حوارات

إبراهيم النجمي.. فقيه يكتب لغة الناس

قال عنه “الصادق النيهوم” إنه (فقيه شعبي يكتب لغة الناس).

أحياناً، تتطابق حروف الاسم مع تفاصيل السيرة الذاتية، فيغدو المثل الشعبي القائل: “اسمك.. نصك”، حقيقةً ماثلةً للعيان تشي بها محطات الحياة التي مرت بأحدهم. أحدهم هنا، وفي هذا العدد، هو “ابراهيم النجمي”، منجم الكفاءات المتنقل، لكنه أيضاً منجمٌ مهذب خلوق هاديء الطبع عميق الفكرة، ألم أخبركم أننا بصدد الحوار مع منجم؟ إنه “ابراهيم صالح النجمي”، ابن بنغازي 1952 م.، خليط مذهل من الخبرات تشكلت عند هذا الرجل، بدأت باكتساب خلفية دينية اكتسبها في مدينة اجدابيا، ودراسة “علم النفس في القرآن”، بالعمل في مجال النفط في ميناء الزويتينة، ثم بالتدريس في “مرادة”، ثم باللغة حيث العمل في الترجمة الفورية، ثم بكتابة السيناريو، ثم بالتصوير السينمائي، ثم بدراسة الأدب المقارن، ثم بدراسة “فقه اللغة الشعبية”، مستنداً إلى ركيزة متينة من إجادة الانجليزية والألمانية والرومانية والمالطية، ثم بالعمل في مجال السلك الدبلوماسي في القارة الأوربية.

الكاتب والمترجم إبراهيم النجمي
الكاتب والمترجم إبراهيم النجمي

 
إلى هنا سأوقف جموح هذه المقدمة لكي أتفرغ لمحاورة هذا “المنجم” لنستمتع معاً بتجربةٍ غنية وفي منتهى الثراء
 
: الليبي: سنبدأ معك بالمحطة الأحدث، دعنا نعكس المسار قليلاً، وحدثنا عن مشروعك الجديد، “مؤسسة الآتي”، ماذا عن الآتي الجديد استاذ ابراهيم؟
– الآتي: مؤسسة ثقافية دولية مستقلة، وهي نتاج استفادة من تجارب العظام من المهتمين بالأدب والفكر والإبداع عموما ولذلك فلا يمكن اعتبارها مجرد مؤسسة عادية تعتمد علي الربح وحسب أو تهتم بجانب دون آخر وما ساعدني علي التفكير والتخطيط لها هو عملي في المجال المؤسسي الفكري والثقافي وتجاربي العملية المباشرة لأكثر من ثلاثة عقود، انا من جيل معرفي ولست مجرّد كاتب يقاتل علي جبهة واحدة و يسعي الي الشهرة، وهذا –تقريبا – ما أخّرني عن نشر الكثير مما أنجزت من مؤلفات باستثناء عمل التراجم، كنت أسعي الي التحصيل المعرفي منذ فترة جدّ مبكرة وحتي لما كنت مستشارا ثقافيا في الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان أو مسئولا من مسئولي النشر في ليبيا في الثمانينات مع ” نصر المبروك ” و ” سليمان كشلاف ” وكانت لديّ صلاحياتي الكاملة لم أشأ نشر كتاب واحد من كتبي أعني سواء مقالات أو روايات.. قصة ” العربة ” التي هي عمل شبه روائي والتي صدرت في حجم صغير لم أنشرها بارادتي بل أخذها ” سليمان كشلاف ” من مجلة ” الكفاح العربي ” التي كان يرأسها ” وليد الحسيني ” وفاجأني بطباعتها، بعثها مع مخطوطات للطباعة الي ” لبنان ” دون أن أعلم  ثم علمت في ما بعد أن ” وليد الحسيني” أخذها من الشاعر ” محمد الكيش ” صاحب ديوان ” بهيّة والزمن الأخضر ” وكان هذا قد أخذها مني ليقرأها فرأها ” وليد ” لديه فأخذها منه ونشرها في مجلته.. قصة من كثرة ما أحببتها لم أفضّل نشرها، ربما لما فيها من مثابرة وحماس أفتقدت – حاليا – شيئا كبيرا منهما، قصة لا تخلو- طبعا – من تأثير وميكانيزم القراءات والتأثر بسابقيّ من الكتاب والأدباء عربا كانوا أم أجانب، لكن – والي هذا الحين – لم أعتبرها من البدايات لأني لم أستطع التخلص من عالمها البسيط الذي تسلل دون أن أدري أولا أدري في روايتي ” للموتي مزامير الميلاد ” والذي لابد أنه سيدخلني الي غيرها وهذا ما حدث بالفعل ولأسباب يخطئها الحصر… علي أية حال، مؤسسة ” الآتي” أعتبرها مؤسسة دولية فعلا لأنها تأسست علي دراية بطبيعتها من قبل نخبة مشهود لها بالقدرات والكفاءات العالية وهم من عرب وغير عرب مشكّلين مجلس ادارة واستشاريين لها وغير متفرّغين، ومجلس ادارة هذه المؤسسة هم ممن ترجمت بعضا من أعمالهم الأدبية، علي طول العشرة سنوات أو يزيد تكونّت خلالها صداقاتنا وتعارفنا فتآلفنا ثم أتفقنا علي الخروج من دائرة الوصاية الضيقة بكافة أشكالها علي قضايا المبدع ونتاجاته، رأينا أن نتحرّك في اطار التثاقف، أن نطرح  ونتبادل بيننا ما لنا ولهم من ابداعات فنسهّل علي المبدع شق طريقه الي عوالم الآخر، كيف يتفاهم معه – عن طريق مؤسسته هذه – في ما يطبع ويوزّع أو ينشر. ان ” الآتي ” هي مؤسسة أردنا – فعلا- لها أن تكون دوليّة، أن تنهض بالمبدع وتدفعه الي مواقع أكثر تعقلا واتزانا بدلا من أن يظل غير معروف في بلده.. الكاتب في العالم الأوروبي – مثلا- له شأنه، خرج باكرا من دائرة الاستهلاك وصنع نفسه بنفسه، لم يتسوّل الحكومات أو يستجديها كالكاتب العربي الذي يمنّون عليه بطبع مؤلفات لا فائدة مادية مرجوة من ورائها و لا يعرفها حتي جيرانه أو أقرب الناس اليه وحين صدورها لا يعرف كيف تأتي والي أين تذهب، أيضا ليس للحكومات العربية سياسات توزيع، في ليبيا أحتفظوا من عهد ” القذافي ” بأكثر من نصف مليون كتاب تابعة لما دعي بالدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والاعلان، أحتفظوا بها  في مخازن في منطقة ” بوعطني ” في”  بنغازي، لم يتمّ توزيعها أو التصرّف فيها أو حتي بيعها لتسديد معاشات موظفيّ النشر حتي لعبت فيها سيول موسم مطير من ” الرجمة ” قبل أن تتخذها احدي الكتائب في قصة فبراير مقرا لها وتطعم  نار شايها وطعامها بما تناثر منها، ولكي يرقّعون الفضيحة أعلنوا توزيع ما تم انقاذه منها مجانا في التلفزيون ثم أعقبوه بافتعال عمل معرض مجاني للكتاب تحت شعار ” دعوة للقراءة ” ووزعوها – مجانا – علي العائلات علي غرار ما فعل” عبد المنعم مدبولي ” في السينما لما وزّعها مجّانا علي رواد المقاهي وعابريّ السبيل !، مشكلة ومشكلة جهل ضارب أطنابه وطبيعته تتفاوت من منطقة الي الأخرى لدينا نحن العرب، لا تري الي المظاهر، كلنا مضروبون بعصا واحدة، الذي في القاهرة لا يعلم ما صدر وما لم يصدر من كتب في اسكندرية وبالعكس، أنا أستغرب من وجود ابداعات مميزة وغير عادية لدي المصريين في الفترة الأخيرة لكن لا أحد يدري بها من غير بعض المصريين أو المهتمين بالشأن الثقافي من أصحاب صحف ومجلات، الكتاب الذي دخل عوالما أخري اعني استثمر فحقق مكاسبا وأرباحا بذهابه الي السينما وغيرها لا يزال لدينا شيئا مهملا، مازلنا نجمعه سنويّا في لمّات كلمّات الصبايا تحت مُسمي ” معرض الكتاب السنوي ” أو ” معرض الكتاب الدّولي ” ثم لاشيء بعد ذلك غير” مَن لا يشتري يتفرّج “، شيء يذكّرك بسوق الجمعة أو سوق العشيّة، لا أحد يعرف أحد أو أحد يعوّل علي أحد، سوق بدلاّله، ما أن ينتهي البيع والشراء حتي يذهب كل الي حال سبيله، يذهبون وتذهب الكتب المٌتبقّية الي مخازن السوس والعث والفئران الي أن يأذن لها الله بالفرج فتُزفّ الي موسم معرض سنوي أو دولي آخر وهكذا !. أعود لمؤسسة الآتي فأقول انها ستحافظ علي استقلاليتها ولا تسمح باستغلالها وتحييدها عن مسارها.. ان هدفها الأول والأخير هو الوقوف الي جانب الكاتب بنشره وترجمته وايصال صوته الي الذين لا يعرفونه وكذلك تمكينه من الشهرة والعالمية وبالطرق الصحيحة والنظيفة ودونما منّة أو استغلال من أحد وكما هو الحال لدي الكثير من المؤسسات الحكومية أو غير ذلك… ان ” الآني ” هي أكبر من أن تكون مؤسسة للابحاث والدراسات والمعلومات والنشر والترجمة اذ لها اهتماماتها الأخري ذات الصلة الوثيقة بمجتمعنا العربي من حيث التدريب والتطوير والرفع من مستوي الكفاءات الفنية والثقافية والعلمية. لها مؤتمراتها الفصلية والسنوية
 الآتي
 للأبحات والدراسات والمعلومات
 والنشر والترجمة
 THE FORTHCOMING
 FOR RESEARCHES, STUDIES, INFORMATION, PUBLISHING
AND TRANSLLATION
مؤسسة دولية فكرية، ثقافية مٌستقلة
INTELLECTUAL, CULTURAL,
CREATIVE, INDEPENDENT
 INSTITUTION
مؤسس ورئيس مجلس
ابراهيم النجمي
FOUNDER AND CHAIRMAN
IBRAHIM AL NAJMI
مجلس واستشارة 
نخبة عربية- أجنبية من مفكرين
ومتخصصين
 COUNCIL AND
CONSULTATION
 ARAB-FOREIGN ELITE OF
 AN INTELLECTUALS
AND SPECIALISTS
 
 الليبي: أنت من مواليد عام 1952، وهو زمن مشحون بالبدايات، بدايات ليبية بامتياز وفي كل نواحي الحياة، كيف عايشت هذه المرحلة؟
أنا من جيل متفوّق فيه العمر العقلي علي العمر الزمني، جيل كان فيه الصغير الذي لم يبلغ الثالثة عشرة بعد علي دراية بكل شيء، وهذا لا يتوفر – عادة في كل الأزمنة بل من زمن الي آخر، وبالذات في الزمن الذي ينخفض فيه أو يتلاشي الضجيج، كل ماذهب الضجيج نمت بل تنامت قدرات العمر العقلي فأستجاب له العمر الزمني وطال، يحكون لك فيقولون ان المُعمّرين الأوائل كانت أطوالهم وأعمارهم طويلة وتقف أنت عند أحد قبور الهلالية كقبر ” الخفاجي عامر” باجدابيا فتقول مدهوشا: ( ما عمود الكهرباء هذا؟ )، تطالع القرأن الكريم والرسالات السماوية والسير التاريخية والتراثية فتدوّم بك الأرض، تري بشرا غير الذين تراهم الآن: استجابة منقطعة النظير من قبل العمر الزمني  للعمر العقلي، جذوع ناهضة غير الكابية التي نراها الآن، الآن كلهم بنادمين قصار، قف عند أحدي المدارس الثانوية للبنات وانظر ماذا تري، تري وكما لو أنك في الصين، كلهن قصار القامة، العلماء يقولون لنا ان الانسان كلما جاور البحر وتمدّن قصُر طوله وكلما عاش في الصحراء أو الغابات رأيته يطول، الأفريقي الأسود موصوف بالطول لأن ذراعية يعملان علي الدوام في قطف ثمار الأشجار المرتفعة ومرانهما الدائم يطوّلانه. ان الأمر هنا ليبدو فلسفيا أو تأويليّا علي نحو ما لكنه في الواقع غير ذلك، ان جيلي وجيل جيلي بامكانه أن يقول لك هذا، يستطيع تذكيرك بما لا تتوقعه بل يصحح لك – غالبا- ما تذكره له من معلومات، ويحللها ويفسّرها ويدلّل ويبرهن عليها. ان الفترة التي ولدت وعشت فيها هي فترة تفوّق العمر العقلي علي العمر الزمني والتي هي – وكما قلت لك – نتاج لانخفاض أو تلاشي الضجيج  الذي هو سيطرة الماديات واستحواذها علي عقل الانسان وتفكيره ومحاولة سلخه عن نفسه وطبيعته، وهذا جاء لنا به البحر والأحذية الثقيلة التي مكّنت التجار منا فصاروا يقايضون ما لدينا من مهن وحرف بنتاجات الضجيج والتي منها الغذاء الميّت واللباس المبتّر والمقاهي والسكير والنكير والمقاهي والشيشة ورقص وغناء  اليهوديات كالذي – وباختلاف التفاصيل- في صالات المناسبات و الأفراح الآن، ناهيك عن تفسيد الشباب وصناعة علب الليل وعقارب الشمس في شارع الشطشاط. الي الآن لا أزال أذكر كل شيء وكما لو كان البارحة، كيف سكنا ” الصابري ” وكنا آنذاك أسرة صغيرة مكونة من الوالد والوالدة وأنا وأختي الكبري زينب، ثم أنتقلنا الي ” بنينة” فدرست فيها الثانية ابتدائي وأقمنا في قلعتها القديمة، ليس داخلها بل في المرقب ” غرفة الحراسة المعلقة ” وهي عبارة عن حجرة كبيرة نصعد اليها بسلم حلزوني حديدي، وكان الكاتب ” موسي اللافي ” قد أرسل لي صورة لتلك القلعة تبيّن أين كنا نقيم وقال أنه أشار اليّ في كتاب أعده عن منطقة بنينة وتاريح بنينة، من مرقب تلك القلعة كنا نسمع الجنود الانكليز وهم يتدربون في مكان مطار بنينا الآن ومن حين الي آخر نسمع دوي سلاحهم، وفي ذات مساء شتائي كانت والدتي تتطلع من نافذة في غرفة المرقب المواجهة للمطار الحالي وفجأة صاحت وسقطت فهب اليها والدي وسارعت فأنكفأت أختي زينب فوقها تمسح عنها بطرف ردائها دماء متدفقة من فوق حاجبها الأيمن، وكان والدي يسب ويلعن الانجليز ومن استقدمهم وهو يقبض علي الرصاصة التي كادت أن تودي بحياتها، والعجيب ان اصابة حاجبها ذاك الذي كان أشبه ما يكون بضربة سكين خاطفة كثيرات توحمن عليها من عائلتنا فأنجبن أولادا وبنات بذات أثر الضربة ! في تلك الفترة كان والدي دائم الذهاب الي مصر، كان يتركنا في غرفة حراسة القلعة تلك ولا يعود لنا الا بعد أشهر، كانت له تجارة مع أخوال أمي في منطقتي ” الخبيري ” و ” قصير الجدي ” وكانوا يذهبون الي مصر بالحمير الخيناوية ويعودون بها محملة بالأقمشة والعطور ومستلزمات الأعراس. في بنينة كل ما أتذكره أني كنت أتهرّب من المدرسة فلا اذهب اليها واذهب الي كوّاش يدعي ” الأقطع ” اختبئ عنده ولا أغادره حتي أري الطلبة وقد غادروا المدرسة فاندس بينهم وأذهب معهم لكن حظي كان سيئا مع ناظر المدرسة ” ابراهيم العرج ” الذي ما كنت أحسبه متيقظا لي فأرسل لي فريق قبض من المدرسة سلّموني له وأعانوه علي حرقي بالفلقة. في ال 58م تعرّف والدي علي نائب برلمان من عائلتنا فوظّفه في مصلحة الطرق الاتحادية ثم انتقلنا بعدها الي اجدابيا فطاب لنا المقام فيها، واجدابيا ساهمت مساهمة كبيرة في تكويني الفكري والأدبي، وهي لديّ الأثيرة وأفضل من ” بنغازي ” ولست أنا فقط من قال بهذا بل أدباء كبار من ليبيا كعلي مصطفي المصراتي ومحمد المهدي وعلي الفزاني، المصراتي كتب في كتابه ” رجال في الظل ” عن الشيخ الجليل والعلامة ” عيسي الفاخري ” الذي له الفضل الكبير عليّ بعد الله في تعريفي ببعض من علوم ما كنت لأعرفها لولاه كتحفيظه لنا القرآن بقراءته وشرحه لنا لألفية ابن مالك وشرح ابن عقيل في النحو والصرف وعلم العروض والقوافي والتاريخ العربي الاسلامي وخاصة تاريح الاندلس وقصيدة صالح ابو البقا الرندي المعروفة ( لكل شي اذا ما تمّ نقصان…. ) وهي مناجاة عن تاريخ الأندلس .. أجدابيا أدعوها تندرا ب ” ماكوندو ” قرية الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز صاحب ” مائة عام من العزلة ” والتي لا أحد فيها يموت، وحتي ” اجدابيا ” لا أحد فيها يموت، وما تزال الي الآن معروفة ب ” مدينة المثقفين ”  اجدابيا من المناطق الخلوة من الضجيج ومن يأتي اليها – والي الآن – ما يلبث أن يألفها ويسكن فيها واليها، وهي المدينة الوحيدة علي حفظت لي توازني مع نفسي ومع الأشياء من حولي، جعلتني أفكر في أشياء ما كان لي أن أفكر بها في غيرها، ربما مرجع هذا الي التقاء طبيعتها بطبيعتي التي عرضت اليها من حيث انتمائي الي عائلة دينية صوفية، لأن ” اجدابيا ” كان بها الفاطميون وهم معروفون بنفحاتهم الصوفيه، أيضا هي ملتقي قوافل فكانوا يأتون اليها من كل مكان أو يعبرونها الأمر الذي يمكن من الاتصال والتواصل، أيضا تميزها عن بعض المناطق في ” ليبيا ” بلغتها الخاصة، وهذا ما أكده لي في السبعينات لغوي من السودان، وكان أن استمع الي مع بعض الكتاب في ندوة أدبية فقال لي انني اسمع لغة مختلفة عن رفاقك فأنت تتكلم لسان حضرموت، وقبلها سألني من أين أنا ولما أجبته من اجدابيا طلب اليّ أن أعطيه فكرة فلما حدّثته عنها قال: هذا يكفي، انهم يتكلمون لغة العرب الصحيحة والسليمة وانك لا تتكلم العامية.  اجدابيا منبع الشعر والتراث الشعبي وكثيرون منها يحفظون السيرة الهلالية ويروونها،
 
 الليبي: أخبرتني أن دراستك لعلم النفس في القرآن ساهم في تشكيل ذائقتك ونمط التفكير لديك، كيف حدث هذا؟
دراستي ل ” علم النفس في القرآن ” تقع ضمن اهتمامي بالدراسات الدينية والفقهية وهذا راجع الي أصولي الصوفيّة الدينيّة فوالد جدّي ” نجم ” فقيه عربي من ” فأس ومكناس “، أستوطن ذات يوم ” بنغازي ” وتُوفي وهو في طريقه الي الحج تاركا رفيقته حاملا فأنجبت ابنا دعوه ” خريبيش ” لخربشته في بطنها كما يٌعتقد، وله مقبرة معروفة باسمه ” مقبرة سيدي اخريبيش ” ومعظم أحفاده يرجّحون انه هو مًن أتت علي ذكره السّيرة الهلاليّة أمّا متي – تحديدا – وكيف وفي أية ظروف فذاك ما يتعذّر القطع به وشأنه شأن غيره من ذوي السير الكثيرة الطائشة وغير المدونة  نتيجة قلة التعليم في تلك الفترة أو ربما التجاهل أوتغليب أو سطوة فيئه علي أخري بدافع تغييبها والاستحواذ علي ما لديها، وهذا حدث في التاريح ويحدث الي الآن وسبب مشاكلا كثيرة بين الأمم والشعوب. لكن دراستي لعلم النفس في القرآن كانت تدبٌرا وليس تفسيرا أو تأويلا، والتدبّر يقوّي الايمان، انت قد تقرأ أو تحفظ القرآن لكن من دون تدبّر تغيب عنك معاني كثيرة، القرآن ليس كتابا مقدسا بل مبين ومستبين، وأي متعلّم أو مثقف لا يحفظ شيئا منه ويتدبره يعتبر ناقصا، وكل ما نراه في هذا الكون من علوم واكتشافات وتفسيرات وتكهنات تظل غير محصّنة ومآلها الي الخسران ما دامت غير مستظلة أو مٌتحصّنة به ، انه المعادل الموضوعي لكل ما في الكون ودائما تراه يوجّه الانسان الي ذاته، الي ضرورة معرفة نفسه، يقول له في صيغة جمع ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) الذاريات 21 ، أيضا ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ) المائدة 105. كثيرون – خاصة ما يٌدعون بالعلمانيين –  يعتبرون القرآن كتابا دينيا وحسب ويقولون لك ان ثلاث أرباعه غيبيات وتوجٌهه للآخرة ولا علاقة له بالحياة الدنيا وهذا غير صحيح، انه كتاب حياة، وما من شيء في هذه الدنيا الا وقال عنه أو تنبأ به وهو قول الحق. ان ” النفس ” في القرآن لها شأن عظيم ولقد وردت 295 مائتين وخمسة وتسعين مرة لتدلّ على اهتمامه وعنايته بها كغاية الخطاب، ومناط التّكليف ومحلّ العقاب والثّواب.والقرآن الكريم أكّد على حقائق كثيرة تتعلّق بها بما شكّل علماً ربانيّاً لا ترتقي إليه علوم الإنسانيّة كلّها لضعفها وعجزها ولقد ذكر  أنواعاً رئيسيّة للنّفس، وهي: النّفس اللّوامة التي أقسم بها ربّ العزّة، تلوم صاحبها كثيراً على ارتكاب الآثام والمعاصي، والنّفس المطمئنة التي ارتقت في مصافّ النّفوس بذكر الله تعالى واتباع منهجه وشريعته في الحياة، والنّفس الأمّارة بالسّوء، وهي التي تأمر صاحبَها بالسّيئات فتورده المهالك.  تعريف النّفس البشريّة هي الجُزء المقابل للجسم في تشاركهما وتفاعلهما وتبادلهما المستمر، وهي جزءٌ مُحركٌ لنشاطاته بأنواعها، سواءً كانت إدراكيّةً، أم حركيّةً، أم انفعاليّةً، أم أخلاقيّةً.. أنا أتفق مع الجزائري ” سعد الحاج بن جخدل ” في أن علم النفس -بمفهومه المعاصر- يعتبر من منتجات المنهج العلماني؛ فهو قد ولد كنتيجة مباشرة لجهود مفكرين وأطباء غربيين انتزعوه انتزاعا من جسد الفلسفلة المتهالك؛ وقدّموه للعالم كنظام معرفي متماسك؛ له قاموسه الخاص ومنهجه المتميز؛ بدءا من محاولات (سيجموند فرويد) الذي اتخذ من الملذات والنوازع معيارا وحيدا لفهم النفس البشرية إلى مارتن سيلجمان الذي تعاطى مع أمر الفهم هذا بشيء من الإيجابية وقدّم فيه معايير جديدة ركّزت على الفضائل والمكارم. ونظرا للنجاح الكبير الذي حقّقه علم النفس بعد الحرب العالمية الثانية خصوصا في مجال الرعاية النفسية فقد جَرَت كثير من المحاولات لتأصيل هذا العلم الجديد وربطه بالإسلام على غرار كل العلوم الأخرى فما إن نشر (محمد عثمان نجاتي) كُتُبَه الأولى عما أسماه هو (علم النفس الإسلامي) في خمسينيات القرن العشرين، حتى انطلقت جهود تأصيل علم النفس إسلامياً؛ وقد استمرت هذه الجهود بطريقة أقل ما يقال عنها أنها فوضوية؛ حيث أنتجت لنا كتلة ضخمة من الأدبيات لا يكاد كتاب فيها يشبه الآخر، لا في المنهج ولا في المحتوى ولا حتى في المصطلحات. وقد دافع الباحثون في هذا المجال عن أطروحاتهم المختلفة بنصوص وردت في كتابات لفلاسفة وعلماء مسلمين متقدمين على غرار البلخي والكندي وابن سينا وابن رشد والرازي والغزالي، مع استحضار اشتهائي لبعض الآيات والأحاديث التي تحتوي على مفردات قريبة من تلك الموجودة في القاموس السيكولوجي، من قبيل (النفس) و(الروح) و(القلب)؛ كما ركّزوا على تلك الجوانب العلاجية التي تَعتمد على مفهوم الرقية والأذكار؛ وفي بعض الأحيان حتى على تلك العلاجات العضوية كالحجامة والفصد. وليس سرا أن جزءا كبيرا من رواد هذه الحركة التأصيلية قد تقدم لهذه المهمة تحت ضغط دوافع دُغمائية ترى أن أي حل يأتي من خارج المنظومة الإسلامية لن يكون صالحا لعلاج مشكلات النفس (الإسلامية) وقد يوصف جزء من هذا التصور بأنه سليم –إذا عزلناه عن بعده العاطفي- وذلك بالنظر إلى أن معظم نظريات علم النفس قد نشأت كاستجابة لخصوصية المجتمعات التي ظهرت فيها، ولمّا كانت (النفس) في هذه المجتمعات كيانا غير موضوعي ولا مستقل عن ظروف المجتمع الذي تعيش فيه، فإن قوانين هذه النظريات اعتبرت غير قابلة للتعميم على مستوى النفس الإنسانية بما في ذلك النفس (الإسلامية) لأنها لا تعدو أن تكون قوانين خاصة بـ(النفس) في مجتمع ذو طبيعة إثنيّة وثقافية خاصة تعيشها مكوناته ضمن فترة زمنية وبيئة معينة؛ وقد يصل الأمر إلى استحالة تعميم القوانين حتى على المجتمع ذاته باختلاف حدوده الزمانية؛ فمجتمع القرن الواحد والعشرين مثلا ليس هو مجتمع القرن الثامن عشر. وباستنفاد حجج من دافعوا عن فكرة (علم النفس الإسلامي) فإن أطروحاتهم التي تقدموا بها لتمثيل هذا العلم توصف بأنها مجرّد ردّات فعل مستعجلة أكثر منها بدائل حقيقية؛ وإذا كان من تماسك فيها فهو كتماسك ألواح الشكولاطة سرعان ما تذوب مع أول حمّام  إبيستيمولوجي تخضع له حيث إنها ورغم كثرتها لم تستطع تقديم تعريف علمي  عابر-للأطروحات  Transtheses  لهذا التخصص الجديد؛ كما لم تفلح هذه الجهود في بناء أي نموذج أو إطار مفاهيمي يمكن أن يَلمَّ شتات هذا العلم ويُنظم شظاياه؛ فقد صُبِغت معظم الدراسات التي نُشرت حول مفاهيم علم النفس الإسلامي بصبغة فلسفية إيديولوجية غير مؤهلة لمواجهة متطلبات الممارسة النفسية الواقعية؛ بسبب ضبابية وهلامية المصطلحات المستخدمة في هذا المجال. علم النفس المتعارف عليه يري العلماء أن جذور مصطلحة الانجليزي  تأتي من موضوعين هما: الفلسفة والفسيولوجيا، وكلمة سيكولوجية (نفسية) تأتي من الكلمة اليونانية (بسوخي) التي تعني النفس و ( لوغوس) التي تعني العلم، وفي القرن السادس عشر كان معنى علم النفس “العلم الذي يدرس الروح أو الذي يدرس العقل”، وذلك للتمييز بين هذا الاصطلاح وعلم دراسة الجسد، ومنذ بداية القرن الثامن عشر زاد استعمال هذا الاصطلاح “سايكولوجية” وأصبح منتشرًا.ينقسم بصورة رئيسة إلى مدرستين:المدرسة التحليلية ومؤسسها سيغموند فرويد. والمدرسة الاشتراطية ومؤسسها با فلوف وانبثق من تلك المدرستين الفروع التي اتخذت الشكل النظري لهذا العلم. وفروعه النظرية الأساسية هي: علم النفس التجريبي: يهتم هذا الفرع بدراسة القدرات والعمليات الإدراكية والحركية وخاصة الإدراك البصري والسمعي،والعمليات المعرفية.علم النفس الفسيولوجي: يقوم باكتشاف الأسس الفسيولوجية للسلوك، حيث يسعى هذا الفرع إلي اكتشاف العلاقة بين العمليات الفسيولوجية والسلوك علم نفس النمو: يدرس مراحل النمو من قبل مولد الجنين وحتى الشيخوخة.علم النفس الاجتماعي: يختص بدراسة تأثير الجماعة على سلوك الأفراد وكذلك دراسة سلوك الفرد في الجماعة، وله فروعه التطبيقية: علم النفس التربوي: يهتم بالتعليم الأكاديمى، والتحصيل الدراسي.علم النفس الصناعي والتنظيمي: يطبق مبادئ علم النفس في مجال الصناعة والمنظمات لحل المشكلات المتعلقة بالعمل بهدف رفع الكفاءة الإنتاجية.. وليم فونت: أسس Wilhelm Wundt المدرسة البنائية في علم النفس معتمدا على عملية الاستبطان التي قامت على التعرف على مشكلات الشخص عن طريق الشخص نفسه، ومساعدته في حل هذه المشكلات، وتصحيح رؤيته لها، فعلى سبيل المثال هناك من يعتقد أن الله خلقه ليعاقبه أو لتكون نهايته في الجحيم “النار”، وبناء على هذا الاعتقاد يتصرف بتمرد أو يأس أو يكون مضطهدا للمجتمع ومضادا له، فيتم استخدام طريقة الاستبطان مع هذا الشخص لتصحيح هذا الاعتقاد الخاطيء لديه، ولذلك طرق خاصه مخبرية علمية.ولكن بعد ذلك جاء علماء آخرون انتقدوا طريقة وليم فونت بالاستبطان، وقالوا إنها طريقة ذاتية تعتمد على رأي الشخص نفسه ولا يمكن تعميمها، وكذلك تعتمد على رأي الباحث نفسه ورؤيته وحالته النفسية؛ فمن العلماء الذين انتقدوا المدرسة البنائية الأمريكي وليام جيمس؛ حيث ركز على وظائف الدماغ وتقسيماته.
 
 الليبي: في سيرتك تعليم ديني، واختلاط بمشائخ محليين ومن الأزهر، هل كانت هذه التجربة إضافةً لك، أم أنها أثارت فيك هذا الحس النقدي الذي نلمسه في أعمالك الآن؟
في فترات تاريخية سابقة متفاوتة من التي شهد فيها العالم العربي هجمات شرسة من همج أوروبا تضعضع فيها حال البلاد والعباد فسُحت الخيرات وحرمت الناس من الصحة والتعليم لعب الأزهر الشريف  دورا رائدا في انقاذ المواطن العربي من التجهيل والتغييب والتكفير وذلك بإرسال دفعات من خريجيه في كل الاصقاع والبقاع وبالذات في المنطقة العربية حيث تولوا شئون الأوقاف فصاروا يخطبون في الجوامع ويلقون الدّروس  ويعلّمون في الخلوات والمعاهد الدينية، وما من شك في أن الفائدة عمّت منهم علي الجميع، ولا ريب في أن ذلك شكّل علي نحو ما تجربة مضافة الي تجاربي البسيطة آنذاك ولا أدري ان كانت حقا قد أثارت – حسبما تقول – هذا الحسّ النقدي الذي لمسته في أعمالي، أن مشائخا كثيرين كالجليل الليبي ” عيسي الفاخري ” عرفتهم مذ كنت في المرحلة الاعدادية وتتلمذت علي أيديهم فبصّروني بعلوم دينية وأمور فقهية وتاريخ عربي اسلامي وشعر ما قبل وبعد الاسلام، و هذا أحمد الله علي أني عرفته وتعلمته في تلك الفترة لأنه يستحيل عليّ وعلي الكثيرين معرفته وتعلّمه في حياتنا اليوم، ربما بسبب غياب الضجيج في تلك الفترة، التكالب علي الماديات، ولم ننفتح علي أمور كالتي نراها اليوم أو أنها كانت موجودة بقدر ما بينما عرفت الناس كيف توازنها بغيرها أو أن القناعة كانت المعادل الموضوعي لكل شي أو أن الناس – وهذا تقريبا هو الصحيح – كانت تخشي أو تتحسس من مصنوعات و أغذية عصرية كثيرة ثم لا تجد ضيرا أو حرجا في تجنبها وترضي وتقتنع بما لديها، كنت أسمعهم يقولون عن الأجانب تجنّبوا ما يأكلون ويشربون وما يلبسون ويركبون، وكثيرون قالوا هذه بعض من وسائل التعبئة لدي المجاهدين أيام حربنا مع الفاشست الطليان. ان تلك الفترة لم تشهد ضجيجا كالذي نشهده اليوم، وكأن الناس كانت متيقظة لما كان عبيد الاستهلاك من الأوروبيين يهدفون اليه من وراء تصديرهم لأشياء لا تتمشّي معنا ولا تقبلها طبيعتنا وتلهينا عن ما بين أيدينا وتحت أقدامنا، وفي ذلك المناخ عرفت فيه الناس كيف تحافظ علي أنفسها ولمّت من حولها صغيرها وكبيرها وبصّرتهم بما لهم وما عليهم وعلّمتهم شيئا واحدا الا وهو ان كل شيء يهون من أجل الوطن وانه ولئن حدث ما حدث فلن يكون الوطن وجهة نظر، كل شيء جائز عنه وليس فيه، بالتمام كما نظرتك لربّك، الجائز فقط ولكي تراه أن تنظر قي مخلوقاته وليس في ذاته، وهكذا صار – من الطبيعي – أن يتيسّر لنا كل شيء، ان المشائخ الذين حدّثتك عنهم شهدوا لليبيين بمدي ما يتمتعون به من قدرات كبيرة علي الفهم والاستيعاب، خاصة في الدين وأمور الدين وهذا صحيح، لأنهم ومنذ عهود حتي ما قبل الاسلام كان التعليم بالنسبة لهم متجاوز للطقسيّ أو الشعائريّ بل يعتبرونه مشروع عملي للحياة أو المشروع الحياة، ذات مرّة قدّم الشيخ ” القرضاوي” برنامجا دعاه ” الدين والحياة ” في محاولة علمانية لفصل الدين عن الحياة لكن السليم هو ” الدين الحياة ” بمعني ليس ثمة ما هو خارج – أصلا- عن الدين، وأنا شخصيا لم أكتب حرفا واحد الا في الدين، ولا أحب من يقول هذا كاتب ديني وهذا غير ديني، وحتي لما كنت أمينا لمكتبة ومركز ثقافي لم يرق لي تصنيف “جون ديوي ” في علم المكتبات في أن تكون – مثلا – هذه علوم طبيعية ونلك غير طبيعية، هذه دينية وهذه غير دينية، تصنيفات غريبة لربما أقتضتها أوتطلبتها مناهج العلم المطروحة لكن لو تمعنت فيها – وأنا أقول هذا لأني كنت متخصصا في علم المكتبات – لوجدتها تصنيفات مادية بحتة هي اقرب للنظرية منها الي العملية ولم تراعي ما طرأ علي المعرفة عموما من تطور بحيث توائم مابين هذا العلم وذاك وكيف يتصنّف أولا يتصنّف مع ذاك، ناهيك عن ما خالطها من تحوير أو تزوير. مشكلة التكييف العمدي للآشياء، كيف يعزلون الدين ويصنفونه عن العلوم الأخري وهو متضمن لكل العلوم، هل لأن العلوم الأخري ليس لها دين؟!   في تاريحنا البعيد ما كانت لنا سياسات كالمتعارف عليها من حولنا، أيضا لا أحزاب ولا طوائف أو مذاهب – وان تعلّق البعض منا يبعضها تقليدا أو تعصبا –  كنا بالطبيعة متعلّمين دينيّا، يندر أن تجد نجعا أو تجمّعا سكنيا دون فقيه أو طبيب أو طبيبة أو طهّار، وبعض من العلوم التي اتي لنا بها فقهاء مشارقة أو مغاربة وجدوها وقد سبقتهم الي هنا بعهود خلت بل سمعوها من الليبيين أنفسهم ورأوهم يتعاملون بها، وهذا راجع برأينا الي أن ليبيا ولربما  فُدّر لها ولأسباب جغرافيه وأيضا ربّانية أن تكون ملاذا للفارين بأعرافهم ومعتقداتهم وإيمانهم من ضيم وظلم طغاة ومُستبدّين، ان ما يجري فيها الآن من صراعات ليست منها بل عليها وخلق ذرائع لها هو دأب المتسيّبين من الطغاة والغزاة الواقعين تحت وطأة الملل البرجوازي والغير قادرين – بسبب من عوامل يخطئها الحصر منها غياب العامل القومي أي الاجتماعي – علي العيش من غير خلق عدو! ان الليبيين الحقيقيين لم تحدث بينهم قط صراعات او نزاعات الا بعد أن دخل بينهم الهاربون من أنفسهم فغشّوا نطفهم  ومزّقوا لهم نسيجهم الاجتماعي وأضعفو فيهم الواعز الديني. اننا لا نحّدس أو نتخيّل أو نحلم بل نستنتج من صميم واقع حيّ بيننا ومن حولنا، ان كل ما هو ديني أو ذا دلالات دينيه تجمّع عبر كل العصور مٌجتمعة هنا، تآلفت وحدة اللسان واللون والعرق أو الجنس وثبُت المعني الأسمى أو الهدف القيمي من الاختلاف وكما قال به كتاب الله المبين والمستبين ( ومن آياته خلق السّموات والأرض واختلاف السنتكم وألوانكم ان قي ذلك لأيات للعالمين ) الروم 23 . ان كل الحروب التي خاضها الليبيون ضد الغزاة ولم يمكّنوهم من الاستقرار في ليبيا باعترافات قادتهم ومؤرخيهم كان دافعها الرئيس أو المُحفّز عليها في الأعم والأغلب دينيّا أكثر منه قوميّا أو تٌرابيّا. ان ” عمرو بن العاص ” الذي كلفه الخليفة ” عمر بن الخطّاب ” بشمال افريقيا خلال فترة الفتوحات الاسلامية وجاء الي ” ليبيا ” فوقع وثيقة الصلح مع الليبيين في منطقة ” طلميثة ” كان سعيدا وممنونا لما لقيه من ترحاب من قبل أهاليها الذين كانوا مزيجا من امازيغ عرب وعرب امازيغ و تبو ويهود ونصاري وزنوج وأحباش وقلّة وثنيّة، لكن ما أدهشه انه لم يجد أمامه منذ دخوله الأراضي الليبية  ما كان البعض يصورونه له من أن بعثته ستواجه المصاعب والأهوال في ” ليبيا ” ذات الأراضي الشاسعة ومترامية الأطراف والتي تكثر فيها الوحوش ولا تخلو من تناحر الملل والنحل لكن وفي خلال ثلاثة أيام الضيافة التي تعارف عليها العرب بعث للخليفة ” عمر بن الخطاب ”  رسولا يبلغه ان الأمور علي ما يرام وانه لن يطول به المقام في ” ليبيا ” لأنها وباستثناء فيئة قليلة وثنية فكلها مسلمة منذ عصور خلت وتدين بدين الاسلام وليس غير الاسلام وان أختلفت مللها ونحلها وعما قريب ستعلن عن ايمانها بدين الله الواحد الأحد. أرأيت؟ ان سيرة تعليمي الديني لم تعد سيرتي لوحدي بل سيرة أمة كاملة منتصبة القامة امام اسمها وضميرها.    

الكاتب والمترجم إبراهيم النجمي
الكاتب والمترجم إبراهيم النجمي


الليبي: سناريو وتصوير سينمائي، وفقه اللغة الشعبية، كيف يمكن أن نتمكن من صياغة هذه الركائز الثلاث في مشهدٍ واحد يخص أديباً مولعاً بأعمال الآخرين؟
في بداية الستينات كانت ” اجدابيا ” تعج بالكتاب والشعراء الشعبيين ومطربي الغناء الشعبي المرزقاوي والخطاطين والفقهاء والرواة خاصة رواة السيرة الهلالية والمسرحيين وفنيي الالكترونات والأجهزة الدقيقة والتصوير الثابت والآت الطباعة، وكانت تربطني بهم جميعا صلة وثيقة فحفظت وأخذت عنهم الكثير مما يعملون فمثلا السيناريو والتصوير السينمائي الذي سألتني عنه كان يسبقه التصوير الفوتوغرافي أو الثابت وهذا تعلمته ومارسته علي مرحلتين الأولي: علي يدّ رائد العزف والغناء وممتهن كثير من الحرف والمهن التي ذكرتها الا وهو المرحوم ” عبدالله الحبيب “، المرحلة الثانية في قسم التصوير السينمائي بالظهرة في اطرابلس الغرب حيث كان لزاما علي كل من يتلقي دورة تدريبية طويلة في مجال التصوير السينمائي ان يدرس قبلا التصوير الفوتغرافي او الثابت، ثم بعد ذلك قي دورة أخري في ” بورمث” ببريطانيا حيث تابعت دراسة التصوير السينمائي وكذلك انتسبت هناك لأحد المعاهد فدرست صناعة السيناريو، وهذا الأخير كله خلال فترة عملي بشركة أوكسيدنتال النفطية التي بعثتني في دورة الي بريطانيا. خلال دراستي للسيناريو بنوعيه الوصفي والمهني كنت اشتري أشرطة ال JVC للأفلام المشهورة و لديّ منها الي الآن شبه مكتبة، اشتريها واجلس اتفرّج عليها وأدرسها، أري الي هذه اللقطة أو تلك، هذه من ناحية التصوير كيف أخذوها ولماذا فضّلوا – مثلا- أن تكون  واسعة  EXTREMELY-CLOSE UP  بدلا من متوسطة MEDIUM، ذات مرة جلست ساعة كاملة وأنا أتفرج علي زومات صٌوّرت لنار، كانت تسحرني تلك الزومات وهم ينوّعون بها النّار، أيضا كنت أري الي السيناريو في تلك القصص، أعجب بالنقلات، كيف يحيلك – مثلا-  أنت المٌشاهد من المشهد ال 14 الي المشهد 1 دون أن تدري أو دون أن يحدث خلل في القصة، السيناريو فن من الفنون الراقية وثمة مخرجون يغضبون كثيرا ويحرقون أعصابهم في تصوير مشاهد لم ترق لهم أو أنها ما كانت كما أرادوها وهذا حدث كثيرا مع المخرج المصري ” يوسف شاهين ” لدرجة أنه كان يتدخّل فيعدّل كتابة المشهد أو يعدّله بنفسه أو يضطر الي تمثيله، السيناريو رئة العمل والي الآن أنا أكتب به وبتقنياته، لدي رواية هي معروفة لدي اصدقائي المٌقربين ” للموتي مزامير الميلاد ” لها أكثر من 35 سنة، رواية جامعة فيها كل شيء وسخّرت فيها كل ما أعرفه عن تقنيات السيناريو. ذات مرة أنا والمبدع المعروف ” عبد الفتاح الوسيع ” أنتجنا في عام 2003 شريطا عن ” أوجلة ” بالعربي والانجليزي بمناسبة الكسوف فبيع جميعه ولم نحتفظ بنسخ منه الا بالقوة، أشتراه الأجانب والليبيون وأهدينا منه نسخا للإذاعات والوكالات العربية والأجنبية التي حضرت المهرجان. دراسة السيناريو ليست مجرّد تخيّل قصة ما وتقطيعها في مشاهد، لا، ثمة تقنيات أخري، ولغة وفقه لغة، ذات مرة شاهدت مشهدا من عمل ليبي لأثنين يتجادلان فأحدهما قال للآخر ( والله العظيم ثلاثة ) ثم تمّ القطعCUT  علي مشهد آخر لا علاقة له بسابقه فقلت له ( الله أحد وليس ثلاثة و ” أحد ” لأنه غير قابل للتثنية، ثم أن ثلاثة هنا هي الثالوث Trinity أو الاقانيم الثلاثة ” الأب والابن والروح القدس ” في النصرانية.أما فقه اللغة الشعبية فله قصة أخري وهي التي جعلت اعرابي بسيط لم يذهب للخلوات ولا مقاعد الدّرس أو يتتلمذ علي أحد يحفظ  كتاب ” نهج البلاغة “للامام علي بن ابي طالب كرّم الله وجهه عن ظهر قلب ويستمع الي الامام  ويستوعبه وهو يخطب به دون أن تضيع منه كلمة واحدة، وذات الاعرابي كان الوحيد الذي يعرف جيدا كيف أن القرأن الكريم مبين ومستبين، وكيف أن الرسول الكريم وكلما أستعصي أمر علي احد ما فلم يفهم ماذا تعني هذه الكلمة أو تلك من آية أو سورة كان يوجههم أحيانا اليه فيجدون عنده الجواب الشافي. ان اللغة التي كانت تعرفها الناس وتتعامل بها بما حملته من قيم نبيلة ومبادئ سامبة وخلاقة هي التي شاءت القدرة اللاهية ان تعجّل بها قيام الدعوة الاسلامية في القرن الثامن الميلادي وتجعلها نبراسا لها، ولا ريب في أن تكون قد مرّت منذ بدء التكوين عبر كل الألسن فتضمنتها جميعها قبل أن تصير مبينة و مستبينة، اذن ليست  هي التي تعلمناها في مناهج الدّرس وما دعيناها ” فصحي ” لكي نميّزها عن ما ابتدعوه  ب ” العامية ” ! بل هي الفصحى بالمعني الشعبي،ان الفصيح هو الشعبي والواضح ولكن ليس كل ما لدينا فصيحا وشعبيا، الشعر الشعبي والمعروف لدينا بالعامي أو الدارج هو شعبي فصيح ويعرفه الجميع ويستوعبه من دون قواميس، امرؤ القيس المعروف هو شاعر شعبي بامتياز ولازِمة قصيدته Refrain  أو ملزومتها بالمعني الشعبي هي ذاتها التي في بيت الشعر الشعبي ويستطيع أي ربّاع أن يطقّها علي الصٌفرة، ان فقه اللغة الشعبية الذي أعنيه ليس هو بعمل تنظيري او انتقادي او انتقاصي لمجهودات ومساعي الأولين في فقه اللغة كابن فارس في كتابه: (  الصاحبيّ في فقه اللغة ومسائلها وسنن العرب في كلامها ) وسماه بالصاحبي نسبة إلى الصاحب بن عبّاد، الذي قدمه إليه وأودعه في خزانته، والذي هو حول اللغة العربيّة وأوليتها ومَنْشَأها، وأساليب العرب في تخاطبهم، وفي الحقيقة والمجاز، ودراسة الظواهر اللغوية، ويُعدّ أولَ كتابٍ جمعَ ما تفرَّقَ من فنونِ فقه اللغة، وهو في موضوعه أشبهُ بكتاب الخصائص لابن جني، وكذلك أبي منصور الثعالبي في كتابه أو كتابيه ( فقه اللغة وسر العربية ) وابن جني في كتابه ( الخصائص ) وغيرهم وتزكية ( ابن خلدون ) لهم وبالذات الثعالبي، لكن انما أردت أن أثير موضوعا لا أحسبهم هم أنفسهم – أعني علماء فقه اللغة هؤلاء – بغافلين عنه ويدركونه جيدا وهو المتمثل في اهمال الناس للتحدث بالفصحي والاستعاضة عنها بالعامية أو الفصحي المخلوطة بها وكيف أن هذه الأخيرة صارت لديهم الأثيرة وأن كل ما أتي ويأتي منها بات في نظرهم الأشمل والأعمّ. ولعل هذا ما دعاهم الي جمع كل ما طالوه من اللغة وآدابها فأدرجوه تحت ما أتفقوا علي دعوته ب ” فقه لغة ” من باب الحفاظ علي اللغة وعدم تشتتها وضياعها ناسين – أو أن ثمة من أنساهم خاصة وان المتصيدين لها كٌثٌر – أن ينظروا في مسألة هذه العامية أو الفصحي المخلوطة بها أومن عجميات خالطتها أو أندست اليها من هنا وهناك وكيف يمكن معالجتها ووضع الحلول الناجعة لها، لكن ما بدا – ومنذ زمانهم ذاك – والي عصرنا الراهن ان شيئا من ذلك لم يحدث، وانهم ظلوا – تقريبا – آملين في أن تستيقظ الناس ذات صباح فتجد نفسها وقد داست علي كل ما هو عامي أو دارج ونطقت بالقٌحة !. ان ما وصل الينا من ” فقه لغة ” ظل ولا يزال حبيس أدراجه كأي شأن للذكري، صار شيئا لا يهم غير متخصصيه، ولسنا نري اليه ذلك الأثر أو التأثير الكبير علي المجتمع الذي ساده ويسوده فقه شعبي مٌيسّر ومتداول بين الناس جميعهم حيث الناس تتكلم علي طبيعتها ومعظمها علي غير دراية بفقه لغة الثعالبي الذي ضمّ 30 بابًا، جمع فيها مفردات لغوية لمعنى تدل على أجزائه أو أقسامه أو أطواره أو أحواله، وكذلك الفصول المتقاربة في المعنى في باب واحد. وقد يكتب فصولاً في باب، ويشير إلى أنه كان يجب أن يكتبه في باب سابق ولكن الشيطان أنساه كتابتها مما يدل على أنه لم يتفرغ لإعادة بناء هذا الكتاب كعادته في كتبه.وأما (سر العربية ) وهو كتاب ألحقه ب (فقه اللغة) فهو عبارة عن فصول غير مبوبة تناولَ فيها مسائل في اللغة وعلومها ونقَل معظم بحوثه فيها عن كتاب “فقه اللغة” ، أجل ما كانت الناس علي دراية به أو غيره اللهم إلا قلة من تلامذته أو مريديه أو من المقرّبين اليه، أيضا لأنها – أي الناس – عبر كل العصور مرت عليها ظروف ترحّل وحروب لم يستقرّ لها ومعها حال فحُرمت من التعليم وضاع ما ضاع من أصولها وفصولها وأجبرت علي العيش في ظل غيرها طوعا أو كرها فأثرت وتأثّرت وعاشت وتعايشت فتري السنتها تألفت وتضامنت مع ألسنة غيرها ومن لسان الي آخر تكونت اللغة. ان ما يدعي بلغات أو أن لكل شعب أو أمة لغة أفضل من غيرها هو صحيح ظاهريا ومعقول لو قيل لسان لكنه أمر لا يخلو من التعصّب والعنصرية اذ نكاد نقطع بأنه ليس هناك نطق لمخلوق هو ليس مستلهما أو مأخوذا من غيره وحتي في عالم الحيوان !  أن يكون لكل شعب أو أمة أو جماعة لسانها هو عين الصّواب و لها أن تدعوه داخل حيّزها أو جغرافيتها  بما تدعوه، لغة أو غيرها، لكن حين تتحرّك شبرا واحدا خارج حيّزها أو رقعتها فلن تجد أمامها غير لسان يتحد بالضرورة مع أقرب لسان اليه وهكذا وباتحاد وتألف وتعايش الألسن تتكوّن اللغة. ان القران الكريم لا يقول باللغة الا كقيمة تتكون أو تتنامي تلقائيا من لسان الي آخر، قيمة مشتركة بين الناس أجمعين تدعي لغة تتخاطب الناس وتتعامل وتتعايش بها، القرآن يقول باللسان وليس اللغة، تتبصّره وتتدبّره فلا تجد شيئا غير اللسان وقد ورد ذكره في القرآن 23 مرة، منها:  ( لسان الذي يلحدون اليه أعجميّ وهذا لسان عربيّ مبين ) النحل 104 ( بلسان عربي مبين ) الشعراء 195 ( وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبيّن لهم ) ابراهيم 5 ( ومن أياته خلق السموات والأرض واختلاف السنتكم وألوانكم، ان في ذلك لآيات للعالمين ) الروم: 23، علماء اللسانيات مرة يعتبرون اللسان لغة ومرة غير ذلك وكما يفعلون بفقه اللغة وعلم اللغة، يعترفون – أحيانا – بـان كل أمة لها لسان لكنهم لا يزالون يقولون بوجود لغات رسمية وغيرها غير رسمية، العربية التي تتضمن كافة الألسن في لسان مبين ومستبين ما يزالون ينظرون اليها كلغة وليس لسانا ولا ترقي الي مستوي لغاتهم، جهل وتعصّب، بينما في أيام عز ومجد العرب وفتوحاتهم الاسلامية لما كانوا يقارعون أعتي الطغاة مناصرين للحق محققين انتصارات عليهم كانت العربية مهمة بل ضرورية لديهم فتعلّموها وسلّم الكثير منهم بها وبعقيدتها، انهم لا يعون لسانها وهم غالبا ما يدعون الفاتحين غزاة Invaders بدلا من فاتحين Conquerors، وهذا خلط مريب وكذب وتشويه لحضارة هي ليست لأحد دون آخر. ان العرب الفاتحين ما كانوا غزاة ولا طامعين، فتوحاتهم كانت تعويلا علي اعلاء كلمة الحق ورفعا لراية دينه الذي ارتضاه للعالمين كافة ( ورضيت لكم الاسلام دينا ) المائدة :4 و ( ان الدين عند الله الاسلام ) آل عمران: 19 وتبصيرهم بأن لا اكتمال ولا معني لحريات دياناتهم الا بإيمانهم بالإسلام الذي حمل رايته وبلّغ رسالته كل الرسل والأنبياء ( ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك ) فٌصّلت: 4، ولا تزال آثارهم تدلّ عليهم ولا معني لمن أبتغي تجاهلهم أو نكرانهم. ما نخلص اليه هو أن فقه اللغة الشعبية روح وجوهر لغتنا العربية وتاريخنا وتراثنا وحضارتنا،  يتضمّن كل رموز ودلالات الحياة بكاملها وهو في تنامي دائم – وليس تطورا – شأنه شأن الأشياء الحية.      
 
 الليبي: رحلتك مع الترجمة تتفوق بمراحل على سيرتك مع الكتابة، لماذا فضلت الانحياز إلى كتابات الآخرين بدلاً من كتاباتك؟
سيرتي مع الكتابة لا خيار لي فيها، مسألة مرتبطة بتجربة تارة أصنعها وأخري تصنعني،  متي  وكيف وفي أي سبيل سأذهب بها أو تذهب بي فلا أدري، سحر وما هي بسحر، حلم؟ رؤيا؟ مسّ؟! الله وحده يعلم. الترجمة التي يُظن اني آثرتها علي غيرها هي كيان معرفي عملت علي توظيفه في الكتابة، أنت تراها أعمال تخص آخرين وإنها تفوّقت بمراحل علي سيرتي مع الكتابة بينما أعتبرها وسيلة الي غاية، أنا أدرس وأجرّب و أكتب من خلال تراجمي، أقدّم العمل لك ولي، لك للإطلاع مثلي علي عوالم وأجواء قد تدري أولا تدري عنها شيئا، ولي للبحث عن ما يمكن أن يميّزني. ثمة مترجمون لا يوقّعون اسماءهم علي تراجمهم فتعرفهم من اسلوبهم، كمنير البعلبكي وسامي الدّروبي وصالح علماني، وهؤلاء لهم لون خاص ومهارات متفرّدة. الترجمة التي أشتغلت عليها بالذات في الأعمال الروائية ك ” حج في البحر PILGRIM AT SEA   للسّويدي بارلاغريكفست PAR LAGERKVIST ( 1974-1891) مؤلف ” بارا باس ” Barabbasالحائز علي جائزة نوبل و ” دورية الي بنغازي Patrol to Benghazi ل جوردن لا ندسبورُوغ Gordon Landsborouch الانجليزي هي أعمال غاية في الأهمية ولها طعمها الخاص وتتضمّن صنعة كما تحقق فائدة للمولعين بالترجمة. لقد صادفت أعمالا روائية كثيرة عن ليبيا في تاريخها القديم والمتوسط لم تتمّ ترجمتها ولي مع بعضها قصص لطيفة وظريفة ومنها كيف عثرت طفلتي الصغيرة أنذاك ” ياسمين ” علي رواية ” دورية الي بنغازي ” في سلة مهملات في رحلة لنا من لندن الي بورمث B’mouth وكانت تمارس بتحريض مني عادة جمع الروايات والكتب التي يتركها المسافرون عادة في سلال المهملات أو علي المقاعد أو أرفف النوافذ أو جيوب ظهور المقاعد ما أن يفرغوا منها، وهذا ذكّرني بجورج واشنطن لما عثر – اذا صدقت الرواية – علي الدستور الأمريكي أو مواد منه في برميل قمامة ! وفي حي ” بوسكم Boscom ببورمث سألت صاحب مكتبة أسكن جواره عن كاتب ” دورية الي بنغازي ” فوفّر لي بعض من رواياته عن ليبيا حيث كان يعمل مع الجيش الانجليزي في الخمسينات وهي: مغوار طبرق ( 1956) عودة عن طريق بنغازي (1957) مدي قصيّ الي طبرق (1957) اندلاع بنغازي ( 1966). هذه الأعمال كان من المفترض أن تكون منجزة من فترة طويلة ولا ينقصنا لهذا مترجمين أكفاء اذ كان لدينا مترجمين كبار في فترات سابقة كالكعبازي الذي نقل القرآن الكريم الي الايطالية والتليسي المعروف بتراجمه التاريخية عن الايطالية ومحمد عبد الرازق منّاع وتراجمه وقواميسه وبحوثه المميزة وان كان تركيزهم علي التاريخ أكثر من الأدب، أولئك جميعهم موسوعيون، وما أخّرهم عن ذلك هو ما كنا نواجهه من شظف عيش وعدم استقرار الأمر الذي ألزمنا ترك الدراسة والبحث عن عمل فحرمنا من الدراسة النظامية ولجأنا الي الليليّة ومن تعلم اللغات وظللنا نعتمد فقط علي التراجم، طبعا باستثناء مجموعة قليلة أحوالهم ميسورة. أنا انجازاتي كثيرة سواء  تراجم أو غيرها، ويكفيني فخرا اني ترجمت الي الانجليزية كل الأعمال الابداعية القصصية الليبية ولأكثر من 200 كاتب من كل الأجيال، كل كاتب ترجمت له ما لا يقل عن 10 أعمال أو أكثر مشفوعة بالسيرة الذاتية وعناوين مؤلفاته وأغلفته وما قيل وكتب عنه من دراسات، مضاف الي ذلك 15 دراسة أدبية نقدية تحليلية عن الكتاب الليبيين لكتاب عرب وأجانب، وبذك غطّيت الفترة من 1928 م ” التاريخ المتفق عليه لصدور أول قصة ليبية لوهبي البوري ” الي 1910 م، مشروع دعوته ” السبيل الي الأعمال الليبية الأدبية الابداعية The way to the Libyan literary creative works – part one: the short story – الجزء الأول: القصة القصيرة ” وهو مشروع معلوم لدي متتبعيّ الفكر والأدب في كل مكان وستتولي مؤسسة الآتي الدولية طباعته وتوزيعه، لم أقل أعمال كاملة أو شاملة بل سبيل بمعني هذا هو السبيل وعلي مَن يريد أن يكمل فيكمل. 

مقالات ذات علاقة

الناقد منصور أبوشناف: هل ما فهمته صحيح؟ .. لا أحد يجيب..!!

المشرف العام

حوار مع كاتبة رواية “زرايب العبيد” الليبية

المشرف العام

شكري الميدي آجي: القصة القصيرة حبي الأول

خلود الفلاح

اترك تعليق