طيوب عالمية

الفيسبوك تحت مجهر الفلسفة: “آلية قاتلة للخصوصية“؟

العربي

إيهاب محمود

في مقدمة كتابه “الفيسبوك والفلسفة.. بم تفكّر؟”، يؤكد مترجم الكتاب ربيع وهبة أن فيسبوك جاء ليضع قدماً ثقيلة في حياتنا اليومية، فهو بخلاف ما أفرزه من مشكلات وسلبيات نجح أيضاً في المساعدة على خلق فرص مذهلة في الارتباط وتكوين العلاقات وقنص وظائف وتحقيق شهرة وكسر حالات الملل والوحدة، أي أنه حقق الشيء ونقيضه.
ويكشف الكتاب، الذي صدر مؤخراً عن المركز القومي للترجمة في القاهرة، بالاشتراك مع دار المحروسة، ويضم نحو 25 مقالة حررها دي إي وتركوور، التحولات المرتبطة بالتفاعل الاجتماعي عبر الوسائط الإلكترونية.

كتاب الفيسبوك والفلسفة.. بم تفكّر؟
كتاب الفيسبوك والفلسفة.. بم تفكّر؟

ويؤكد بعض الباحثين في الكتاب أن مواقع التواصل الاجتماعي تساعد على تعزيز الديمقراطية، لأنها أداة فعالة في الاتصال والتشبيك، وأن فيسبوك من الناحية الأيديولوجية يعمل بالطريقة نفسها التي يعمل بها المرحاض، بينما يرى آخرون أن فيسبوك أثر في طريقة النضال السياسي التي تعمل بها الحركات الراديكالية، إذ لعبت المعلوماتية دوراً ساعدهم على تقديم فهم أفضل لواقع الصراع الطبقي ولفهم أوسع لما يجري في المجتمعات من حولهم.

ويعد الكتاب محاولة رصينة ودقيقة للرد على الأسئلة التي تتعلق بالربط بين الفيسبوك والواقع الاجتماعي ولكن من منظور فلسفي وأكاديمي، فالحقيقة هي أنه مثلما أثر الفيسبوك في العلاقات ومسارات الحياة على مستوى الأسرة والعمل والشخصية، كذلك كان خير معين في حشد الجهود والأعداد الغفيرة من أجل تحقيق تغيير اجتماعي، بل وإسقاط حكومات ورؤساء مثل ما حدث في ثورة 25 يناير، كما يعبر الكتاب عن جهد فلسفي وعلمي لتشريح ما يحدث وكيف تسنى لمواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها فيسبوك أن تكون وسيلة تملك كل هذا التأثير على المجتمع، ليس في دولة أو قارة بعينها، ولكن على مستوى العالم كله.

ووفقا للكتاب، فإن “فيسبوك يغذي الأنا لدينا ويزيد من درجة النرجسية، لأنه يتيح للمستخدم الآليات التي يمكن بها أن يصنع صورة جديدة أو بديلة لنفسه“.
ولعب فيسبوك منذ ظهوره وحتى الآن دوراً لا يمكن إغفاله، وتأثيراً واسعاً لا يقتصر على مجال بعينه، وبالرغم من مزاياه وسلبياته، تبقى لفيسبوك بعض الخصوصيات التي يأتي على رأسها تعزيزه لفكرة الانعزالية والبقاء وحيداً بعيداً عن القطيع، حيث إن التأثير السلبي الذي تحقق بسبب فيسبوك لا يمكن تغافله، كما أن العلاقات الاجتماعية التي باتت أكثر خفوتاً تعد من العلامات التي تؤكد على تعزيز الموقع لفكرة الانعزالية.

وبحسب الباحثين، فإن المنظور الفلسفي لفيسبوك سيضعه في قالب اجتماعي يحتاج المزيد من التصورات والرؤى لوضع آليات للتعامل معه، إذ أن الإنسان في حال ترك نفسه تماماً واستسلم لتأثيرات الموقع عليه، فإنه سينسحب تدريجياً من أناه الذاتية، وربما تحول لمسخ لا يسعه سوى المتابعة في صمت والتهليل لما يحدث دون إبداء وجهة نظر حقيقية، أو الاشتباك في نقاش جاد، أو محاولة الاستفادة لكسب علاقات اجتماعية جديدة، أو توطيد تلك العلاقات القديمة ومحاولة جعلها أكثر متانة وقوة ورسوخاً.

وبحسب المفكر السلوفيني سلافوي جيجك، أحد المشاركين في الكتاب، فإن حسابنا على فيسبوك يريحنا من عبء المسؤولية المباشرة: “إنه يشبه الضحك المسجل في مسلسلات (ست كوم) القصيرة أو النائحات اللاتي يؤجرن في الجنازات، فهم يضحكن ويبكين بالنيابة عنا، بالتالي فإن الحساب الشخصي على مواقع التواصل الاجتماعي هي نسخة نريدها لأنفسنا“.
وتطرق الكتاب لتحليل مفهوم التسالبية، حيث إن التسالب يكون حافزه الأساسي والذي يحركه قبل كل شيء هو الرغبة في الهروب من المطالب المفروضة على الشخص كجزء من جماعة مجتمعية، بالتالي فهو يساعد في الهروب من مسؤولية الاعتقاد في قيم معينة والعمل على أساسها، وذلك رغم اتهام فيسبوك بالتأثير في الانتفاضات الجماهيرية التي شهدها العالم في السنوات الـ10 الأخيرة.

ووفقاً لسلافوي جيجك، “فيسبوك يتولى أمر سلبيتنا، بالتالي فهذا المصطلح هو نقيض التفاعلية، وبسبب تسالبيته يحرم الموقع مستخدمه من مشاعره وردود أفعاله الحقيقية، لأن الاستجابة تكون عبر هذا الوسيط فقط وليس في الواقع“.
وبحسب الكتاب، فإن فيسبوك يلعب دوراً جوهرياً ربما لا نشعر به في تعزيز فكرة الآنية لدى الفرد، والزمن الحاضر في مواجهة الماضي، إذ أن فيسبوك يساعد على التقليل من أهمية الأشياء التي وقعت في الماضي ويقلل من أهمية الأسرار، فعندما تنتشر صورة تنطوي على أشياء غير محببة تفقد تلك الأشياء مكانتها كأشياء محرمة عندما ينشرها الجميع ليراها الآخرون.
ويتعامل الباحثون مع فيسبوك كآلية قاتلة للخصوصية، لافتين إلى أنه يتبنى ما يطلقون عليه “الخصوصية السياقية” التي تقوم على احترام قواعد الاستخدام والإعدادات والخدمات التي يتمتعون بها.

وظهر فيسبوك عام 2004 لأول مرة عندما أطلق مارك زوكربيرج، طالب هارفارد البالغ 19 عاما، مع بعض زملائه موقعا إلكترونيا صغيرا باسم facebook، كان مهمته وقتها مساعدة زواره في البحث عن أشخاص في مدرستهم، ومعرفة زملائهم في الفصول الدراسية، والبحث عن أصدقاء الأصدقاء.
انتشرت الخدمة في الحرم الجامعي في هارفارد واكتسبت شعبية بسرعة، ثم طرحت في وقت لاحق في كليات أخرى، وبحلول نهاية 2004 أصبح هناك أكثر من مليون مستخدم مسجل لفيسبوك، وتحول الموقع لشبكة اجتماعية في 2006، وبحلول نهاية 2018 ارتفع عدد المستخدمين إلى 2.32 مليار شخص، ويحتل المرتبة الثانية في قائمة المواقع الأكثر استخداماً على الإنترنت.

مقالات ذات علاقة

جامع روما.. منارة مشعّة لجالية كادحة

عزالدين عناية (تونس)

أوروبا صانعة التحول في العالم

عزالدين عناية (تونس)

جائزة البوكر الدولية تعلن عن قائمتها الطويلة لعام 2020

مهند سليمان

اترك تعليق