.
تشكل الانتخابات التي ستجرى خلال الأشهر القليلة القادمة تحدياً كبيراً لليبيين كافة لما تمثله من مؤشر يعكس مدى تفهمهم لظروف الحالة الليبية الاستثنائية والتي أبرزها الوعاء الزمني القصير والمحدود والذي يضغط بقوة على صنّاع السياسة بضرورة إعادة أنماط الحياة إلى مستواها الطبيعي المعتاد، بل ربما بأفضل مما كانت عليه، واستتباب الأمن والاستقرار الذي يعزز الحضور الاقتصادي العالمي للبدء في برامج التنمية الشاملة.
فالانتخابات القادمة لاختيار أعضاء المؤتمر الوطني تعتبر الخطوة الأولى في مسار الديمقراطية الحقيقية، وعملية التداول السلمي للسلطة، وبرامج بناء دولة المؤسسات، وإعداد الكوادر والأطر الفنية اللازمة لدوران عجلة الحكومة في سباق مع الزمن، وتحدي للتركة المعقدة الموروثة من النظام السابق.
ولما كانت المرأة الليبية تمثل نسبة عالية في العدد الإجمالي لسكان ليبيا تصل إلى حوالي خمسين بالمائة فإن أصواتها بالتالي تشكل أهمية كبيرة في إنجاح العملية الانتخابية، ولذلك فهي مطالبة بالمشاركة الفعالة والاستجابة لنداء الوطن والالتزام بالممارسة العملية لوضع ورقة الانتخاب في صناديقها المختارة، باعتبار ذلك حق مكتسب ومسئولية وطنية وأخلاقية تجاه هذا الوطن الحبيب، وإذا زدنا على ذلك بأن نسبة المتعلمات من النساء الليبيات تفوق اثنين وسبعين بالمائة فإن التزامهن يتضاعف ومسئوليتهن تصبح أكبر.
يبرز هذا القول لأن بعض الأصوات الإعلامية ترتفع الآن لتشكك في فاعلية دور المرأة وحضورها في المشهد السياسي الليبي، وللأسف فقد تجاهلت تلك الأصوات تماماً دور المرأة الليبية التي أثبتت أنها قادرة على الفعل والمطالبة بحقوقها، حيث احتجت على ما ورد في قانون الانتخابات حول تخصيص نسبة عشرة في المائة لهن وهو ما يمثل عشرين مقعداً فقط في المؤتمر الوطني، منطلقة من أن هذا العدد القليل لا يتناسب إطلاقاً مع ما سجلته المرأة الليبية من تطورات متعددة ومختلفة، ومع نسبتها في عدد السكان الإجمالي للبلاد.
فالمرأة الليبية كانت شرارة البدء لثورة فبراير حين خرجت نساء ضحايا بوسليم يوم 15 فبراير أمام مديرية أمن بنغازي للمطالبة بإطلاق سراح المحامي “فتحي تربل” الذي كان يدافع عن حقوقهن. والمرأة الليبية هي التي شيعت أبناءها بالزغاريد والتكبير والدعاء ولنا في مشهد الحاجة النالوتية “أم السعد عيسى المقدمي” والدة المرحوم عماد زكري أبرز مثال، كما أن التاجورية المرحومة “صبرية ساسي” ونوميديا ليبيا المهندسة “هناء الحبشي” وحفيدة عمر المختار “إيمان العبيدي” التي فضحت نظام القذافي وكشفت أنه مبني على هتك أعراض حرائر ليبيا، والحاجة الإجدابية “أم الثوار” التي كانت تعد وجبات الأكل لثوار الجبهات، وصمود نساء مصراته ومدرساتها اللائن قمن بتحويل بيوتهن ومقار مدارسهن إلى مطابخ وأماكن للإسعافات والإيواء وخلايا للعمل السري. كما لا ننسى دور الإعلاميات “سعاد سالم الحجاجي” و”سالمة المدني” و”سالمة الشعاب” والمناضلة “أسماء الأسطى” التي أصدرت نشرة سرية كانت توزع في طرابلس، أثناء حصار العاصمة، لنشر الأخبار والتعليقات والعمليات البطولية السرية.
كما عملت المرأة الليبية على توثيق وتصدير معاناة الليبيين والليبيات إلي خارج حدود الوطن، ونحن لن ننسى شريط الفيديو المرئي القصير الذي نقل لنا صرخات حرائر بنغازي ( يبو يحرقونا) الذي صورته فتاة ليبية من بنغازي أثناء دخول الكتائب والمرتزقة إلي الأحياء السكنية وسط المدينة متخفين تحت القبعات الصفراء. وبلا شك فقد ساهمت كل تلك الأعمال البطولية في توفير الاستجابة والدعم لقضيتنا العادلة على المستويين العربي والدولي.
هذا قليل مما قامت به المرأة الليبية في جميع مدننا وقرانا ومناطقنا قبل وأثناء مجريات ثورة فبراير المباركة، فهل تتراخى هذه المرأة البطلة عن المساهمة في دورها الانتخابي الآن؟ هل تترك ساحة العمل السياسي حتى تتيح الفرصة للمتسلقين في الوصول إلى مبتغاهم؟
إن المرأة الليبية التي وهبت روحها وشيعت شهدائها ودوت حناجرها وهتافاتها في ساحاتنا المختلفة، وتعالت زغاريد أفراحها وتلاحمت مع أخواتها وإخوانها في ربوع ليبيا الحبيبة ستؤكد للجميع بأنها جاهزة لممارسة دورها الانتخابي، وعازمة على ترسيخ ثقافة الانتخاب والحوار وقبول الآخر وتجسيد كل القيم النبيلة في مجتمعنا وذلك انطلاقا من العهد الذي تؤكده وهي تردد مع إشراقة كل صباح جديد (إننا يا ليبيا لن نخذلك).