طيوب البراح

ابوسليم.. ذكرى وذاكرة

 

محمد مصطفى بن زيادة

.

جرح مؤلم ماانفك يؤلمنا وحدث فاجع ظل يسكن الذاكرة الجماعية للشعب الليبي وجمرة بقيت تتوقد تحت الرماد واستمرت تقض مضاجع النظام الهالك وهو في عز قوته وجبروته تلك هي جريمة مذبحة سجن ابي سليم والتي قتل فيها اكثر من الف ومائتين من خيرة شباب ليبيا الانقياء الاتقياء حاول النظام أن يطمسها .. يخفيها .. يطفئها ولكن ظلت هذه الجريمة تتأجج و تستفز نخوة الليبيين وهمتهم الى أن هبّوا هبة رجل واحد وأزاحوا الظلم والظلمة وانقشع الظلام فالحمد لله الذي له الامر من قبل ومن بعد.

كانت سنة 2008 تقارب على نهايتها عندما كتبت هذه القصيدة وحينها كانت ابيات قصيدة النابغة تدندن في رأسي :

كليني لهمٍّ ياأميمـــة ناصب وليلٌ أقاسيه بطـــئ الكـواكب

تطاول حتى قلت ليس بمنتهي ليس الذي يرعى النجوم بآيب

ولم نكن حينها قد بُلّغنا بوفاة أخي مؤيد بعد وكنا ما نزال نعتقد أنه على قيد الحياة ونأمل رؤيته ولقائه بعد خروجه من السجن بإذن الله سليما ومعافي لقد ظللنا لسنوات طويلة سابقة نعيش في وهم أنهم مازالوا في السجن حيث كنا مع بداية كل شهر نلتقي من كل أنحاء ليبيا ومعنا صناديق مملوءة بكل ماكنا نعتقد ان السجين يحتاجه في حياته داخل السجن وتملأ الأمهات والزوجات هذه الصناديق بالإضافة الى الطعام والحاجيات كانت تملأها بالدموع والاشواق والآهات والدعوات وكانت العائلات البسيطة توفر من دخلها البسيط وتحرم نفسها حتى ترسل لابنها أو ابنائها مايحتاجونه وكان في عرف هذه العائلات أن قبول السجن لهذه الصناديق وعليها اسم المرسل اليه دليل على وجوده داخل السجن علما بأنه قد اتضح لاحقا أن زبانية السجن كانوا يأخذون هذه الحاجيات ويقتسمونها بعد أن قتلوا السجناء في تلك المذبحة البشعة .

حاولت أن أطرح القصة وتفاصيلها وأخاطب أخي من خلالها مع الوعيد لكل ظالم مستبد فكانت القصيدة التالية :

كليني لدهرٍ يصطخب غير هائبِ يروح ويغدو مثقلا بالنوائبِ

بلا كللٍ تترى سهــــــامُ جنودهِ مكللــــةٌ بالهمِّ من كلِ جانب

يُكسِّر أُخراها نصال قديمها وتكسر في تيارها حلم راغب

بأن يجتمع شمل الأحبة بعدما تنائىَ وعضته صروف النوائب

تطوف به الاحلام شرقا ومغربا ويجرفه التيار من دون قارب

يصلّي ويدعو عقب كل فريضة بقلبٍ تلظّى بالنوى والتجارب

لعلّ بعيدا طال عهد بعــــــاده وراحت به للقيد أيدي الغواصب

بلا موعدٍ والليل أرخى سدوله وآب إلى نظّــــــاره كل آيب

وغابت نجومٌ وانزوى البدر شاحباً يحاكي وجوه الثاكلات الشواحب

وجرّ الينا كــــــل ليلٍ ســــواده وصبّ علينا شرّه كل خائب

تعاطوا ونادوا ثمّ شنّوا فأسرفوا وعاثوا فسادا شأنهم شأن غاصب

وجاسوا بيوتاً واستباحوا محارما وشدّوا قيوداً شدُّها غير صائب

وجرّوا رؤوساً فكرها كان لامعاً ينير لنا ظلمات دربٍ مشاغب

إلى دركاتٍ صحبة القيد والعنا وصحبة سجّانٍ كريه المناقب

وظلّوا يجوسون الديار ببغيهم ويسقون من فيها كؤوس المصائب

كحاطب ليلٍ لا يبين مرامه فيرمي بأفـؤسهِ على كل جانب

يصيب بها من لا يريد ومن يرد ويتركها أشــلاء فوق المضارب

فغــاضت ينابيعٌ لنا كان دفقها يحج الى أمواهه كــــــل شارب

وغابت مصابيحٌ لنا كان نورها يضيئ على شرق الدُنا والمغـــــارب

أخي منك طيف كل يومٍ يزورنا على حين شـــــوقٍ أو أوان التعاتب

وصولاً لأرحام كما كنت دائما على رغم أســـــوارٍ طغت وكتائب

فنحكي له عمّا رأينا من العنا ويحكي لنا عمّا رأى من مصـــاعب

أخي أين دارك إننا بعد ننتظر وأمك ترجو بالدموع السواكب

وأقلامك الحبلى تراكم حبرها وظلّ حبيساً ينتظر كف كاتب

وكلّ كتابٍ قد تركته لم يزل على حاله يشتاق عودة غائب

وصحنك مازالت له فسحةٌ وقسطك ممّا تشتهي من أطايب

أحيٌّ فترجى إننا ورجاؤنا نعيش على وقع البروق الكواذب

أمانٍ لنا في كلِّ يومٍ نحيكها وننقضها عند انسدال المغارب

وليس لنا من قوةٍ نحتمي بها وليس لنا ركنٌ شديد المضارب

ولكن لنا ربٌّ اليه شكـاتنا قديرٌ وغلّابٌ على كلِّ غالب

هو الركن إن ضاقت علينا بلادنا وموئلنا عند اشتداد المصائب

ومسعفنا بالصبر عند احتياجه ومنصفنا يوم اللِقا والتحاسب

ألا أيها الثاوون في غيهبٍ ثوى أفاضلنا خلقاً وحســــن مناقب

وقضبان سجنٍ قد تمادت فأينعت مآسٍ وأحـــزانٍ ووأد مواهب

لكم بين أحشاء الفؤاد صبابة وبين شغاف القلب لفح اللواهب

غداً يعلم المتبجحون بغيّــــهم ومن أثخنونا بالأذى والمتاعــب

ومن كبّلونا خلف أسوار بغيهم ومن أكثروا فينا عويل النوادب

ومن ضيعونا في سراديب وهمهم ومن جربوا فينا صنوف التجارب

بأنهم اختـــــارو الدنيّة عندنا وأنه لن يغني اعتلاء المناصب

وأن المظالم حائقاتٍ بأهلها وأن اكتساب الإثم شر المكاسب

وأنّ شذى التاريخ ليس يناله ولاينتشي من ديمه والسحائب

مقارف غدرٍ ليس يؤمن جانبه ظلومٌ غشومٌ رأيه غير صــــــائب

يسوس رعيته بقول وشاته يدبّون بينهما دبيب العقـــــــــارب

يُحلّ محارمهم ويترك أمورهم إلى كل أفّاق الهوى والمــــــــآرب

وأنكمُ خير الفريقين مذهبــــــا إذا ما تنادى الناس خلف المذاهب

تخيّرتمُ خوض الشدائد حسّرا على السعي في دركات بخس المكاسب

فشدّوا على وتر الصعاب يقينكم وأمضوا عزوما صلبت بالتجارب

وأوفوا مع الايام صادق عهدكم فللصدق في الدارين خير العواقب

وإنا لنرجو أن تكونوا قوادماً تجــس لنا دربـــا كثير المثالب

وإنا لنرجو أن يكون انبعــاثنا على صوت تكبيرٍ على كل جانب

فيذهب جُفاءً كل حيفٍ وعتم وتنهار أسوارٌ ضخام الجوانب

وتشفى نفوسٌ جرحها كان غائرا ويرجع الى احبابـــــه كل غائب

12\2008

مقالات ذات علاقة

رسائل من / إلى

المشرف العام

تتغير الأرقام فتمضي السنوات

خالد الجربوعي

أفقدته عقله!

المشرف العام

اترك تعليق