المقالة

قراءة في عين مواطن

 

 

نواحي الحياة متعددة ومتنوعة ، كذلك الوجوه فهناك من تستطيع فهمها من الطالع الأول ، وأخرى تحتاج إلى أوقات بل سنين ؛ كي تفهم ماهية صاحبها .

قد تتنوع تلك الوجوه بين أصحاب المرْتبات والمراكز والسُّلط..لكن يظل الوجه الوحيد ذو العينين الفياضتين بأشياء كثيرة ، تودُّ الخروج والتعبير والتحدث ؛ ذلك الوجه هو وجه المواطن الصبوح الذي يهمه طلوع الصباح كي يبدأ حياة البحث والكد بين جنبات هذه الدنيا التي لاتنتهي متاهاتها ؛ حتى تُلقي به في متاهة لا تحتاج لعقل –فحسب – بل لعقول راسخة ؛ كي يصل ذلك المواطن بأمان إلى مفتاحها.

كانت نظرات ذلك المواطن وعيناه توحيان بأشياء كثيرة ؛ هي مفسرة وموجودة ولا تحتاج تأويلا.!

الشيء الوحيد الذي نعتبره مدعاة للتأويل : أنهما قالتا كل شيء ” تكلمتا ” استنطقتا ” الصمت فينا “حركتا السواكن، رغم ان الكلام وظيفة اللسان ، إلا أن الأديب العربي في دواوينه قد أصاب ، عندما جعل نصيبا للعينين من قول كل شيء بل هما تحملان مغازيَ لأسرار كبيرة .

المواطن بصمت الوقار وبجلالة السكينة ، تخبرك عيناه الموغلتان في الترقب.. في الحياة ..في الأمل “عن كل شيء. فهما ينظران ويتمنيان ولا تنتهي نظراتهما المتتالية والمتوالية ، حتى في الأحلام تُدركان كل شيء .

ينظر للشمس ويستشعرها نعمة كبرى من نعم الله عليه ؛ رغم اللهيب الذي سمع عنه في إحدى محطات ” ناسا” والغازات الموجودة في بطن الشمس ، لكنها نظل نعمة في عين المواطن وفي إدراكه.

أما في الشتاء فهو يتدثر بدفئها ويلتف بخيوطها الذهبية المسترسلة ، ويستشعر الرحمة والحنان والحب كلما تدثر بخيوط الشمس وحضنته بنورها .

وفي الصيف يراها تشرق بقوة النار المنصهرة في أعماقها لتقتل الميكروبات المحيطة به على سطح الأرض، وتطيب الثمار فتتشقق عن عسل مصفى . ويستنير الكون بخيوطها الذهبية وتفيض على الخضرة فينضج ما قسا منها .

ينظر وتقول عيناه : أين ما يسمونه بالطاقة الشمسية ، أم أنه حلم كأحلامنا المنامية ؟.!

عينان نضاختان فيهما الأسرار والأتراح والأخبار . تخبرانك أن هذا المواطن كل ما حوله مهم له ، فليس هناك ما يسمونه بطرا ” كماليات” فالكهرباء التي كانت في عصر ما من الرفاهية والكمالية ؛ فإنها في عصر هذا المواطن الكادح ضرورة من ضرورات العصر والحياة ، عندما تتوقف يتوقف نبض الحياة تدريجيا ، وتصبح الحياة كمن هو في حالة موت سريري تحت قبضة الأجهزة.

كل العيون من حولنا تشتهي وتتمنى ومن الصواب ليس كل ما تراه العين تلقاه وتجده وتتمتع به . لكن تلك العيون عيون البسطاء تتحدث عن حاجتها لكثير وكثير وكثير !

حاجتها للضوء …والماء …والمال ..وللنعيم .

تحدثت إحدى العيون – وهي تنكسر بانحدار تختبئ تحته دمعة متحجرة ، قائلة : من حقنا أن نعيش عيشة الكرماء لاأن نتكفف الدول المجاورة لنا !

أما العين الأخرى التي سنحت بدموع جارية وتحركت ساخنة بعبرتها الناطقة قالت : تزوجتُ وأنجبتُ أحد عشر كوكبا ، وولجنا الحياة وجاءت المدرسة ؛ فترنحتُ وكأن جبال عسير على ظهري تقيم .أرى الحقائب والملابس وأرى أبناء من حولي لايذهبون إلى مدارسهم إلا وحقائبهم ملْآ بأنواع المطعومات والمأكولات والدينارات تملأ جيوبهم الصغيرة . أما كوكبتي الصغيرة ؛ فإنهم يتباكون على أيام يعدونها عدا كي يصبحوا مثل باقي الأولاد ويلحقون موكب الدراسة قبل الانقضاء .

المواطن يا سادة : ثروة لايستهان بها ، فإكرامنا للمواطن واهتمامنا بدخله وتوفير مستلزماته ؛برسم خطط تشمل إنشاء الجمعيات التي تسهل للمواطن شراء حاجياته ومستلزمات أسرته ووضع أسعار خفيضة مساهمة في النهوض به وبأسرته التي تحتاج للكثير من وسائل الحياة الكريمة.

فهذه أمة باتت تحتاج كل شيء ، من القطن وحتى قطعة الكيكة . كل شيء ضروري تزامنا مع ما يطرأ من جديد على حياة الناس ومتغيرات العصر.

ربما كان الأوائل يتدثرون بدثار واحد ويستنشقون هواء يجمعهم ، لايضيرهم هواء الصحراء ولانسيم البحر .

أما مواطن اليوم : فهناك من يستنشق هواء جهاز التنفس ولايجد الأكسجين على أرضه ، وهناك من لايستطيع أن يكون كبقية الناس أو كما يقولون ” الحال من بعضه ” .

فلكل عصر فلسفته ، ولكل حياة خصوصياتها ، ولكل تقدم وتغير ضريبة . وما جعلت الثورات إلا للتغيير فإن كان التغيير قد نال حياة ما في رأس الهرم ؛ فالأولى لهذا التغيير أن ينال جيب المواطن ويملأ عينيه ، ويحميه من متغيرات الزمان المتوالية .

 

مقالات ذات علاقة

اللغة المقدسة

المشرف العام

ويصطاد السمك

منصور أبوشناف

الثقافة التباوية إرث وطني

المشرف العام

اترك تعليق