قصة

نفذ السمك يا قطة

من أعمال التشكيلية مريم عيسى بازينة
من أعمال التشكيلية مريم عيسى بازينة


لم أهتم كثيراً بمسألة معرفة القطة بوجود السمك في بيتي، كما لم أناقش سبب مجيئها إلى بيتي، ولعل هذا-وهو تخمين داخلي يرجع إلى الصدفة، أو أن القطة كانت تتبعني وأنا أتجول في سوق السمك، أو أن أحد الجيران ،وقد يكون صاحب هذه القطة، قد أرسلها إلى بيتي.

كما لم أعر اهتمامي أيضاً بالبحث عن سبب ولع القطط بأكل لحوم الأسماك، فقد يكون منذ سفينة نوح عليه السلام ولربما يوجد ثأر قديم للقطط يجب أن تمارسه ضد الأسماك كفعل استرجاع لحق سلب.
حقيقة لم اهتم بهذه المسائل لأنها تدخل بين ثنايا عسى، ولعل، وربما، فالاحتمالات كثيرة، والأسباب وإن كانت عديدة فهي لا تهمني في شىء ولو بدا الأمر هكذا من وجهة نظر خارجية كانت نفسي من الداخل تبحث فيه وتقلبه.
والحقيقة في أحايين عديدة، تبدو أو هي كذلك بعيدة المنال وعسيرة على القبض عليها، وإن بدت لنا قريبة جدا، وهى تحت أيدينا، نملك زمام أمرها ونطوعها لصالحنا.

فأنا هنا مثلاً، أقدر على القول، أنني كنت قادراً على منع القطة من دخول بيتي وأستطيع طردها خارجاً وهي تمو أولاً ، وتطلب مني السمك ثانياً وهذه حقيقة عارية تماما كما أن هذا الأمر يعجبني جدا وللسب نفسه كل لوحاتي ارسمها عارية حتى من ورقة التوت لكن لا أقوم بعرضها خوفا فأنا جبان جدا ، وأبيعها للذين يحبون كل شيء على حقيقته ولا يحبون التخفية والتدرية والتخبية والدس ،فهي عندي كمن يدفن جوهرة من ماس ، تعيش لكن تحت التراب.
ذلك أن أي طفل في الخامسة من عمره يمكنه أن يبعد عنه القطة بحركة من يده أو بصرخة من فمه على سبيل المثال.
غير أن الحقيقة أنني لم أقدر على أن أقول للقطة لا وأن السمك قد نفذ من بيتي.
 
ما المشكلة في هذا، وأي بطولة سأدعيها في طرد قطة بغض النظر عن جنسها أو عن أصلها، أو ما إذا كانت أليفة تربيت في أحد البيوت ، أو كانت قطة بيتها الشارع فقط.
مهما يكن من أمر، فهي على أية حال ليست إلا قطة فقط، يمكن أن يلعب بها طفل لازال يحبو، أو صبي يركض خلفها بين أزقة الحى.
إنها لا تعدو كونها قطة.
أليست هذه هي الحقيقة، جميعكم تقرون بها وتدركونها جيداً.
لكن ماذا لو أخبرتكم بأن هذه القطة، تتكلم ؟
نعم..لقد سمعتها بأذني داخل غرفة الجلوس التي أرسم فيها وهي تأمرني:ـ
– قم واعطني سمكة أتغدأ عليها.

خفت أن أقول لا وجدتني أنهض من مقعدي أخطو باتجاه المطبخ وأخرج من البراد سمكة، وضعتها في طبق صغير قدمته لها على الكرسي، ووجدتها تقفز عليه وتسرع في التهام السمكة.
بدت لي نمراً، أو ثعلباً على نحو ما وأسداً على شكل آخر وأنا أتابع طريقة أكلها الوحشية.
فقلت في نفسي:
– ماذا لو كنت في مكان السمكة، وكانت القطة نمراً.
داهمني الفزع وركبني الذعر.
أضفت……
– حسنا ًفعلت، ستأكل السمكة وتنصرف عني
كان يمكن أن تكون المسألة على نحو يفنيني ويرسلني إلى القبر باكراً.

بدت لي القطة في غاية الاستمتاع والسعادة وكان خوفي يتبدد شيئاً فشيئاً.
إن أكبر ما يخيفنا هو الموت وأكبر ما يجعلنا نقول نعم عندما ينبغي أن نقول لا ، هي حالة الجبن وممارسة الهروب من الموت حتى عند لحظة الموت نفسه.
فرغت من حديث نفسي لنفسي ، والقطة فرغت من أكل السمكة، ووجدتها تنسحب إلى الخارج بينما كنت أنسحب إلى فراش النوم.

تكرر مجيء القطة إلى بيتي حتى نفد السمك ولم أجد ما أقدمه لها.
خفت إخبارها بنفاذ السمك وبعدم قدرتي على شرائه حاولت تحاشي الصدام معها، فقطعت إصبعي وقدمته لها.
في الأيام القادمة بقيت بلا أصابع.
القطة كل يوم تأتى تغتال جوعها عندي بينما أفقد جزءاً من جسدي.
قدمت لها أذني.
قلت في نفسي:-
– ما من أخبار سارة سأسمعها.
جدعت لها أنفي، أقول لي :
– أية روائح طيبة سوف سأشمها؟


لم يعد لدي شىء يمكن تقديمه إليها بما في ذلك الشيء الذي هو مصدر سعادتنا وتعاستنا أيضا إلا شفتي ولساني، وبعد ذلك ليس أمامي إلا أن أضع روحي أمامها وتأكلني.
قال لي عقلي:
– قل لها الحقيقة، فعلى أقل تقدير ما زلت قادراً على الكلام، وإذا ما قررت أن تعطيها روحك فالأحرى بك أن تقدم نفسك لها على طبق ومن فضة هذه المرة.
أية فائدة من العيش بدون روح فانت على نحو ما ستصير عبارة عن جثة هامدة تمشي على غير هدى.

قلت لها:
نفــد السمك يا قطة.
الحقيقة أنها لم تكن سوى قطة فقط، فلقد رأيتها بأم قلبي تنسحب وهي تشكرني بموائها وتخرج إلى الخارج دون أن تفعل أي شىء سوى أنها ستبحـث عن بيت آخــر تطلب من صاحبه وجبة غداء قد تكون سمكة في أحسن الأحوال.

ماذا لو قلت لها منذ دخولها الأول: ليس لدى سمك واغربي عن وجهي!!
هذا ما لم أدركه بعد، كما لا يدرك أي أحد منكم سبب فقدان أجزاء من جسدي بما في ذلك الذى يمكنني أن أتزوج به من امرأة تلد لي ولدا أربيه جيدا وحين يكبر ويصير رجلا تدخل عليه قطة وتطلب منه سمكة يرد عليها في ثبات وثقة وتحد أيضا:
– نــفــد السـمـك يـــا قــطــــــــة.

مقالات ذات علاقة

القصعة

عزة المقهور

قالت الشقراء للشيخ

محمد المصراتي

فـيـما بـعـد

اترك تعليق