في الذكرى الأولى لرحيل الروائي الليبي “أحمد إبراهيم الفقيه“.
في الأول من مايو 2019، أعلن في القاهرة عن وفاة الروائي الليبي الدكتور “أحمد إبراهيم الفقيه”، عن عمر يناهز الـ77 عاماً، عقب دخوله قبل يومين من تاريخ وفاته، إلى غرفة العناية إثر تدهور حالته الصحية.
“أحمد إبراهيم الفقيه”، اسم مهم في خارطة الأدب الليبي، فهو الأديب الذي نبغ في كتابة القصة القصيرة، فكانت مجموعته القصصية (البحر لا ماء فيه) الفائزة بالمركز الأول في جوائز اللجنة العليا للآداب والفنون في ليبيا عام 1965. وهو الصحفي الذي بدأ النشر منذ العام محلياً وعربياً منذ العام 1959، ومساهمته في إدارة مجموعة من الصحف والمجلات الليبية والعربية.
شغف بالمسرح، كتابة وتمثيلاً، فكتب أول مسرحية غنائية (هنده ومنصور)، وعرضت في العام 1972، من تمثيل فرقة معهد (جمال الدين الميلادي للموسيقى والتمثيل)، والذي كان “الفقيه” على رأس إدارتها، وكان نواة إنشاء بعض الفرق المسرحية.
هذا ولا ننسى عمله في السلك الدبلوماسي سفيراً لليبيا في أثينا وبوخارست، وكذلك مساهمته ومشاركته في العمل في أكثر من مؤسسة ثقافية محلية وعربية وعالمية. وقبل ذلك مساهمته الكبيرة في إنشاء اتحاد الأدباء الليبيين، وتقديمه وتشجيعه للكثير من الأقلام في عالم الدب والصحافة.
نشر الراحل أكثر من 30 كتاباً بين القصة والرواية والمقالات، وترجمت مجموعة من قصصه ورواياته إلى لغات عالمية.
الثلاثية وقائمة الـ100 رواية عربية.
اختيرت رواية “الفقيه” المعنونة (سأهبك مدينة أخرى)، ضمن قائمة أفضل مائة رواية عربية. وتتكون الرواية من ثلاث أجزاء (أو روايات) هي:
سأهبك مدينة أخرى.
هذه تخوم مملكتي.
نفق تضيئه امرأة واحدة.
وكانت قد صدرت في طبعتها الأولى في العام 1991، عن دار الريس للنشر، ببيروت، وكانت فازت بجائزة الإبداع التي يقدمها معرض الكتاب العربي ببيروت لأفضل عمل إبداعي.
تمتاز الرواية بالسرد الممتع والسلس، المليء بالأحداث المترابطة، وأظهرت هذه الثلاثية قدرة “الفقيه” في السرد الروائي الحديث، وتمكنه من شدنا لشخصية “خليل الإمام” وبحثه عن الزمن الذي لا يأتي تارة في الغوص في استرجاع ذكريات رحلته لأوروبا للحصول على الدكتوراه في رواية (سأهبك مدينة أخرى) وتارة أخرى في الحلم باليوتوبيا والمدينة الفاضلة المثالية في رواية (هذه تخوم مملكتي)، وتارة ثالثة بالحلم بقصة حب مختلفة في رواية (نفق تضيئه امرأة واحدة) .
في الجزء الأول من الثلاثية نقرا في نفسية “خليل الإمام” ذلك الرجل الشرقي الذي ذهب للغرب بمفاهيم وأفكار وقيم مجتمعه، ليظهر هناك الجانب الخفي من شخصيته، الجانب المخبئ خلف قناع فرضه عليه المجتمع. ونرى في سرد مشوق ماذا يحدث عندما ظهرت شخصية هذا الرجل على حقيقتها، ونكتشف خلال هذه الأحداث الصراع وأوجه الخلاف بين الشرق المحافظ، والغرب الذي يصل لحد الانحلال غالباً.
وفي الجزء الثاني، نرى أن الأحداث تدور في مدينة وهمية مستوحاة من عوالم مسحورة من ألف ليلة وليلة، وذلك عند عودة الدكتور “خليل” من الغرب، حيث تبدأ في هذا الجزء التحولات النفسية والصدمة الحضارية للبطل عند الرجوع إلى وطنه، حيث العالم مناقض للعالم الذي جاء منه. وهذا عكس رحلته الأولى من الشرق للغرب تماماً، حيث تظهر الصراعات النفسية التي يعيشها البطل ورغبته في التغيير.
الجزء الثالث للثلاثية، تدور أحداثه في مدينة طرابلس الليبية، حيث نتابع ما حدث للبطل من خلل في علاقته بالمجتمع، وصعوبة التأقلم معه من جديد، وعيش البطل في قصة حب يريد لها أن تكون مختلفة جداً.
خرائط الروح.. أطول رواية عربية.
رواية (خرائط الروح)، والتي صدرت عن دار الفرجاني في العام 2007، والمكونة من 12 جزء، تعد أطول رواية في تاريخ الأدب العربي. وتتناول الرواية صراع الذاكرة مع النسيان. فهي رواية ذات أبعاد أسطورية، وتداخلات درامية وتقاطعات إنسانية، عبر رحلة “عثمان الحبشي” الهارب من الملاحقة الأخلاقية والنبذ القبلي في صحراء قاحلة تعجز عن إدراك امكاناته، واستيعاب طموحاته.
لقد خرج “عثمان” من قريته ذليلا، حقيراً، بعد ضبطه متلبساً مع “عزيزة”، فكان خروجه تحقيقاً للذات، عبر المعاناة المرة ومكابدة الحصول على خبز المدينة، مدينة طرابلس، التي يصل إليها معدماً في زمن الاحتلال الإيطالي، فترة حكم المارشال “إيتالو بالبو”، ومباشرة بعد إعدام شيخ الشهداء “عمر المختار”، وانتهاء حركة الجهاد الليبي، وانحسار حركة التحرر الوطني، ليجد “عثمان” الشيخ نفسه، أمام واقع مختلف عن واقع الواحة الصحراوية التي جاء منها، فيعمل إسكافياً، لان تعليمه الديني لا يؤهله لأي عمل آخر في دولة الاحتلال الإيطالي، ثم يجد نفسه منخرطاً في الجيش الإيطالي الذي تعده إيطاليا لغزو الحبشة، ليكون ضمن جنود هذه الحملة، ولتشهد الملحمة التي يخوضها في الحياة واحداً من أكثر فصولها قوة وإثارة، حيث يقع في الأسر الحبشي وينجو من الذبح بأعجوبة، ويحقق بطولات تتيح له فرص الترقي والاعتراف بمهاراته القتالية.
“عثمان الحبشي” هو تعبير عما حدث للذات الليبية التي ترتبط بجذورها الصحراوية وتحاول أن تتواصل مع الحداثة، وتحمل داخلها وفي عمقها، الزماني والمكاني، الأرض والتاريخ، تلك الرقائق الحضارية التي صنعت تراثها.
تتوزع بقية أجزاء الرواية، لتنقل حياة “عثمان” وتنقلاته، فهي متوزعة على مختلف البيئات والبلدان في حالة اشتباك مع أوطان وثقافات ومجتمعات غير ليبيا، فهي: في الحبشة وأدغالها، في الحرب العالمية وأطرافها من عرب ليبيين وعرب مصريين وألمان وبريطانيين، ومسرحها في الصحراء الغربية، في النضال ضد الفرنسيين الذي يتوحد فيه الليبيون مع الجزائريين والتونسيين وتجسيد هذه اللحمة التي ربطت بين الشعوب الثلاثة. كما ظهرت في الرواية شخصيات كثيرة، أغلبها إيطالية، ثم شخصيات نسائية محورية، حيث تتوهج لحظات الحب في هذه الرواية حتى لتصبح في بعض أجزائها رواية حب بامتياز.
سيرة ذاتية
ولد “أحمد إبراهيم الفقيه” ببلدة مزدة، في 28 ديسمبر 1942، لأسرة متوسطة الحال، حيث كان والده يعمل بالتجارة، وكان جده الفقيه معلماً للقرآن وعلوم الدين بالمدرسة القرآنية في البلدة. غادر بلدته مزده إلى مدينة طرابلس، بعد أن أكمل دراسته الابتدائية ليبدأ مشوار الدراسة غير النظامية التي اقترنت أحياناً بالعمل حتى أفضت به هذه الجهود إلى نيل درجة الدكتواره في الأدب العربي الحديث من جامعة أدنبره عام 1982.
صدر له في القصة والمسرح وغيرها:
“البحر لا ماء فيه” (مجموعة قصصية)، 1965
“اربطوا أحزمة المقاعد” (مجموعة قصصية)، 1968
“اختفت النجوم فأين أنت” (مجموعة قصصية)، 1984
“خمس خنافس تحكم شجرة” (مجموعة قصصية)، دار الشروق – القاهرة، 1997
“غناء النجوم” (مسرحية)، دار الشروق – القاهرة، 1997
“مرايا فينيسيا” (مجموعة قصصية)، دار الشروق – القاهرة، 1997
“في هجاء البشر ومديح البهائم والحشرات” (مجموعة قصصية)، 2009
“جعفر من باكستان”، 2010
“القذافي البداية والنهاية”، 2013
“في هجاء الطغاة” (مجموعة قصصية)، 2013
“قصص من عالم العرفان” (مجموعة قصصية)، 2016
وفي الرواية صدر له:
الصحراء وأشجار النفط”، 1979
“سأهبك مدينة أخرى” (ثلاثية)، 1991
“حقول الرماد”، دار الشروق – القاهرة، 1999
“فئران بلا جحور”، 2000
“خرائط الروح” (12 جزء):
خرائط الروح 1 – خبز المدينة، 2008
خرائط الروح 2 – أفراح آثمة، 2008
خرائط الروح 3 – عارية تركض الروح، 2008
خرائط الروح 4 – غبرة المسك، 2008
خرائط الروح 5 – زغاريد لأعراس الموت، 2008
خرائط الروح 6 – ذئاب ترقص في الغابة، 2008
خرائط الروح 7 – العودة إلى مدن الرمل، 2008
خرائط الروح 8 – دوائر الحب المغلقة، 2008
خرائط الروح 9 – الخروج إلى المتاهة، 2008
خرائط الروح 10 – هكذا غنت الجنيات، 2008
خرائط الروح 11 – قلت وداعاً للريح، 2008
خرائط الروح 12 – نار في الصحراء، 2008
“ابنة بانايوتي”، 2014
“الحالة الكلبية لفيلسوف الحزب”، 2015
“الطريق إلى قنطرارة”، 2015
“العائد من موته”، 2016
“خفايا القصر المسحور”، 2016