فسانيا :: حوار/ سالم البرغوثي
فَاطِمَة الْحَاجِيّ: ”كِتَابَةُ الرِّوَايَةِ عَمَلٌ يَتَطَلَّبُ مَجْهُودَاتٍ وَمَعَارِفَ مُعَمَّقَةً وَمَوْهِبَةً وَوَقْتًا لِلْكِتَابَةِ وَالتَّفْكِيرِ“.. ”الرِّوَايَةُ اللِّيبِيَّةُ لَا تَحْظَى بِالْاهْتِمَامِ كَمَا يَجِبُ“.. ”الْحَرَكَةُ النَّقْدِيَّةُ فِي لِيبْيَا مُتَخَلِّفَةٌ قِيَاسًا بِالْأعْمَالِ الْأدَبِيَّةِ الْمُتَرَاكِمَةِ“..“أحْيَانًا أشْعُرُ بِالتَّقْصِيرِ تِجَاهَ كَثِيرٍ مِنَ الْأعْمَالِ الْأدَبِيَّةِ اللِّيبِيَّةِ”.. ”تَخَطَّتِ الرِّوَايَةُ اللٍيبِيَّةُ مَرَاحِلَ مُهِمَّةً وَوَصَلَتْ إِلَى مَرَاتِبَ فِي التَّقْيِيمِ الْعَالَمِيّ“..“كُرْسِيُّ لِيبْيَا غَالِبًا شَاغِرٌ فِي مُعْظَمِ النَّشَاطَاتِ الْأدَبِيَّةِ“.. ”لَا أخْشَى أحَدًا، لِأنّنِي مُتَمَكّنَةٌ مِنْ أَدَوَاتِي، وَمَا أُوتِيتُ مِنَ الْعِلْمِ إلّا قَلِيلًا“…
لا أحد يستطيع أن يسموَ بجرحه ويحلق به في الأعالي إلا فاطمة ألحاجي. لا أحد يستطيع أن يضبط ساعة حزنه على لحظة فرح يسرقها من الزمن إلا فاطمة ألحاجي. لا أحد يستطيع كسر الأمواج في بحر متلاطم إلا إرادة قوية كإرادة فاطمه الحاجي. هي امرأة من عصر النبلاء. أرستقراطية المظهر.عصرية التفكير. بدوية الأخلاق.طرابلسية الهوى. هي مجموعة إنسان. لا تهزمها الظروف ولا تنال منها العواصف ولا يثنيها الألم ولا يكسرها الحزن. في عينيها دمعة خلف الحدقة تتحول إلى رصاصة في وجه الاغتراب والوحدة. ناقدة وأديبة من طراز رفيع.من الصعب أن تتحصن في حضورها خلف أبواب ثقاقية من ذات الدخل المحدود للولوج إلى عالمها النقدي حتى وإن صرخت في الطابق السفلي. فاطمة الحاجي ليسانس فلسفة من جامعة طرابلس وماجستير في مجال النقد من جامعة محمد الخامس بالمغرب دكتوراة في مجال النقد من جامعة درم البريطانية عضو هيئة التدريس بكلية اللغات جامعة طرابلس. كاتبه ومعدة برامج بالإذاعة. ورئيسة قسم الترجمة بالمؤسسة العامة للثقافة. عضو لجنة التحكيم جائرة البوكر سنة. 2017. لها عدة دراسات في مجال النقد وعدة دراسات ومنشورات على المستوى العربي. النص التاريخي والخطاب الروائي. المسكوت عنه في الرواية النسائية. مفهوم الجسد في ثلاث روايات عربية وغيرها.
– لماذا تأخرت فاطمة الحاجي كثيرا في كتابة الرواية؟
> أولا، كتابة الرواية عمل يتطلب مجهودات ومعارف معمقة وموهبة ووقتا للكتابة والتفكير. وهي جنس أدبي منفتح على غيره من الأجناس الأخرى وهذا يتطلب إلمامًا بكل الأجناس لتوظيفها في بنية الرواية. انشغالي بالدراسة والأسرة اخذ كل وقتي وهذا أحد أسباب التأخر في الكتابة والسبب الثاني أنني أعتقد أن الرواية هي عبارة عن منظومة فكريه واعية ولكي تكون الرواية التي أنسجها في هذا المستوى يستوجب الأمر التمحص في كل لبنة من لبناتها العديد من الروايات الناجحة استغرقت وقتا مثل رواية ذهب مع الريح للأديبة الأمريكية ماغريت ميتشل التي أخذت حوالي من تسعة إلى عشرة أعوام. الرواية الآن في عصرها الذهبي وهذا يتطلب تريثا في الكتابة حتى تتناغم الرواية في مستواها الفني مع عصرها وهذا ما جعلني لا أستعجل النشر حتى تمكنت من جمع كل هذه المتطلبات. وأعتقد أن كل القراءات النقدية لرواية صراخ الطابق السفلي تساند ما قدمت.
– في حديث سابق لكِ قلتِ: إنني لم أشعر بالخوف من نقدي للكاتبة داخلي عندما كتبت روايتي صراخ في الطابق السفلي هل هو غرور الكاتب أم رؤية الناقد بداخلك الذي جعلك تقولين إنها تستحق؟
> قلت هذا الرأي تيقنا ربما لأنني عملت أقصى ما في وسعي وسخرت قدراتي في كتابة الرواية وبذلت جهدا يكاد يفوق جهدي في إعداد رسالة دكتوراة في إعدادها وصياغتها في شكلها السردي الرواية صراخ الطابق السفلي مدادها نزيف الروح لهذا جاءت موجعة بصدق ولأن الرواية ليست رسم شخصيات فقط وأحداث وإنما جهد فكري فجاء هذا الجهد واضحا في التوثيق التاريخي المبني على مصادر مترجمة رغم أني لم أشر إلى أنني قمت بترجمة بعض النصوص عن حرب تشاد حتى تكون المعلومات ليست مجرد تخيلات للأحداث، الحرب الإيطالية مبنية على مصادر حقيقية وهي والدي – رحمه الله – الذي استقيتُ منه كثيرا من أحداث الحرب خاصة أنه كان من المجاهدين في معارك كثيرة الرواية تحفل بفيض معلومات معرفية كلها رجعت لمصادرها، في الحديث عن الأمازيغ رجعت للمصادر العربية والأجنبية لأبنيَ رأيي على سند حقيقي معرفي أضف الحب الكبير الذي حملته لكل شخصياتها. سعاد والدها حازم وكريستينا ووليم طاهر و عائشة آدم والد عائشة. الحمار والعربة. كل هؤلاء عايشتهم سهرت معهم بكيت لحزنهم. طرابلس وقصفها من أمريكا والربط بين ظلم المدينة وجرحها وجرح عائشة. أسماء منسية من التاريخ أخرجتها لأرسم الأسماء المنسية من تاريخنا وكانت رمزا موظفا في البناء الروائي. لم يتطرق أحد لهذا الاسم الوارد من التاريخ البطلة المنسية سليمة بنت امقوس ربما لأنني بكتابتها لن أمضي في صمت من دروب العمر وقد وقعت على رصيف الحياة. ربما لأنني أعطيتها لنقاد كبار في الساحة العربية قبل النشر وأشادوا بها وألَحّوا عليّ لنشرها، ربما هذا أعطاني ثقة في عملي وجعلني أقول ما قدمت في سؤالك أخي سالم، ولم يكن غرورا وإنما هو فرحة الإنجاز الصادق.
تقول الروائية عائشة الأصفر إن الرواية الليبية تعيش عزلة نسبية لأسباب أهمها أن نتاج الروائي في ليبيا لم تقابله حركة نقدية احترافية. هذا رأي صائب فعلا الرواية الليبية لا تحظى بالاهتمام كما يجب أولا لأن النقد متأخر عن مجاراة تطور الرواية، النقد عمل شاق ويتطلب معارف بالنص وبالنظرية الأدبية بالمناهج النقدية وما يستجد من تطور وتجديد في العالم وهذه شروط لا تتوفر في النقاد بصفة عامة لا تهتم المنظومة الثقافية بمجملها بالنقد وتكوين النقاد. وتشجيعهم على الإنتاج. وأغلب القراءات تقوم على علاقات خاصة ومحدودة ولاشك هذه ظاهرة تتطلب مجهودات متواصلة من جهات رسمية مثل التعليم والثقافة للرفع من مستوى النقد. النقد مكون أساسي في قمة الهرم البنائي في المنظومة الفكرية لأي مجتمع لا يمكن أن تشهد حركة نقد مزدهرة بمعزل عن نهضه ثقافية شاملة.ونحن للأسف لا نُولِي هذا المجال اهتماما ولا ندرك مدى أهميته.
– كتب الكثير من النقاد عن المسكوت عنه في الرواية النسائية.. لماذا يتكرر هذا الطرح في الدراسات العربية؟
> لأن الروايه تبوح بخبايا لم يكن ممكنا البوح بها من قبل. وهناك في ثقافتنا العربية الكثير من المسكوت عنه مثل قضايا الميز العنصري. الجنس. السياسة العلاقات العاطفية بعض قضايا الدّين. والرواية باحَتْ بكل هذا في أعمال مهمة شكلت رؤيا غير مسبوقة هذا عن الرواية عموما أما الرواية النسائية فلا شك أن هناك من جرأة من الروائية العربية في التطرف إلى قضايا لم يكن البوح بها سهلا. مثلا علاقة الجسد موضوع مهم جدا كتبت حوله دراسة نشرت في مجلة البيت. حللت فيها ثلاث روايات وكيف قاربت كل كاتبة مفهوم الجسد. وهناك اكتشافات واعية في مجال وعي الكاتبة بذاتها في موضوع تحليل الجسد. هناك كثير من النقاد يتلصصون على الكتابة النسائيه خاصة أن أصواتا جريئة كسرت كل الحواجز لتكتب عن هذه الثبوتات مثل الجنس لأهداف متعددة منها الرغبة في الشهرة مثلا لكن هناك كتابات مهمة في كشف المسكوت عنه الذي يرتبط بقضايا شكلت تميزا في الإفصاح عن مواضيع ترتبط بالسلطة والقانون والدين ساهمت في كشف الحقائق ومناقشتها وهذا أكيد لبنة مهمة في قضايا الفكر الذي تبوح به الرواية.
– كيف تقيّم فاطمة الحاجي الحركة النقدية في ليبيا بوجه عام؟ وهل فعلا لدينا نقاد بالمفهوم التخصصي؟
> الحركة النقدية في ليبيا متخلفة قياسا بالأعمال الأدبية التي لاحظنا تراكمها بغزارة مؤخرا.. من قصة قصيرة وشعر ورواية كان من المفروض أن تواكبها سلسلة من الأعمال النقدية وأغلب الأعمال النقدية انطباعية إلا ما ندر. وهذا له انعكاسه على كل أطراف الأدب وعلى العلاقه بالقارئ وعلى الأديب. وهذ يعود إلى ظروف واقعنا الثقافي بصورة عامة.
– هل مهمة النقد هو إظهار الخلل الإبداعي أم هو شيء آخر؟
> هذا سؤال مهم جدا جدا ويحتاج إلى مساحة واسعة للإجابة عليه بشمولية لأنه يرتبط بجملة من المفاهيم وبقضايا فكرية نحتاج إلى توضيحها للقارئ والكاتب معا. إن النقد ليس مجرد تحليل نص أدبي. أو مجموعة رؤى واستنتاجات دراسية. الناقد هو الذي يخلق النص من جديد بأدواته يُحيِي في النص بذور الإبداع ويبعث معرفة جديدة بالنص قد لا يعرفها الكاتب نفسه لأن اللغة الأدبية لها مفاتيحها بعد الإنتاج، إن الناقد هو الجسر بين العمل الأدبي وفهم القارئ الذي يعتبر الركيزة الأساسية في عملية إنتاجه. كما قالوا. ”الأدب كتابة قوامها الخيال والنقد كتابة قوامها المعرفة” هناك أعمال تقييمية أو تحليلية وهناك أعمال نقدية تصل إلى مستوى الامتناع في قراءة العمل الأدبي.
– هل تشعر فاطمة الحاجي بالرضا على ما قدمته خلال هذه السنوات من العطاء. أم أن هناك أحلاما لم تتحقق بعد؟
> أحيانا أشعر بالتقصير تجاه كثير من الأعمال الأدبية الليبية. ولكن ظروفي الخاصة وأحزان ليبيا هي أهم الموانع من إنجاز عديد الأعمال مثلا منذ سنتين أحاول أن أنجز دراسة حول الأمل في الرواية ولم أنتهِ، منها دراسة أخرى حول الأدب في مرحلة الحرب. ولم أنتهِ منها. أتمنى أن يعود الأمان ليعود لنا الأمل وهو الدافع للإنجاز.
– من يُعجبكِ من الكتّاب الليبيين وعلى وجه الخصوص الكاتبات الليبيات؟
> كل الكتّاب لهم مكانتهم عندي ويكفي أنهم كابدوا معاناة الحَرْف ومشقة الكتابة في زمن أحمق. أريد أسماءً وأعمالا نالت رضاكِ. كثيرة الأعمال الجيدة ولا أستطيع أن أحدد كي لا أقع في الحرج مع أصدقائي الأدباء. هل ترينَ أن الرواية الليبية لها قواعد وأسس ومستقبل للولوج إلى العالمية؟ تخطت الرواية الليبية مراحل مهمة ووصلت إلى مراتب في التقييم العالمي، إبراهيم الكوني وصل بالرواية إلى مصافٍ متقدمة جدا، وأحمد الفقيه -رحمه الله- وخليفة حسين مصطفى صالح الينوسي.. الآن وصلت رواية زرايب العبيد للقائمة القصيرة في جائزة البوكر، وسمعت أن رواية عائشة إبراهيم مرشحة هي الأخرى. عائشة الأصفر لها مساهمة هامة. رواية منصور بوشناف ترجمت إلى الإنجليزية وتلقى اهتماما من النقاد في الغرب. هشام مطر اشتهر على مستوى جيد في أمريكا. رزان المغربي لو واصلت المسيرة لأنجزت الكثير وهي أول من قارب مشكلة الهجرة القسرية التي تشكل اليوم أهم القضايا. غيرها الكثير من النماذج التي لا يمكن استحضارها جميعا لو توفر المناخ الثقافي للتعريف بالرواية وتشجيع الترجمة والتواصل الثقافي وتشجيع النقاد للتعريف بهم لنالت الرواية مكانة في المسار العالمي لأنها لا تختلف في المستوى الفني عن الرواية العربية التي وصلت العالمية.
– يقول الروائي سالم الهنداوي. لقد ظُلمت الرواية كما سائر الفنون في وقت تجاوزت فيه الرواية الليبية الكثير من الروايات العربية والعالمية في التجربة والتكنيك وفي مختبرات السرد العربي. ما مدى صحة هذا الكلام من خلال تجربتك الشخصية وعلاقتك بمختبرات السرد العربي؟
> أوافق الأستاذ سالم الهنداوي في رأيه أن الرواية الليبية ظلمت. لأن العمل االروائي يعتمد في نجاحه على أكثر من خمسين بالمائة على الدعايه والإعلان والقراءات النقدية. ونحن إلى زمن قريب يفصلنا جسر عازل عن الساحة الثقافية،والملتقيات والمؤتمرات العربية. كرسيّ ليبيا غالبا شاغر في معظم النشاطات الأدبية وإذا حصل ومَثّله أحد ما فهو في غير مكانه الصحيح. إن الرواية الليبية تفوق كثيرا من الأعمال العربية التي وصلت إلى مصافِ الأعمال البارزة الناجحة. ولو كان هناك اهتمام بالسرد الليبي من الأطراف المؤثرة لوصلت إلى أرقى المستويات ولفاقت كثيرا من الأعمال العربية. وللأسف حتى النقاد الليبيون إذا مثلوا ليبيا في أي محفل يختارون أعمالا لكتاب عرب. وهم في الغالب غير مطلعين على النصوص الروائية الليبية. نحن نحتاج إلى جهود مكثفة لإبراز أعمالنا السردية والتواصل فيما بيننا.. نحتاج إلى مؤسسة ثقافية وأكاديمية للاهتمام بالرواية الليبية وإيصالها إلى ما تستحقه من مكانه لائقة بها.
– تم اختياركِ عضوا في لجنة التحكيم في الجائرة العالمية للرواية العربية (البوكر) سنة 2017 ويعد ذلك تشريفا شخصيا لكِ، وبمثابة تكريم للرواية الليبية.. كيف تقيّمين هذه التجربة الفريدة؟
> لاشك أن القراءة أنواع منها المستعجلة ومنها المتأنية هناك قارئ شغوف يستمتع بصحبة النص وقارئ ناقد وهو الذي يبذل جهدا يحفر في طبقات البِنْية والمعنى الدلالي الخافي والظاهر.. يفحص النص بعين ثاقبة متفحصة تكتشف المستبطن من الرؤية الفكرية. ويشكل رؤيته الخاصة للنص حسب معارفه وأدواته. إن مسؤولية التقييم ليست سهلة خاصة إذا كان العمل الأدبي يخوض منافسة للحصول على جائزة. وجائزة عالمية مثل البوكر التي كنت عضوة لجنة التقييم فيها وهي تحظى باهتمام أعلى المستويات الثقافية والفكرية في الوطن العربي والعمل في تقييم النصوص الروائية المتنوعة والعديدة ضمن فريق من النقاد والكُتّاب الكبار ليس بالأمر السهل. فالتوافق بين الآراء يتطلب القدرة على تبادل وجهات النظر الموضوعية. فالناقد يهدم ويبني النص وعليه أن يُقنع اللجنة بموضوعية البناء التي ترتكز على شروط معرفية. كانت تجربة كوني عضوة في لجنة تقييم جائزة البوكر للرواية العربية تجربة ممتعة رغم صعوبتها. فيها شعرت بالفخر أنني أرفع اسم النقاد في ليبيا إلى أرفع مستوى. وإنني أقيّم روايات لكُتّاب كبار من مختلف أرجاء الوطن العربي وأحسست بالفخر أنني أناقش رواية للكاتبة الروائية نجوى بن شتوان التي وصلت إلى القائمة القصيرة التي فيها تفضح ظاهرة الرّق والعبودية في التاريخ الليبي، اطلعت على أعمال روائية عربية رائعة وكانت تستحق الجائزة في رأيي لولا أن الحكم على الأعمال ليس بصورة فردية وإنما بأغلبية الآراء والاتفاق عليها. أما عن رأيي في الجائزة هي بادرة هامة لتشجيع الرواية العربية والرقي بها. ولكن هناك روايات رائعة بالتأكيد لم تصل إلى أيدي اللجنة المقيّمة أو إدارة جائزة البوكر. إذا الحكم ليس نهائيا في أن الرواية الفائزة هي الأولى على مستوى الساحة العربية ولكن هي الأولى للأعداد التي وصلت إلى إدارة الجائزة. تبقى تجربة ممتعة مكّنتني من الاطلاع على عديد الأعمال الروائية التي ليس من الممكن الاطلاع عليها في فترة قصيرة. تجربة مهمة في التعرف على فضاء الجوائز وعلى مثقفين من أنحاء العالم. والتعرف عليهم والتعريف بليبيا أيضا.
– كيف استطاعت فاطمة الحاجي أن تتجاوز هاجس الخوف من النقاد وتمكنت من فرض نفسها في مختبرات السرد؟
> أولا، اهتمامي بالنقد له جذور في ثقافتي ومعارفي. اكتشف قدراتي دكتور عراقي زائر للجامعة خلال دراستي العليا اسمه فائز الزبيدي وكان يدرسنا نظرية الأدب طلب منا كتابة ورقة بحثية حول اللغة والفن فنالت ورقتي إعجابه. عرف أنني ذات معرفة بالفلسفه فقال أتوقع منكِ أن تبدعي في النقد. سافرت إلى المغرب وتفوقت في رسالة الماجستير التي كانت حول مفهوم بين النقد والفلسفة وهو مفهوم الزمن نلت فيها امتيازا مع التنويه. هذا مكنني من أدواتي المعرفية وازددت معرفة وثقة بنيلي درجة الدكتوراة بامتياز من إنجلترا. ثم أثبتُّ تميز مشاركاتي بالاجتهاد وبعمق المعرفة.والنقد يفتح آفاقا ليست ممكنة إلا لذوي المعرفة المعمقة وهذا جعلني لا أخشى أحدا لأنني متمكنة من أدواتي. وما أوتيت من العلم إلا قليلا. أما بخصوص كتابة الرواية فأنا أعتقد أنها مستوفية الشروط الفنية التي عادة ما يختلف حولها النقاد أما التفاصيل والرؤية فتلك تحتمل وجهات نظر حسب القارئ ودرجة ثقافته وفهمه للنص. وأنا لا أمانع في الاختلاف وأرحب بكل رأي موضوعي في حدود الفهم والاحترام. شعرت وأنا أنهي حواري مع الروائية فاطمة الحاجي أن ثمة علاقة حميمة بينها وبين الغزالة المفقودة في طرابلس.روح الفقد والغياب والجرح ورحلة الاغتراب القسري. لا ملامح واضحة لتلك الصورة في ذهني.. فقط تراءى لى أن هناك خيطا رفيعا بينهما.. وأنني كنت أتحدث من على النافورة في حضرة الغزالة بعد ضجة الغياب.
– شكرا دكتورة فاطمة.
_____________________________________
* نشر بموقع صحيفة (فسانيا)، الثلاثاء 19 نوفمبر 2019