل واضح لمقاومة شعبية يمكنه ان ينتسب أو ينضم إليها، بعد أن استطاع المحتل الإيطالي السيطرة وكبت كل أشكال المقاومة بعد شنق رمز تلك المقاومة الشيخ “عمر المختار” أوائل الثلاثينات. فاتجه “الهادي المشيرقى ” إلى وجهة أخرى، وهي تواصله مع المناضلين السياسيين سواء بالمهجر خارج الوطن، أو الموجودون سرا داخل الوطن، وكان على رأس من ذهب يبحث عنهم من أولئك المناضلين ” الزعيم -بشير السعداوي ” الذي كان متواجدا بالشام، والذي كان يقود وقتها هيئة الدفاع عن طرابلس وبرقة في الشام، كما ذهب إلى المرحوم ” أحمد زارم ” والذي كان بتونس، وتواصل مع المرحوم ” الطاهر الزاوي ” في مصر.

  ومع تيسر الإمكانيات المادية، يسر له ذلك إمكانياته ونشاطه النضالي والذى دعمه من خلال السفر والترحال والحركة والاتصال بالكثير من الشخصيات ذات الصلة والعلاقة بالقضية الليبية ، ومن هنا لم يبخل أو يتأخر عن وضع ما يملك من مال وإمكانيات في سبيل خدمة قضية بلده ودعم النضال في سبيلها ، ولم يبخل بوقته وجهده والاستفادة من كل الفرص المتاحة بالداخل والخارج للتعريف بقضية بلده ومعاناتها تحت نير المستعمر ،فكان يبعث الرسائل اليومية إلى الصحف بمختلف أنحاء العالم موضحا ما يفعله المستعمر الإيطالي من ويلات بحق أبناء البلاد، كان يكتب تلك الرسائل بشكل سرى ويسربها مع مسافرين يضعونها في البريد عندما يصلون إلى وجهاتهم خارج ليبيا ، ويتواصل من خلال هذه الرسائل مع أصحاب أقلام وصحف تتعاطف مع القضية الليبية،  من ذلك كانت مراسلاته ورسائله التي  بدأها عام 1922 إلى ” أمير البيان،  السيد -شكيب أرسلان “،وكان السيد المشيرقى وقتها في الخامسة عشر من عمره ، وكانت رسائل للتعريف بما يجرى في وطنه، ولما كان الايطاليون يطمسونه من حقائق ويتكتمون عن كشفها للعالم ، ومما يذكر له في هذا الصدد أيضا وتبادل وإرسال الرسائل السرية ، أنه كانت ولمرات عدة تتم استضافة وإحضار العديد من الفنانين والفرق الفنية لفنانين وفنانات شهيرات ومعروفات جدا  من مصر آنذاك لتقديم عروضها الغنائية أو المسرحية بليبيا،  وكانت الفنانات في الغالب يحضرن معهن الرسائل السرية، والمجلات والجرائد المصرية ومختلف الصحف التي تهتم بالأخبار للدول العربية والإسلامية، والتي كانت ممنوعة من قبل الايطاليين وخاصة الصحف التي كان يراسلها ” الهادي المشيرقى ” ويكتب فيها مقالاته الوطنية المختلفة ، و يأخذن معهن في رحلة العودة الكثير من الرسائل السرية أيضا والتي كان المشيرقى  يبعث اجاباتها مع نفس الفنانات ، ( وكان ذلك هو السبب الأساسي  لحضورهن لليبيا )،  إضافة إلى المقالات الوطنية المختلفة  من ليبيا لتنشر في الصحف بالخارج .كل ذلك إسهاما منه في نشر ولفت الأنظار للقضية الليبية .  

 ولم يتوانى عن المشاركة مع إخوته في حشد الجهود لمقاومة الاحتلال الإيطالي بالكلمة والفعل. واستمرت جهوده دون كلل للدفاع عن قضية بلده أيضا أثناء حكم الإدارة البريطانية، ومع بدايات عهد الاستقلال نأى وإخوته بأنفسهم عن اغراءات السلطة والوظيفة والمناصب مفضلا خدمة بلاده على طريقته، …

في إحدى مؤلفاته يروى ” السيد ” الهادي المشيرقى ” أحد المواقف له زمن الانتداب وحكم الإدارة البريطانية، والذى كان أن وفدا دوليا قدم في زيارة لليبيا لاستطلاع الرأي العام هناك حول قضية الاستقلال، فحاول ” الهادي المشيرقى”  رفقة عدد من المجاهدين الاستفادة من هذه الفرصة والالتقاء بهذا الوفد في مقر إقامته والذى كان بالفندق الكبير آنذاك بطرابلس،  وعندما دخلوا الفندق وعند البهو ، رفض العامل – ” البواب ” الإيطالي السماح لهم بالجلوس وتعامل معهم بطريقة فيها عنصرية، ” حيث كان لا يسمح للعرب الليبيين بالجلوس ، وإنما الانتظار وقوفا ” ، وتدور الدوائر على المحتل الفاشستي ويتحقق الاستقلال لليبيا ، وتنقلب الأحوال ليصبح ” الهادي المشيرقى ” فيما بعد مالكا للفندق الكبير ، وبقى ذلك العامل ” البواب الإيطالي” في عمله يفتح الأبواب للهادى المشيرقى.

 كان متفائلا رغم كل الظروف التي كانت تعيشها البلاد بانتصار الشعب بنهاية المطاف، وفى أحد كتبه التي ألفها يروى مشاهداته والتي كان يستشف منها ويقرأ إصرار أبناء شعبه من البسطاء وصبرهم وإيمانهم. . وفيها يذكر:” أنه شاهد في أحد الأيام العمال الليبيين وهم يبنون قصر الحاكم الإيطالي بطرابلس (والذي سمى بعد الاستقلال بالقصر الملكي وبعدها بقصر الشعب) وكانوا يغنون: ” ماسو يبنى ويعلى.. ماسو يمشى ويخلى “.. أي أن الأسطى الإيطالي يبنى ويشيد لكنه بآخر المطاف سيطرد، وستعود البلاد لأصحابها واهلها.

لم تتوقف نشاطاته الوطنية عند مقاومة الاحتلال ولفت النظر لقضية بلاده وشعبه، بل امتد نشاطه وحسه بقضايا التحرير والمقاومة إلى ما هو أبعد من بلاده ليبيا، امتد إلى إخوته من الشعوب العربية والإسلامية المضطهدة آنذاك، فعرف بدعمه للقضية الفلسطينية والقضية الجزائرية والشعب التونسي..

فأسهم “الهادي المشيرقى ” أيام النكبة ” الفلسطينية في جمع التبرعات لفلسطين، وشراء السلاح وإرساله إلى فلسطين، وكان من ضمن من أشرفوا على إعداد المتطوعين وتهيئتهم للسفر إلى فلسطين للاشتراك ودعم المقاومة هناك، كما أسهم في كل المساعي والجهود الدولية والمؤتمرات التي عقدت وقتها لنصرة هذه القضية.

كما كان له دور واسهام في قضية النضال لتحرير ” إريتريا ” الأفريقية المسلمة، وقد كتب عنها وعن زيارته لها والصعوبات والخطورة التي كانت محفوفة بها تلك الزيارة، وتم جمعها في ملف للنشر.

اهتمامه واسهامه الأكبر بالدعم المادي والمعنوي كان مع القضية والثورة الجزائرية التي انطلقت بأول نوفمبر من عام 1954 وحتى 1962، فكان من أكبر الداعمين لها مع مجموعة من الليبيين ومنهم على سبيل المثال “يوسف مادى -الشيخ  محمود صبحى والذى كان رئيس لجنة نصرة الثورة الجزائرية -سعد على الشريف -أحمد راسم باكير- جميل المبروك – سعيد السراج- محمد بن ظاهر-مختار ناصف – عبد الحميد بك درنة وغيرهم من عشرات المتطوعين الذين انضموا إليهم من كل نواحي ليبيا إسهاما منهم في جمع المساعدات المالية والعينية لصالح ثورة الجزائر ، فكان له المواقف الكثيرة التي سجلتها الكتب وتحدث عنها مؤرخي وكتاب الجزائر،  وكان لوجود الحدود المشتركة بين البلدين ليبيا والجزائر والدعم الليبي عبرها ،الأثر الأكبر والأساسي لقوة واستمرار وانتصار الثورة الجزائرية، وكان ” الهادي المشيرقى ” وهو رجل الأعمال المعروف ،على رأس القوى المدنية الشعبية التي استنفرت الجهود وسخرت الإمكانيات لدعم ثورة الجزائر،  وقد وضع كل إمكانياته وامكانيات اسرته ،ووضع نفسه قبل ذلك لدعم هذه الثورة ، ومن ذلك أنه خصص المزرعة التي تملكها أسرته بضواحي طرابلس لتكون معسكرا لتدريب الفدائيين وتولى مسؤولية تدريبهم والتكفل بإعاشتهم، وكان على رأس المستقبلين لأبناء الشهداء من الجزائر، وتكفل بإطلاق دورات تدريبية للممرضات الجزائريات لإعانة المقاومة في الجزائر بتجميع التبرعات والاموال والأدوية وتهريبها للجزائر عبر الحدود وتوصيلها لهم، كان منذ اندلاع ثورة اول نوفمبر عضو مؤسس للجنة المساندة والدعم للثورة الجزائرية، كما تولى مسؤولية أمانة صندوق لجنة دعم ” جبهة التحرير الوطني الجزائري ” وجيشها ، بتوفير السلاح الذى يتدربون عليه والسلاح الذى يقاتلون به في المعارك مستخدما المعبر الحدودي الصحراوي  بين البلدين لتهريب ذلك السلاح ،وكان يستخدم قطعة أرض يمتلكها في إخفاء السلاح قبل تهريبه للمقاومة بالجزائر، إلى جانب إيواء قيادات الثورة الجزائرية في ليبيا ،حيث كان يمتلك بحكم انه رجل أعمال، العديد من الفنادق والتي وضعها رغم المخاطر التي قد تلحقه تحت تصرف قادة الثورة الجزائرية. كان لا يتوانى عن تقديم الدعم بأي شكل كان حتى وإن كان الأمر محفوفا بالمخاطر ، فكان فدائيا لا يقل جرأة ووطنية عن احسن فدائي جزائري بشهادة قادة المناضلين الجزائريين أنفسهم  ، ففي إحدى مهامه “والواقعة مذكورة في كتاب مذكراته  “الهادي المشيرقى ” التي نشرها ( قصتي مع ثورة المليون شهيد )”، والتي عرض عليه القيام بها بعد لقائه بأحد القادة المجاهدين المسؤولين ” عبد الحفيظ بو سوف” ،وتتعلق بالسفر خارج ليبيا إلى ألمانيا والتواصل مع طبيب ألماني في فرانكفورت لإتمام صفقة شراء سلاح لصالح الثوار ،ووافق ” المشيرقى دون تردد للقيام بذلك وسافر بالفعل، وقد ترك قبل سفره وصيته لأهله ، وهناك تعرض لمحاولة اغتيال في المانيا صيف عام 1960 من قبل منظمة ” اليد الحمراء ” الإرهابية الفرنسية أثناء قيامه بهذه المهمة لصالح الثوار الجزائريين خلال حرب التحرير الجزائرية ،بأن تم زرع قنبلة بالسيارة التي كان يستقلها المشيرقى مع الدكتور الألماني،  وانفجرت القنبلة. إلا أن رعاية الله كتبت له النجاة من الحادث. فأصيب الدكتور الألماني في رجله وعاد المشيرقى معافى لأهله. 

 لم يقم بكل ذلك العمل رغم ما كان يحفه من مخاطر، ولم يشارك بجهاده ذلك مرغما أو سعيا لفائدة أو مكانة، بل إيمانا منه بشرعية وحق كل تلك الشعوب في التحرر والعيش بكرامة. فكانت كل جهوده ومساهمته بمختلف الأشكال جهودا يقوم بها طواعية.. 

 تلك المواقف النبيلة من الوطنية والإباء وذلك الجهاد الطوعي، كان محل اعتراف الجهات المسؤولة في فلسطين والجزائر، والذي قابلته بكل التقدير والامتنان، فمنحته الجزائر ارفع وأعلى الاوسمة، كما كان ضيفا دائما في احتفالات الجزائر بعيدها الوطني اعترافا منها بإسهاماته ودوره الفعال في معركة التحرير التي خاضتها بلد المليون شهيد، واعتباره واحد من الفدائيين للثورة الجزائرية لا يقل عن أي فدائي جزائري.

وعن المواقف الصعبة التي واجهها فترة حياته، أنه دخل السجن أثناء عهد الاحتلال الإيطالي، وذلك عند إعلان الحرب على الحلفاء سنة 1938، وتم احتجازه لديهم أثناء انسحابهم من ليبيا سنة 1943 بقصد أخذه معهم، إلا أن الأمر لم يتم كما أرادوا وتم تخليصه منهم بكفالة.

وفى فترة حكم الإدارة العسكرية البريطانية لليبيا تم تحديد إقامته من قبل الإنجليز عدة مرات في ليبيا وكانت إحداها أثناء أحداث الثورة ضد اليهود، ومن قبل ذلك في سنة 1944 منع من السفر لأداء فريضة الحج وذلك لمحاولته الاتصال بلجنة الدفاع عن طرابلس وبرقة، والاتصال ببشير السعداوي المقيم هناك. كما حدث عام 1960 ومع وصوله إلى ” الحبشة ” أن تم تحديد إقامته بالفندق هناك، وذلك للاشتباه في اتصاله بثوار” إريتريا “.

 وبفترة الخمسينات، بعام 1956 اضطر إلى مغادرة بلاده لفترة قصيرة، ليعود بعدها إلى أرض الوطن بنفس العام، وكان ذلك بناء على نصيحة بعض أصدقائه من المسؤولين، وبسبب ما واجهه من مضايقات تعود لأسباب سياسية آنذاك.  

تعرض أيضا لمصادرة بعض املاكه عام 1964 من قبل بعض الجهات بدون قانون يصوغ لهم ذلك، كما تم حجز جواز سفره من طرف الحكومة المحلية بليبيا وذلك أثناء هزيمة العرب عام 1967.

ومن بين المواقف الصعبة التي مرت به أيضا، تعرضه للاختطاف من طرف جماعة من ” اللبنانيين الشيعة”، وحدث ذلك في “السنغال “ب 2 فبراير 1980، ثم تم إطلاق سراحه مع تقديم الاعتذار له.

عرضت عليه بالعهد السابق عدة مناصب وزارية وبالمجالس التشريعية والبرلمانية، وبلجان الضرائب، إلا أنه اعتذر عن قبولها. وبقي معارضا مستقلا.

إلى جانب دوره النضالي كان على صعيد آخر إنسانا مثقفا متنور الفكر يحسن الاستفادة من الفرص والإمكانيات في خدمة بلده والنهوض بمستواها بكل ما امكنه ،مستفيدا من إمكانياته المادية وعلاقاته ، من ذلك اهتمامه بالجانب الثقافي ودعم الفن والحياة الثقافية والتي كانت تحبو آنذاك وتبدأ أولى خطواتها في ليبيا مقارنة مع غيرها من البلدان فدعم المسرح والأندية الثقافية، ومما يذكر له في ذلك دعوته لفرقة “يوسف وهبي المسرحية ” بزيارة ليبيا و لتقديم عروضها المسرحية بطرابلس فترة العشرينات ..وله رسائل ومراسلات مع ” يوسف وهبي وخليل مطران ” والتي تحمل دلالات على كيفية الاستفادة من المسرح لخدمة المطالب الوطنية،  كما كان من بين المؤسسين لبعض الفرق المسرحية في ليبيا ومنها ” فرقة مدرسة الفنون و الصنائع الإسلامية ” والتي كانت أول فرقة مسرحية تبعث في مدينة طرابلس حسب ما ذكر.

وإلى جانب ما تقدم لا تفوتنا الإشارة إلى شخصية ” الهادي المشيرقى” الإنسان، كأب ورب أسرة وفرد من أسرة فاعلة بالمجتمع. .فإلى جانب حرصه في عمله ومجال  الأعمال وإدارتها مع إخوته حتى باتت أعمالهم من أنجحها واكفأها، إلا أن ذلك لم يؤثر على دوره داخل العائلة، كان اهتمامه كبيرا بعائلته وأبنائه، فقد حرص على غرس القيم النبيلة التي تربى عليها وتعلمها وتنمية حس المسؤولية فيهم إلى جانب تسليحهم بالزاد المعرفي والثقافي إلى جانب العلم، فكما كان محبا وعاشقا للرحلات واكتشاف البلدان والثقافات فقد زرع هذه الخصلة في أبناءه وبناته على السواء أيضا من خلال الرحلات العائلية المنتظمة كل يوم جمعة، حيث كان يصحب فيها  العائلة زوجته وأطفاله منذ الصباح الباكر في رحلة تجمع بين الترفيه والاستكشاف لأماكن جديدة، وحرص على أن تكون في كل اسبوع إلى وجهة مختلفة من البلاد ،فتراهم يوما في غريان يتجولون في مناطقها ، و يومان أو ثلاثة أيام يقضونها بيفرن نزلاء بالفندق الذى يشرف على إدارته، وخلال هذه الفترة يتجولون بجميع انحاء الجبل، ويوما في عين كعام الخمس وبمصراتة وصبراتة ، لبدة ، ترهونة الشرشارة على ما كانت عليه سابقا من جمالها وغزارة مياهها ،مسلاته وورفلة..وغيرها من المناطق المختلفة من ليبيا، كما خلق فيهم حب الطبيعة والنبات والأرض وقيمتها من خلال زيارتهم والذهاب إلى مزرعة العائلة بقرجى إذا لم تكن هناك زيارة لمناطق بعيدة ، فكانت لهم فرصة للتريض والاهتمام بالمزروعات إذ كانت مزرعة قرجى مزرعة نموذجية بها أجود الانواع من الفواكه ،كما كانت تنتج عسل النحل والذى كان السيد الهادي المشيرقى يحب الاهتمام به . كما كان على نفس القدر من الاهتمام بالتعليم المدرسي لأبنائه، فكان دائم التواصل مع مدارسهم ومدرسيهم للوقوف على تقدمهم بالدراسة والتزامهم، وفى فترة العطل المدرسية كان يستثمرها لصالحهم وتنمية مداركهم بأرسالهم لتعلم اللغات، وعند بلوغهم المراحل الجامعية عمل على ارسالهم لجامعات أوروبا وأمريكا لاستكمال تحصيلهم العلمي والنجاح بنيل أعلى الدرجات والشهادات. وعلى غير عادات المجتمع الليبي بالعموم في ذلك الوقت ومع شغفه وعشقه للسفر والتجوال، فقد كان من أوائل الليبيين في اصطحاب عائلته معه في سفره سواء للدول العربية أو الأوروبية والتعرف على بلدان وثقافات مختلفة. هذه كانت لمحة بسيطة عن جانب من شخصية “المشيرقى الأب “.

تقلد ” السيد الهادي إبراهيم المشيرقى “وتولى العديد من المناصب والمهام والأعمال ومنها: –

– أحد مؤسسي شركة” أبناء ابراهيم المشيرقى “، وعضو مجلس إدارتها من الفترة (1927 – 1978).

– مؤسس نادى للموسيقى بطرابلس عام 1933، وكان الأول من نوعه.

 –  مثل “طرابلس الغرب” في مشاركتها في ذكرى وعد بلفور المشؤوم عام 1934، وشارك في اعمال الندوة التي أقيمت وقتها بكلية ” الروضة بالقدس “، وذلك بتكليف من لجنة الدفاع عن طرابلس وبرقة ومن الزعيم ” بشير السعداوي “.

– أسس مع إخوته عام 1940 مزرعة نموذجية بمنطقة قرجى -طرابلس

– تم تعيينه عضوا بلجنة المتصرفية الاستشارية في عهد الإدارة العسكرية البريطانية، إلا أنه انسحب منها على الفور لتعارضها مع مبادئه.

– انتخب بالإجماع رئيسا لجمعية المزارعين عام 1947، وكان أول رئيس عربي ليبي يترأس هذه الجمعية بعد أن كانت حكرا على الإيطاليين.

– يعتبر أول مواطن ليبي يأخذ ” التزام تنظيف مدينة طرابلس” وذلك عام 1948.. ويعتبر بذلك أول عربي يقتحم هذا الميدان.

– أحد مؤسسي النادي الليبي بطرابلس.

– أحد مؤسسي الحزب الوطني وعضو الهيئة السياسية للحزب منذ تأسيسه إلى ضمه للمؤتمر الوطني، كما تولى إيفاد المجاهدين إلى فلسطين وشراء الأسلحة وجمع التبرعات عام 1948.

– مثل ” ليبيا ” في مؤتمر ” الزيتون لحوض البحر الأبيض المتوسط ” الذي عقد بالجزائر عام 1948.

– عضو الهيئة التنفيذية للمؤتمر الوطني العام منذ تأسيسه إلى حين توقفه.

– عضو لجنة استقبال أمير برقة “محمد ادريس السنوسى” 1947.

– سكرتير لجنة جمع التبرعات للمؤتمر الوطني العام. وعضو مجلس الإدارة.

– أحد مؤسسي الشركة الليبية للصناعات المعدنية ورئيس مجلس إدارتها.

– عضو مجلس إدارة شركة ” اتحاد المسارح “، وأحد مؤسسي سينما ” الوديون – Odeon”

– تولى إدارة سلسلة من ” ست فنادق ” بطرابلس -ليبيا بذات الوقت وهي [فندق المهارى، الفندق الكبير، فندق غريان، فندق يفرن، فندق نالوت، فندق الخمس]، وذلك بالفترة ما بين ” 1951 – 1963″ وهو بذلك يعد أول مواطن ليبي يدخل هذا الميدان.

– عضو عامل باللجنة الاقتصادية للتجارة والصناعة لدى بعثة الأمم المتحدة للمساعدة الفنية بليبيا عام 1951.

– مثل ليبيا بالمؤتمر العالمي لأصحاب الفنادق والذي عقد بروما عام 1954.

– مؤسس ” ورئيس شرف ” لنقابة تجار الجملة -عام 1951.

– عضو الهيئة التنفيذية لدراسة مشاكل أصحاب الفنادق، المنعقد في الهند عام 1955.

– عضو وفد ليبيا لدى مؤتمر الغرف التجارية للبلاد العربية الذي عقد بطرابلس 1956.

– مؤسس ورئيس مجلس إدارة منظمة السياحة والفنادق الليبية ” اوتال “1951- 1970″

– مثل ليبيا بمؤتمر رابطة مكاتب السفر والسياحة للبلاد العربية والذي عقد بالقدس -فبراير1957.

– مثل ليبيا بالمؤتمر العام العالمي لأصحاب الفنادق والذي عقد بأمريكا عام 1956.

– عضو بالجمعية العالمية للفنادق” H. I.A “، بباريس.

– عضو عامل في رابطة مكاتب السفر والسياحة للبلاد العربية (1956 – 1963).

– عمل مع البعثة التونسية لمساعدة الثوريين بطرابلس والتي أسهم من خلالها في إعداد المجاهدين التونسيين، وجمع التبرعات لهم، وكان حلقة اتصال بين الثوار والشعب الليبي، وقد أسندت إليه بعض المهام الخطرة، وذلك منذ 1952 إلى غاية استقلال تونس، وقد تم تكريمه بتقليده وسام من ملك ” باي ” تونس بطلب من ” الحبيب بورقيبة “.

– عضو مؤسس لشركة النقل العام 1946.

– أسس وكالة للطيران بليبيا، ومثل عدة شركات من بينهم شركة ” بان أميركانا ” وترأس مجلس إدارتها.

– رئيس مجلس المقاطعة (لإسرائيل)، ولجنة السياحة والمعارض للدورة السادسة لمؤتمر غرف التجارة والزراعة والصناعة العربية والذي عقد بطرابلس 1956.

– عضو عامل في رابطة مكاتب السفر والسياحة للبلاد العربية بلبنان، بالفترة ما بين 1956-1963.

– عضو مؤسس لجمعية الهلال الأحمر الليبي 1957.

– مثل ليبيا في المؤتمر العام العالمي لأصحاب الفنادق والذي عقد ببلجيكا عام 1958.

– عضو في لجنة معرض طرابلس الدولي عند افتتاحه لأول مرة بعد الاستقلال عام. 1959

-مثل ليبيا بالمؤتمر العام العالمي لأصحاب الفنادق والذي عقد بالبرتغال في 24 مايو 1962.

– شغل منصب نائب رئيس نادى الرحالة العالمي، (زار 88 دولة من مختلف دول العالم).

– شغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة الازدهار المساهمة لصناعة الورق بالفترة ما بين ” 1964- 1972″.

– عضو مجلس إدارة كلية الدراسات الفنية العليا ” 1966- 1968، حتى ضمت الكلية للجامعة الليبية.

– مؤسس أول مصنع أسمنت بمدينة الخمس -ليبيا -” شركة الأسمنت الوطنية”، شغل منصب نائب رئيس مجلس إدارتها، ثم منصب رئيس مجلس إدارتها.

– عضو في لجنة التأييد والمناصرة لفلسطين – 1967.

– عضو في اللجنة العليا لتلقى التبرعات لدعم دول المواجهة، ” رمضان 1393 – أكتوبر 1973 “.

– عضو في لجنة مساندة الجزائر، وقد أسندت إليه عدة أعمال ومسؤوليات منذ انبثاقها إلى يوم حصول الجزائر على استقلالها، كما أسندت إليه أمانة صندوق لجنة المناصرة فيها.

– دعم وساند نقابات العمال ماديا ومعنويا منذ التأسيس عام 1950.

من الشخصيات التي عاصرت وتعاملت مع السيد “الهادي إبراهيم المشيرقى ” وتناولت سيرته في كتاباتها، شخصية جزائرية مناضلة تجاوز من العمر التسعين عاما، ومن أكثر الكتاب في الجزائر غزارة في الإنتاج الأدبي والتأليف في عدة مجالات إلى أن وصف بالإدمان الجميل على القراءة والكتابة والتأليف. .. إذ بدأ في التأليف والإصدار منذ شبابه بأربعينات القرن الماضي دون توقف.. وصل عدد مؤلفاته وكتبه إلى الآن ” 140 ” مؤلف بمختلف التخصصات، اشتهر بين تلامذته بعبارة شهيرة له:

” أكتب ثم أكتب ثم أكتب حتى تموت، كي لا تموت “

هذا الشيخ الجليل هو الأستاذ ” محمد الصالح الصديق ” احتفظ بالكثير من ذكرياته مع الاستاذ ” الهادي المشيرقى” منها ما عرضها في بعض مؤلفاته وكتبه التي خص بها الحديث عن هذا المناضل ودوره الكبير والمساند في الثورة والنضال الجزائري ومنها ما رواه عن ذكرياته الجميلة أثناء حديثه لطلبته. 

من هذه الذكريات ما رواه في حديثه لأحد تلامذته عندما زاره، وكانت ذكرياته أثناء ثورة اول نوفمبر وصداها في ليبيا وكان ” محمد الصالح الصديق ” وقتها موجودا في ليبيا بصفته مسؤولا للإعلام لمكتب ” جبهة التحرير الوطني الجزائري ” في ليبيا.. تحدث عن شخصية ليبية فذة كانت تحب الجزائر وتقدر ثورتها إلى أبعد الحدود، إلى الحد الذي أوصى فيه أن يدفن بعد وفاته في أرض الجزائر. . تلك الشخصية هي ” الهادي إبراهيم المشيرقى “.

يذكر الشيخ ” محمد الصالح الصديق ” أن الراحل “السيد “المشيرقى ” كان معجبا بالشيخ ” البشير الإبراهيمي وبفصاحة لسانه ودقة بيانه وقوة شخصيته وإزاء ذلك فاتح الأستاذ محمد الصالح الصديق ” في رغبته لدعوة الشيخ الإبراهيمي لزيارة ليبيا ولاستضافته شهرا كاملا يحل فيه ضيفا عليه ، وطلب منه أن يقنعه بهذه الزيارة،  فأجابه “محمد الصالح الصديق” إلى طلبه وعمل على إقناع الشيخ الإبراهيمي والذى بعد إلحاح كبير اقتنع بتلبية طلب صديق الثورة الجزائرية وداعمها، وقام بزيارة ليبيا، ونزل شهرا في ضيافة ” السيد الهادي المشيرقى ” كما رغب وأراد المشيرقى،  وتشاء الصدف وقبل انتهاء الزيارة بثلاثة أيام أن يصاب الشيخ الإبراهيمي  بوعكة صحية الزمته الفراش ، وكان أن علم بتلك الأثناء مجموعة من الأدباء والمثقفين الليبيين بوجود الشيخ الإبراهيمي في ليبيا وفى طرابلس تحديدا، وكانوا يقدرونه كثيرا، فجاؤوا إلى مسؤول الإعلام لجبهة التحرير الوطني الأستاذ “محمد الصالح الصديق” واعربوا له عن رغبتهم في الالتقاء بالشيخ، وطلبوا منه طلبا واحدا وهو أن يقنع الشيخ الإبراهيمي بإلقاء محاضرة عن الجزائر، وذلك في طرابلس ، فوافق على طلبهم واتجه من فوره كما يروى .. إلى حيث يقيم الإبراهيمي في ضيافة ” المشيرقى” لينقل إليه طلب مجموعة الأدباء والمثقفين الليبيين.

ويروى السيد” محمد الصالح الصديق” كيف انه عندما دخل عليه ،وجده متوعكا صحيا ،ولم يكن يعلم بحالته، كما أنه لم يكن على علم بأنه سيسافر بعد يومين عائدا إلى القاهرة حيث كان يقيم تلك الفترة التي سبقت استعادة الاستقلال للجزائر بعام واحد ، ورغم الحالة التي وجده عليها إلا أنه أخبره بطلب ورغبة مجموعة الأدباء الليبيين بإلقاء محاضرة عليهم تتناول الوضع في الجزائر وثورتها المجيدة ، إلا أن الشيخ صارحه بحالة مرضه مما يحول دون ذلك، اضافة انه سيسافر بعد يومين ، ولم يستسلم ” محمد الصالح الصديق ” وراح يستجمع ذكرياته من المواقف الجميلة والكثيرة التي يحملها عن الليبيين ودعمهم ومساندتهم للثورة الجزائرية وحبهم للجزائريين ليؤثر بذلك على نفس الشيخ فيغير رأيه ويعود هو بجواب القبول إلى جماعة الأدباء. ..

يقول الأستاذ “محمد الصالح الصديق “.. ولكيلا أعود خالي الوفاض أمام الليبيين الذين أحمل لهم كل المحبة والتقدير قررت أن أروى على مسامع الشيخ ثلاث قصص مؤثرة …

” كانت القصة الأولى التي رواها “محمد الصالح الصديق” للشيخ الإبراهيمي أحداثها قد وقعت بشتاء عام 1961..فبأحد أيام الشتاء القارص لذلك العام زار السفير المصري بطرابلس الأستاذ ” محمد الصالح الصديق ” بمكتبه، وبنهاية الزيارة وعند خروج الأخير  لتوديع السفير لاحظ أمام باب المبنى شيخا ليبيا مسنا وكان كفيفا ذو ثياب بالية، يرتعش من شدة البرد ، وكان يمد يده طلبا للمعونة من المارة ، وما فاجأ ” الصديق ” أنه وفى مساء نفس اليوم عندما كان متوجها لمكتب دعم الثورة الجزائرية في طرابلس، التقى بنفس ذلك الشيخ الكفيف وقد جاء برفقة طفل صغير ،وكان الشيخ يحمل كيسا به مبلغا من المال، وعلم انه جاء يتبرع به للثورة الجزائرية ، وعندها توجه “محمد الصالح الصديق ” للشيخ الكفيف متأثرا بما رأى وقائلا له : ” يا حاج أنت من تحتاج المساعدة!! إلا أن ذلك الشيخ راح يقول له بغضب.. أو تمنعني من مساعدة أشقائي المجاهدين في الجزائر الحبيبة؟!!!

ويذكر الأستاذ “الصديق” انه عندما انتهى من سرد هذه الواقعة الحقيقية رأى الشيخ الإبراهيمي وقد ملأت الدموع عينيه تأثرا بالقصة.. استمر الصديق في سرد القصص زيادة في التأثير عليه وتحريك مشاعره ..وكانت القصة الثانية عن تكليف أحد المجاهدين الجزائريين بإيصال كميات من السلاح إلى مركز لجنود جيش التحرير بالحدود الجزائرية الليبية واعطيت له مدة محددة من الساعات لينجز المهمة، وكان يقود سيارته بسرعة كبيرة وهو يعبر إحدى البلدات الليبية مما أدى إلى صدمه طفلا صغيرا بسيارته أثناء قيادته السريعة، والذى توفى على الفور وكان الطفل وحيد أبويه،  وهب أهل الطفل من اعمامه واخواله وكل عشرته في تلك البلدة لقتل صاحب السيارة ، وفى خضم ذلك انتبه والد الطفل إلى وجود العلم الوطني الجزائري داخل تلك السيارة. فراح يسأل السائق بخشونة.. ما هذا؟؟فأجاب السائق برعب وهو يرى تلك الجموع وقد صوبوا أسلحتهم نحوه.”. هذا علم الجزائر، وهذا السلاح كلفت بإيصاله للمجاهدين الجزائريين بسرعة كي لا يكتشف أمري “…عندها راح والد الطفل يهلل ويكبر.. الله أكبر. . الله أكبر أبني شهيد من شهداء الجزائر. . وأمر من جاؤوا لقتل الرجل بالابتعاد عنه، ولما علم مسؤول الثورة الجزائرية بليبيا آنذاك -المجاهد ” أحمد بودة” بهذه الواقعة، ذهب في وفد رفقة ” محمد الصالح الصديق ” الى تلك البلدة وأهل الطفل القتيل للتعزية، ثم قام بتقديم الدية لوالد الطفل وكانت بقيمة عشرة ملايين، إلا أن والد الطفل قال للوفد: ” والله لن آخذ سنتيما واحدا. . شرفي أن أبني شهيد من شهداء الجزائر. …

ويذكر الأستاذ “الصديق” في روايته مدى تأثر الشيخ الإبراهيمي بهذه القصة …فلم يتوقف.. وسرد على مسامعه القصة الثالثة. .والتي كانت الحاسمة في تغيير الشيخ الإبراهيمي لرأيه نهاية المطاف وقبوله بلقاء مجموعة الأدباء وإلقاء المحاضرة المنشودة ..وكانت القصة كالتالي ….أثناء إقامة اسبوع ” دعم ومساندة الثورة الجزائرية الذى أقيم وقتها بليبيا برعاية اللجان الليبية، حدث وصادف مرور موكب عرس لسيدة ليبية في حفل بهيج وكانت العروس تركب هودجا، و الموكب يطوف بأحد الشوارع والذى صادف أيضا تجمع الناس به لتقديم تبرعاتهم للثورة الجزائرية،  فما كان من تلك العروس الليبية والتي شاهدت ذلك المشهد التضامني الليبي أمامها مع ثورة الجزائر،  إلا أن نزعت عنها كل حليها من الذهب وتبرعت به للثورة ، وعندما حاول بعض أقاربها إقناعها بالتبرع بجزء من حليها ، أقسمت بأنها ستتبرع بكل ذهبها للجزائر،  ..

يذكر محمد الصالح الصديق أن الشيخ الإبراهيمي تأثر جدا لما سمعه من قصص.. وقال عنده للأستاذ محمد الصالح الصديق وكانت الساعة تشير إلى 11 صباحا: ” قل لإخوتي الليبيين أننى سأكون عندهم الساعة الثالثة من هذا اليوم.. ويذكر الأستاذ “الصديق” ان الشيخ الإبراهيمي دخل الساعة 3 لقاعة المحاضرات شبه محمول وهو يتكئ على عكازه…ولم تنته المحاضرة التي بدأت الساعة الثالثة والربع بعد الظهر إلا في حدود السادسة مساء.. وقد اقترب عدد الحاضرين يومها من الألف شخص ….

عودة إلى الاستاذ الجليل / الهادي إبراهيم المشيرقى. ..وإلى جانب أدواره النضالية والسياسية كان له دوره الثقافي من خلال إسهاماته ومنذ مراحل مبكرة من حياته في هذا الجانب الثقافي والذى كان يتشكل في محاولات دؤوبة منذ أوائل القرن العشرين في ليبيا سواء في اشتراكه بإعادة أحياء ” النادي الأدبي ” والذى كان أول مشروع ليبي اجتماعي ثقافي مدنى  وكان قد تأسس لأول مرة على يد الاخوين أحمد وعلى الفقيه حسن وذلك عام 1920 ثم أغلق من قبل السلطات الإيطالية ثم اعيد فتحه عام 1943 فترة الإدارة البريطانية وكان من بين من عملوا على إعادة بعثه من جديد الأساتذة  ” الهادي المشيرقى،  فؤاد الكعبازى ، على حيدر الساعاتي،  فوزى حسنى الأمير وغيرهم ..وقد تحول هذا النادي فيما بعد إلى حزب سياسي وهو الحزب الوطني والذى كان الأستاذ ” الهادي إبراهيم المشيرقى ” أحد مؤسسيه عام 1944..ثم انبثق عنه لاحقا ” حزب الكتلة الوطني ” 

كان الهادي المشيرقى أيضا ممن أسهموا في تكوين بذرة المسرح في ليبيا، مثل تأسيسه لأول فرقة مسرحية في مدينة” طرابلس” وهي فرقة مدرسة الفنون والصنائع الإسلامية..

وكان أيضا رحالة طاف عددا كبيرا من دول العالم (88 دولة تقريبا).. وأسفرت عن هذه الرحلات تدوينه لكثير من مشاهداته خلال اسفاره والتي دونها فيما بعد في كتب تم نشرها، والتي يمكن تصنيفها باللون الأدبي من الكتابة والمعروف بأدب الرحلات إضافة إلى مؤلفات أخرى له عن حياته النضالية وذكرياته مع الثورة الجزائرية، وأيضا مذكراته وسيرته.. ومن هذه الكتب التي ألفها وفى وصف مشاهداته عبر رحلاته المختلفة:

– قصتي مع ثورة المليون شهيد

” الناشر -الجزائر -دار الأمة للطباعة والنشر والتوزيع -صدر 2000- وبالعربية

– ليبي في اليابان – (ولها عنوان فرعى: اليابان بلد السحر والجمال، مقتطفات من مذكرات مشاهدات ليبي في رحلة سياحية حول العالم)، وهي رحلة قام بها عام 1956، مليئة بالمعلومات والمشاهدات كتبها بأسلوب أدبي جميل سلس، وقد طبع الكتاب بطرابلس عام 1957. أهدى هذه الرحلة للجزائر، إذ كان رحمه الله مناصرا للثورة الجزائرية والمجاهدين الجزائريين وكفاحهم ضد المستعمر الفرنسي. وقد تم التبرع بعائدات وريع نشر الكتاب لصالح الثورة الجزائرية. وقد صدر الكتاب برسالة شكر من أحد أعضاء المجلس الوطني للثورة الجزائرية.

ويعتبر من كتب الرحلات (أدب الرحلات)

– ذكريات في نصف قرن من الأحداث الاجتماعية والسياسية.

الناشر -طرابلس -ليبيا- مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية -صدر عام 1988 – بالعربية.

– كتاب ” مشاهداتي في بلاد الهند ” يتناول الرحلة التي قام بها المرحوم ” الهادي المشيرقى” للهند عام 1955 على ضوء انعقاد مؤتمر سياحي عالمي لأصحاب الفنادق بالهند آنذاك، وقد أهدى هذه الرحلة إلى صديقه المرحوم ” أحمد راسم باكير “. ونشر الكتاب وتم التبرع بريع النشر لصالح الثورة الفلسطينية وخدمة قضيتها،

– له كتاب عن ” الجهاد في فلسطين “، [في انتظار الطباعة].

– له كتابات حول قضية النضال وتحرير إريتريا تم جمعها في ملف للنشر.

كما نشرت مقالات وكتب تتناول سيرته النضالية ومنها: –

– كتاب -المناضل الليبي الهادي المشيرقى -وصيتي أن أدفن في الجزائر..

الكتاب من تأليف الأستاذ ” محمد الصالح الصديق. . نشر عن دار ” هومة للطباعة والنشر والتوزيع -2013.

– كتاب – ” الشعب الليبي الشقيق في جهاد الجزائر “، الكتاب من تأليف الأستاذ -محمد الصالح الصديق، تحدث في كثير من فصوله عن السيد “الهادي المشيرقى وعائلته “

– مقالة بعنوان -الثورة الجزائرية في الضمير العربي -الهادي المشيرقى نموذجا …للكاتب ” بوركنه على بوركنه ” نشر بمجلة ” قضايا تاريخية “.

تولى السيد “عادل الهادي المشيرقى “، الابن مهمة الإعداد لكتاب يتناول سيرة والده وأعماله، وقد أنجز منه جزء كبير إلا أن المنية وافته قبل أن ينجز المؤلف بالكامل ” رحمهما الله ” 

توفى المناضل السيد ” الهادي إبراهيم المشيرقى” الأحد 14 أكتوبر 2007 ، ونقل جثمانه ليدفن بمدينة الجزائر بناء على وصيته ،وكان ذلك يوم الخميس 18 أكتوبر 2007 بمقبرة الشهداء هناك ،وقد قامت الحكومة الجزائرية باستقبال جثمانه استقبالا يليق بمقامه ومكانته لدى الدولة الجزائرية، وشارك في الصلاة عليه عدد من مسؤولي الدولة الجزائرية بما فيهم الزعيم ” أحمد بن بلة ” رحمه الله،  وقد قامت حكومة الجزائر بتكريمه بعد الاستقلال عدة مرات إزاء دوره الكبير ومساندته اللامحدودة للقضية الجزائرية ومنضاليها طوال تلك الفترة …

كانت هذه وقفة مع مقتطفات من سيرة الأستاذ ” الهادي المشيرقى ” والتي تحتاج للوقوف على تفاصيلها وتناول كل جوانبها مقالات عديدة، الشخصية التي تميزت بالنشاط والحيوية والنزاهة والعطاء، وبالتدين المعتدل، زار بيت الله الحرام حاجا ومعتمرا عديد المرات، عرف بحسن معاملته لعماله وموظفيه كافة والذين كان من بينهم موظفين يهودا وايطاليين، الامر الذي كان يدفعهم للبقاء للعمل لديه لفترة طويلة.

رحم الله الأستاذ ” الهادي المشيرقى “، وجزاه عن عائلته ونضاله ودعمه القضايا العربية والإسلامية على مدى حياته كل الخير، وجعل ذلك بميزان حسناته.

مقالات ذات علاقة

عبدالسلام الغرياني.. سيرة ذاتية مختصرة

عبدالحكيم الطويل

نغم في ذاكرتي

المشرف العام

سليمان الباروني في دائرة المعارف الإسلامية

المشرف العام

اترك تعليق