الذاكرة الليبية..
عرفت بنغازي انتشار الطرق الصوفية منذ العهد العثماني وذلك مع انتشار هذه الطرق في شمال افريقية وكان من أبرز الطرق التي شهدت انتشارا في دول المغرب العربي الطريقة الشاذلية المنسوبة للمتصوف الكبير أبي الحسن الشاذلي ومنها تفرعت باقي الطرق..
كان للزوايا الصوفية دور كبير في تحفيظ القرآن للطلبة من خلال الخلوات التابعة لها.. وكذلك تدريس العلوم الشرعية والفقه إضافة لقيام هذه الزوايا بجمع المريدين في حلقات أذكار يقرأون فيها الأوراد والأحزاب الخاصة بالطريقة التابعين لها..
ويستخدم أهل الصوفية الدفوف والباز والمزمار اثناء تأدية القصائد الدينية والموشحات الأمر الذي ينكره السلفيون اتباع المذهب الوهابي.
وما يهمنا في هذا الموضوع هو الحديث عن الطرق الصوفية والأولياء في مدينة بنعازي كظاهرة دينية انتشرت منذ أكثر من 500 عام سواء اختلفنا معها أو اتفقنا..
الأولياء والأضرحة :
أهل هذه المدينة متدينون بطبيعتهم لذلك تنتشر المساجد والزوايا والأضرحة في أنحاء المدينة ومن أهم المساجد القديمة :الجامع العتيق ــ جامع رشيد باشا ــ جامع الحدادة ــ جامع المدنية ــ جامع الدراوي ــ جامع الوحيشي ــ جامع الشويخات ــ جامع دربي ــ جامع بوغولة ــ جامع بالروين ــ جامع بالة ــ جامع رخيص ــ جامع السنوسية ــ جامع المسطاري.
كما أن جلهم يتصفون بالطيبة ويبجلون الأولياء الصالحين الذين تنتشر أضرحتهم في المقابر والمساجد والشوارع وتطلق اسماء الأولياء على معظم محلات مدينة بنغازي وشوارعها (محلة سيدي حسين ــ محلة سيدي خريبيش ــ محلة سيدي سالم ــ محلة سيدي داوود ــ محلة سيدي الشريف ــ ــ محلة سيدي بالخير ــ محلة سيدي غريبيل ــ شارع سيدي سعيد ــ شارع بن عيسى ــ شارع سيدي علي الوحيشي)
وتطلق اسماء الأولياء أيضا على المقابر المدفونين بها وهي : مقبرة سيدي خريبيش ــ مقبرة سيدي الشابي ــ مقبرة سيدي عبيد ــ مقبرة سيدي داوود ــ مقبرة سيدي حسين .
ومن أشهر المقابر في المدينة مقبرة اخريبيش التي كانت تقع مقابلة للشاطيء وتتوسطها المنارة التي بناها الإيطاليون عام 1936 ( منارة اخريبيش )وسميت بهذا الإسم نسبة إلى سيدي اخريبيش ( جد عائلة نجم ) وكان ضريحه موجودا بها.. كما كان يوجد بهذه المقبرة ضريح الولي الصالح سيدي غازي وهو الرجل الصالح الذي جاء من المغرب الأقصى إلى هذه المدينة وتوفي ودفن بها فأطلق اسمه على المدينة وفقا للروايات الشعبية.. وكان يوجد بها أيضا ضريح الولي سيدي جمعة..
ومن الأولياء الصالحين في مدينة بنغازي سيدي مؤمن الموجود ضريحه بشارع بن شتوان وهو شيخ عالم من (بر السودان) التقى به بعض سكان بنغازي في موسم الحج ودعوه للمجيء إلى بنغازي (وفقا للرواية الشعبية) وأقام في ضيافة عائلة بن شتوان.. وكان قد تدخل لفض النزاع الذي حدث بسبب تقسيم حصص الملح.. وعندما توفي دفن بشارع بن شتوان.
ويعتقد أهالي مدينة بنغازي من أجدادنا أن هذه المدينة (ترابها حامي) لأنها موطن للكثير من الأولياء الصالحين الذين تنتشر أضرحتهم في شوارع المدينة القديمة التي هدمت معالمها اثناء العهد البائد.. ومالم تهدمه السلطات من أضرحة ومقابر قام السلفيون بهدمه ونبشه بعد 17 فبراير وسط الفوضى التي عمت البلاد وانتشار السلاح..
اخريبيش.. الصابري.. اللثامة :
تمتد هذه الأحياء على طول الشاطيء.. ويشمل هذا الإمتداد أكبر تجمع للزوايا الصوفية في المدينة حيث يضم :الزاوية الرفاعية البحرية ــ زاوية بوشحيمة ــ الزاوية العيساوية البحرية ــ الزاوية المدنية ــ الزاوية العيساوية بشارع بالة ــ الزاوية العيساوية بشارع بن عيسى ــ الزاوية الرفاعية الصابري ــ زاوية البهلول العيساوية ــ زاوية بالرزق العيساوية ــ زاوية الشيخ فرج الفيتوري العروسية ــ زاوية يوسف الدنيني العروسية ــ زاوية محمود بالناصر العروسية.. كما تقع في شارع قصر حمد الزاوية السنوسية.. وفي منطقة البركة توجد زاوية الطريقة القادرية.. وانتشرت بعد هذه الطرق الطريقة التيجانية المنسوبة للشيخ أحمد التيجاني.
الزاوية العيساوية البحرية :
هي أقدم الزوايا العيساوية في المدينة وكانت تقع عند شاطيء البحر بجوار مقبرة ( خريبيش ) وقد أسسها الشيخ سليمان بومدين.. واشتهرت بالمنشدين ذوي الأصوات الجميلة في أداء القصائد..
الزاوية الرفاعية البحرية :
بناها أحمد الطبجي على نفقته الخاصة عام 1850 (وفقا لما ورد في كتاب التاريخ الكرونولوجي للأب روفيري وترجمه د. ابراهيم المهدوي) وتولى بعد ذلك علي القرقوري صيانتها وترميمها.. وكانت الزاوية الأم للطريقة الرفاعية ودفن بها الشيخ أحمد الطبجي والشيخ (المسكين)..
الزاوية العروسية (زاوية بوشحيمة) :
بناها السيد يوسف بوشحيمة عام 1850 (وفقا لما ذكر في نفس المصدر السابق) وتقع في شارع (العنيزات)..
المولد النبوي.. احتفالات وبهجة :
ارتبطت مناسبة الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف في مدينة بنغازي بالزوايا الصوفية وأبرزها الزاوية العروسية والزاوية العيساوية والزاوية الرفاعية.. حيث تبدأ الزوايا في قراءة سيرة المولد ويسمى ب ( البغدادي ).. ويتجمع أهالي المنطقة مبتهجين يرددون مع المنشدين بأصوات مختلطة للأطفال والكبار :
يا آمنة بشراك.. سبحان من أعطاك.. بحملك لمحمد رب السماء هناك
.. ومع فرحة الصغار توزع الحلوى الخاصة بمناسبة المولد والمشروب المخلوط بماء الزهر الذي يضفي عليه نكهة مميزة.. ويكتسي المكان بغطاء من البهجة التي يحسها الكبار والصغار.. وتبتهج النسوة في البيوت وهن يستمعن إلى القصائد والمدائح النبوية..
في يوم المولد يخرج اتباع الزوايا الصوفية إلى شوارع المدينة حاملين الدفوف والأعلام مرددين القصائد الدينية المعبرة عن محبة رسول الأمة الإسلامية (صلى الله عليه وسلم).. ويتردد صدى أصواتهم في أحياء المدينة كأنه قادم من زمن الأجداد المحتفلين بذكرى المولد..
ميدان البلدية :
اشتهر هذا الميدان في مدينة بنغازي باجتماع الزوايا الصوفية فيه يوم المولد.. ويعتبر أقدم ميدان في المدينة.. يقع فيه الجامع العتيق وهو أيضا أقدم جوامع بنغازي.. ويمتليء الميدان يوم المولد بالمنشدين من اتباع الزوايا الصوفية وسكان الحي الذين يتقاطرون من الشوارع المجاورة لحضور هذه المناسبة السعيدة.. وكانت هذه العادة السنوية لتجمع الزوايا الصوفية في ميدان البلدية قد بدأت منذ العهد العثماني واستمرت حتى سنوات السبعينيات من القرن الماضي..