من أعمال التشكيلية تقوى أبوبرنوسة.
قصة

حبكة

من أعمال التشكيلية تقوى أبوبرنوسة.
من أعمال التشكيلية تقوى أبوبرنوسة.

القصةُ السادسةُ والخمسون من مسابقة القصة القصيرة كانت مرعبةً جداً.. مرعبة إلى الحد الذي جعلني أفكر في الانسحاب من لجنة التحكيم، والفرار بعيداً حتى لا يقتلني المتسابق الشاذّ الذي قتل جميع أبطال قصته، وهدّد في السطر الأخير بالانتقام من كل الأوغاد على هذه الأرض.

أتحسس عنقي بأصابع مرتعشة وأنظر إلى نافذة غرفتي المطلة على مزارع مهجورة.. أسمع نحيب البطلة التي صلبها على جذع شجرة في استراحة نائية، ويصلُني أزيزُ الرصاص.. رصاص كثيف.. بعضه في الهواء.. وبعضه في رؤوس الأشخاص الأوغاد الذين يرمقونه بنظرات الفضول.. ورصاصتان في قلب خاله الذي سرق أرض والده بوثيقة مزورة.. 
هكذا كان يوزع الموت في نزوات ساديّة مثل بطريرك عتيد يداهمه الخريف، وأنا أطوي جانباً كل قصص المسابقة، وأعيد قراءة قصته.. كانت مقززة كمنشورات الحرب في الفضاء الفيسبوكي.. تعيسة كالثورات حين يسرقها اللصوص.. سخيفة وتافهة كعبارات الثناء في طلب حكومي، لكنها تجعلك تفكر وتخاف وتُراجع كل نظريات النقد الأدبي، وتستعين برولان بارت ودي سوسير.. وتموت رعباً وأنت ترى اسمك في قائمة الأوغاد الموعودين بالانتقام إذا قررت استبعاده من قائمة الفائزين الذين سيحظون بجوائز نقدية مجزية… فكرت أن أفسر القصة بعيون أخرى.. أن أقنع نفسي بأنه كاتب عبقري إلى الحد الذي جعلني أتوهم أنه قاتل ويتوعدني بالانتقام، هنالك قصص عظيمة يقنعك السارد بواقعية الأحداث حتى تظنها حقيقة… وما أكثر النصوص التي كتبتُها ويتبين لي أن القراء يحسبونها أحداثاً شخصية وقعت لي، فكيف أنكر على هذا المتسابق مهارته في تصوير مساحات الشر الكامنة في النفس البشرية، وقدرته على تصعيدها إلى الحد الذي يجعل القارئ يتحسس عنقه خوفَ الموت، ويستمع هلِعاً إلى صرير الريح وخشخشة الأغصان من خلف النافذة. 

يقترب موعد إعلان النتيجة، وروحي معلقة بنصل المدية، أعيد قراءة القصة الفائزة.. كانت محبوكة بعناية..ساحرة إلى الحد الذي يأخذك من يدك ويركض بك في تلال بعيدة وينثر في طريقك بين كل صفحة وأخرى أغماراً من البنفسج تحت سماء زرقاء، وتسمع ضحكات فتاة عاشقة أهداها حبيبها سلسالاً فضياً وقصاصة عليها كلمات حب تبعث الروح في المساحات الميتة، مثل طائر فينيق يخرج من شاشة رمادية لوثتها أخبار الحروب ليجدد العهد بالحياة.. يمتطي العاشقان صهوة الطائر وهو يحلق عالياً في سماء المدينة المنكوبة ويتضاحكان.. يغنيان، فيلجمان الريح البغيضة التي تنشر الرعب من خلف النافذة… يتوقف أزيز الرصاص ونحيب الضحايا الذين قتلهم الجلاد في القصة السادسة والخمسين.

مقالات ذات علاقة

كانت لنا أيام: سيدي رمضان جاي

نجوى بن شتوان

الساعة الحائطية

إبراهيم دنقو

قلوب حطمتها عاهات وتقاليد

المشرف العام

اترك تعليق