محمد الحمامصي
يمثل أحمد صلاح نموذجا متميزا للمترجم الذي يعمل وفق رؤية واضحة، فعلى الرغم من إمكانياته كمترجم للغات العربية والألمانية والإنجليزية، لم يذهب للترجمة لمجرد ترجمة الكتب بل ذهب للاشتباك مع عالمها، فهو فضلا عن عمله مُدرسًا للغتين الألمانية والعربية بجامعة “كوبلنز” في ألمانيا، عمل محاضرًا للغة الألمانية لغير الناطقين بها في دورات الاندماج التي يُقدمها المكتب الألماني للهجرة واللاجئين، وأسس موقع www.langstart.com لمتعلمي ودارسي اللغة الألمانية، كما عمل مترجمًا متخصصًا في مشروع “أراب ترم” وهو المشروع الأول من نوعه في العالم العربي للترجمة المُتخصصة وصدر منه 4 مُجلدات في هندسة المياه، وهندسة السيارات، والطاقة المُتجددة، والهندسة الكهربية، وكذا ترجم وشارك في ترجمة أعمال أدبية وفكرية آخرها رواية “سميته كرافتة”.
في هذا الحوار معه في إطار صدور ترجمته لرواية “سميته كرافتة” للروائية النمساوية “ميلينا ميتشيكو فلاشر” الصادرة عن دار العربي للنشر، نتعرف على رؤيته وأفكاره.
يقول أحمد صلاح: بعد تخرجي في كلية الألسن جامعة عين شمس، كان أمامي خيارات عدة؛ سواء العمل مُعلمًا أم ممثلًا لخدمة العملاء في إحدى الشركات الأجنبية بمصر، لكنني اتخذت قرار العمل في مجال الترجمة رغم أنها أقل هذه المهن دخلًا واستقرارًا. أثناء الدراسة في كلية الألسن، كانت الترجمة مادتي المفضلة، وكنت أحصل فيها على أعلى التقديرات مما أهلني للحصول على منحة من جامعة “لايبتزج” الألمانية للمشاركة في ورشة للترجمة التقنية تحمل اسم “ترجمة وتواصل”.
وأضاف: لذلك يمكنني القول إن العمل في الترجمة بالنسبة لي هو هواية أو بالأحرى شغف. بالرغم من عملي الحالي مُدرسًا للغة الألمانية والعربية بجامعة “كوبلنز” في ألمانيا، فإنني لم أتوقف عن ممارسة هذه الهواية.
ويؤكد أن العمل في مشروع “أراب ترم” للترجمة التخصصية هو أول احتكاك مباشر لي بسوق العمل. “أراب ترم” عبارة عن معجم إلكتروني مُتخصص في المجالات التقنية، وهو مشروع ضخم شاركتْ فيه العديد من الهيئات الدولية، مثل الوكالة الألمانية للتعاون الدولي، ومكتب تنسيق التعريب بالرباط. أضاف لي العمل في هذا المشروع الكبير خبرات واسعة، وهنا يجب أن أذكر د. طارق عبدالباري مؤسس المركز الثقافي المصري – الألماني والمسؤول عن فريق ترجمة المعجم والذي تعلَّمت منه شخصيًا كثيرًا، وخصوصًا فيما يتعلق بالترجمة المعجمية.
أما بالنسبة للفارق بين الترجمة التقنية وترجمة الأعمال الأدبية فهو شاسع. الترجمة التقنية هي ترجمة جافة تعتمد على النقل المباشر للمعلومات المذكورة في النص الأصلي وحسب، في حين أن الترجمة الأدبية تستلزم نقل روح النص ومشاعر الأديب وأسلوبه في الكتابة وكثير من الأشياء الأخرى. لكن يجب ألا نستهين بالترجمة التقنية فهي تتطلب معرفة واسعة في المجال الذي تترجم فيه.
وحول مشاركاته في العديد من ورش الترجمة في ألمانيا أو سويسرا وجدواها ودورها بالنسبة له كمترجم، يرى أحمد صلاح أن هناك حكمة ألمانية تقول: “الإنسان لا ينتهي من التعلُّم قط”. ويضيف “هذه الجملة هي مبدئي في الحياة. بالنسبة لي التوقُّف عن التعلُّم هو نهاية الحياة. لذلك أحاول باستمرار تطوير نفسي واكتساب مهارات جديدة من خلال المشاركة باستمرار في ورش ترجمة واستغلال فرص التدريب الارتقائي.
في صيف عام 2016، شاركتُ على سبيل المثال في ورشة للترجمة الأدبية في بيت المترجمين “لورين” بسويسرا. هناك تعرَّفت إلى شريف بكر مدير دار العربي للنشر والتوزيع، والذي عملت معه فيما بعد على ترجمة الرواية النمساوية “سمَّيته كرافتة” للكاتبة النمساوية “ميلينا ميتشيكو فلاشر”، وهو أول كتاب مُترجم صدر لي. كما شاركت في العام نفسه في ورشة لترجمة الأفلام بمعهد جوته في القاهرة. وفي عام 2018، شاركتُ في ورشة لترجمة أدب الأطفال والناشئة بمدينة هامبورج بدعم من مؤسسة “روبرت بوش” والصندوق الألماني للمترجمين. كما حصلت عام 2017 على منحة من البرلمان الألماني وتدرَّبتُ لمدة ثلاثة أشهر في مكتب أحد أعضاء البرلمان الألماني.
وعن تجربة ترجمة الرواية النمساوية “سميته كرافتة” التي نالت جائزة “ألفا” النمساوية للآداب في عام نشرها 2012، يشير أحمد صلاح “عندما عُرضت عليَّ ترجمة رواية “سمَّيته كرافتة” وقرأتها للمرة الأولى، لم أتردد مطلقًا في قبول ترجمتها. رغم التحدي الذي عرفتُ أنني سأواجهه أثناء الترجمة، فإنني شعرتُ بأهمية نقل هذه الرواية الرائعة والشاعرية إلى اللغة العربية.
تدور أحداث الرواية في اليابان، إلا أنها تناقش العديد من القضايا الشائكة في مجتمعاتنا العربية أيضًا، مثل الانطواء، والانعزال عن المجتمع، والتنمر، والضغوط الأسرية والمجتمعية وتأثيرها على الإنسان. وخلال هذا العام ستصدر لي ترجمة رواية نمساوية أخرى، وهي رواية “مكتبتي الغالية” بالتعاون مع مكتبة تنمية. وهناك مشروع لترجمة رواية نمساوية ثالثة، لكن لم يتم الاتفاق عليها بشكل نهائي بعد.
ويلفت إلى أن ما أراد الكاتبة النمساوية قوله في روايتها بأسلوب فريد متأثر بلغتها الألمانية وأصلها الياباني هو “حارب الخوف من أي شيء، ودع التجاهل جانبا”.. ويضيف “من خلال هويتها متعددة الجنسيات تروي المؤلفة أحداث الرواية باللغة الألمانية في اليابان. يقرر “هيرو” الشخصية الرئيسية في الرواية أن يخرج من عزلته ليرى الحياة، ليجعل البداية على دكة في إحدى الحدائق، فيلتقي موظفا يكبره بعدة أعوام، يسردان لبعضهما البعض الكثير من لحظات حياتهما، بعضها ملئ بالفرح وبعضها ملئ بالحزن، بعضها ملئ بالخوف وبعضها ملئ بالضعف، بعضها ملئ بالحب، وبعضها ملئ بالكراهية، يتفقان معا ويكتشفان أن هناك عاملا مشتركا بينهما، ومن ثم يأخذان على عاتقهما الكثير من الآمال والوعود. فالمهم هو ما تعلمته من كل مواقف حياتك، هل جعلت منك إنسانا أفضل أم جعلتك تقف متسمرا في مكانك؟ إلى أي مدى سيظل السكوت هو الحل الأمثل؟ وهل هو الحل الأمثل فعلا؟ إلى أي مدى ستظل في عزلتك؟ حتى لحظة فوات الأوان؟
ويؤكد أحمد صلاح أن هناك فرقا كبيرا بين وضع المترجم في عالمنا العربي ووضعه في أوروبا. حيث يحظى المترجم في أوروبا بالمكانة التي تليق به كوسيط بين الثقافات والشعوب المختلفة. لذلك نجد أن هناك فرصًا كثيرة أمام المترجمين لتطوير أنفسهم، سواء بالمنح أم بورش العمل. أما في العالم العربي فيرى الكثيرون – للأسف – أن مهنة المترجم مهنة ثانوية يمكن الاستغناء عنها.
ويرى أن أبرز التحديات التي تواجه حركة الترجمة وأيضا التي تواجه المترجم
تتمثل في أن حماية حقوق المترجم فهي أكبر التحديات التي يجب مواجهتها إذا
أردنا تحسين أوضاع المترجمين. ويوضح “حماية حقوق المترجم على جميع الأصعدة؛
على سبيل المثال ماديًا. للأسف هناك عديد من مكاتب الترجمة ودور النشر
التي تستغل حاجة المترجمين للعمل وتعرض عليهم مقابلًا ماديًا هزيلًا، وكثير
من المترجمين يقبلون هذه العروض لأنه ليس لديهم خيار آخر. كما يجب حماية
حقوق المترجم الأدبية أيضًا، فلا يصح أن يعطي بعض المترجمين الكبار
لمترجمين صغار كتبًا لترجمتها ولا يضعون أسماءهم على الكتب، وهو ما يحدث
كثيرًا للأسف. وأرى أن حل كل هذه المشاكل يكمن في إنشاء نقابة للمترجمين
تعمل على الحفاظ على حقوقهم ورعايتهم، ووضع حد أدنى للمقابل المادي الذي
يتقاضاه المترجم يتم الالتزام به من قِبل الجميع.
ويلفت أحمد صلاح إلى ضرورة الاعتراف أن المجتمع بأكمله تأثَّر بتراجع دور
الثقافة وليس الترجمة وحدها، لكن يجب الإشارة إلى أن هناك إقبالًا ملحوظًا
في الفترة الأخيرة على ترجمة الكتب والأعمال الأدبية. كما أن هناك إقبالًا
من جانب كثير من الشباب على الأعمال المترجمة، وهو أمرٌ جيد. لكن أتمنى أن
يتمُّ دعم المترجمين ودور النشر في الفترة المقبلة بصورة أكبر لمساعدتهم
على تطوير أنفسهم وزيادة وتحسين إنتاجهم.
وفيما يتعلق بمساهمة الترجمة في تحسين التواصل الثقافي بين الشرق والغرب
خصوصا في ظل المجريات الحادثة على الساحة الإقليمية الآن، يعتقد أحمد صلاح
أن المشكلة الأساسية التي نعاني منها في علاقتنا مع الغير عمومًا والغرب
خصوصًا هي التواصل. كل طرف يتعامل مع الآخر حسب منظوره ولا يراعي الاختلاف
الثقافي بين الشعوب، وهنا يأتي دور الترجمة لنقل هذه الاختلافات ورسم صورة
للمجتمع الآخر، وهذا سيساعد كثيرًا على تفادي الكثير من الصراعات التي قد
تنتج عن سوء الفهم مع الغير.