طيوب البراح

خلف البحر الأزرق

صفية الفرجاني

تصوير: الشاعرة ليلى النيهوم.

 
جلست هناك عند تلك الصخرة الكبيرة التي تنذر بنهاية الحيد البحري في ميناء الشعاب، سرقت اللحظات من يومي وجئت خطوة.. خطوة.. خفت أن يراني أحد البحارة فيبدأ في سرد النصائح وسين وجيم دون أن يتوقف…
 
مشكلتي لا أحب كثرة الكلام حتى وإن كنت في قمة الحزن أو الغضب.. كنت أبتعد.. أنزوي وأبتعد.. أختفي.. أتلاشى.. يعتريني الشعور بالوحدة فأذهب وأبحث عن ملاذي هناك عند تلك الصخرة التي أعشقها…
 
أتسلل قبيل المغيب.. أجلس عندها.. أجالس البحر.. أحلم بعالم خلف هذا البحر الأزرق.. عالم هادئ صاف.. نقي.. لا مكان فيه للحزن والألم عالم يجمع الأحلام والأمان.. الراحة والسلام.. نعم السلام…
 
في البحر أرمي حذائي بعيدا.. لأتحرر مما يصنعه البشر في حياتهم.. أضع قدمي الصغيرتين في الماء.. أداعبه ويداعبني.. أشكي إليه فيهدئني، لا بالكلام، بل النظر.. بالتمعن.. بالتأمل…
 
إن وراء كل هذا.. إله أكبر من كل هذا.. أكبر من هذا البحر.. وهذا الكون.. وهذا العالم.. الذي يجعلني دائما اركض خوف أن يدركني.. أن يقيدني ويجعلني كسمكة في حوض.. أحب أن أكون حرة.. فأنا خلقت لأكون حرة.. أليس الناس بأحرار كما السمك في البحر…
 
عند تلك الصخرة أجلس أتخيل عالما غير الذي أعيش به.. حيث الهدوء يعم. استرخي.. أغمض عيني.. أمد بقدمي إلى الماء.. الذي يحضنهما ويربت عليهما.. كما الأم على طفلها…
 
فوق تلك الصخرة.. أبني أحلامي وآمالي أفرغ أحزاني.. لأعود كما كنت هادئة مرتاحة.. أفرغ غضبي وألمي وحزني.. أغرقها في البحر لتموت ولا تعود لتلاحقني…
 
هو البحر يقبل أن يكون شريكي في جريمة التخلص من هذه الظلال التي تلاحقني وأثقلت كاهلي.. فما عدت لاحتملها.. باتت كالمرض كلما تأخرت في علاجه زاد وانتشر وتغير…
 
عند تلك الصخرة يحدثني البحر عن أناس حلموا وعاشوا ورحلوا.. دون أن يحققوا ما حلموا به.. وأناس حلموا وعاشوا فعملوا ثم رحلوا.. ولكنهم حققوا ما حلموا به. هم لم يطيلوا الانتظار عند هذه الصخرة.. زاروها بين الحين والحين دون أن يدمنوا التوقف عندها طويلا.. أو أن يصبحوا مجرد أشخاص يقفون دون تحرك مع تيار الحياة…
 
هو البحر من ساعدني.. وعانني.. أراحني مما سميته أحزانا وأوهاما.. فعند تلك الصخرة جلست.. حلمت.. وتمنيت عالما كما الأحلام…
 
وأيضا.. عند تلك الصخرة لطمتني الأمواج.. ليخبرني البحر أنه لا وجود لذلك العالم فهو لن يوجد إذا لم تنهضي وتعملي وتواجهي مخاوفك وآلامك وواجهي قسوة الحياة حتى تصنعي عالم ما وراء البحر الأزرق…
 
صفية الفرجاني

مقالات ذات علاقة

لا أحد غيرك

المشرف العام

على طريقك يا وطن

المشرف العام

اسمها.. سرت

المشرف العام

3 تعليقات

عبدالفتاح 5 يناير, 2021 at 17:10

جميل جداً و معبر ،،، نتمني ان نبني عالم مثل العالم وراء البحر الأزرق ،، و نتمني أن تصعد ثقافة شعبنا مثل ثقافة العالم وراء البحر الأزرق ،،،

رد
عبدالفتاح 5 يناير, 2021 at 17:11

جميل جداً و معبر ،،، نتمني ان نبني عالم مثل العالم وراء البحر الأزرق ،، و نتمني أن تصعد ثقافة شعبنا مثل ثقافة العالم وراء البحر الأزرق

رد
المشرف العام 6 يناير, 2021 at 06:42

مشكر مرورك الكريم

رد

اترك تعليق