من أعمال التشكيلية مريم هنيدي
حوارات

مريم هنيدي: في الطين تكمن حقيقة الإنسان

ما الذي تنحت اليد التي تلمس تفاصيل الطين، نقرة هنا وهناك فيظهر تعرج أو استدارة، ربما هذا أنف أو فم مزموم، كتل قد تبدو جامدة لكن حين التأمل تدبُّ الحياة وتظهر الحكاية.
مريم هنيدي، في سيرتها تمنحنا لمحة عن تلك البنت التي أحبت النحت واختارته، مع دخولها كلية الفنون الجميلة في طرابلس، التي تحصلت منها على درجة الماجستير أيضاً وصارت أستاذاً مساعداً في قسم النحت.
تقول عن سبب هذا الحب: «بالنحت أستطيع التعبير عن العمل الفني بمنظور جمالي أشمل، الملمس واللون والفراغ والكتلة والبعد تثير لديّ روح المغامرة، أن أقول عبر هذه المنحوتة هذه الرؤى والأحلام، أن يتجسد المعنى وأنا أصارع هذه الكتلة وأحاول استنطاقها».

من أعمال التشكيلية مريم هنيدي
من أعمال التشكيلية مريم هنيدي

يتبادر إلى الذهن سؤال: هل الفكرة تسبق العمل الفني؟
أحياناً حينما أبدأ العمل، تغريني الكتلة للبدء، لا كون لديّ فكرة مسبقة، لكن عندما أصارع الطين تُخلق الفكرة ويتشكل العمل، هي كتلة طين صماء، أحوِّرها لعمل فني من خلال رؤيتي للحياة ومعاناتي التي عجزت عن التصريح بها علناً، لذلك أوثقها في أعمالي، الألم يغدو منحوتة لها منظور جمالي وتكون بها عدة اختلافات من الملمس والكتلة والفراغ؛ لتمنح متلقيها عدة قراءات وتأويلات فنية جمالية ونفسية.

مريم التي شاركت في عدة معارض محلية ودولية، معارض مشتركة وثلاتة معارض خاصة، بدأت معرضها الشخصي الأول باكراً العام 2001م، واختارت له اسم «عيون»، حتماً سيكون السؤال «عيون».. لماذا؟
أولاً، هو عنوان منحوتة في هذا المعرض، أما لماذا، فربما كلمة «عيون» تعبر عن مضمون عملي النحتي، «عيون» وما يشكله من إيحاء عميق برؤية إنسانية متطلعة إلى المستقبل، حيث تظل العين دائماً مصدر الرؤية الأولى لكل الأشياء المحيطة بنا، ومبعث كل الأحاسيس الجمالية في نفوسنا، والتي تبثها هذه الأشياء التى تراها العين، وهي أيضاً العين التي ترصد وتوثق وترسل إشاراتها إلى الروح لتعلن عصيانها للقبح، العين هي الضمير.. فما بالك بكل هذه العيون، عيون متطلعة وناظرة وكاشفة ورائية لكل ما حولنا.

من أعمال التشكيلية مريم هنيدي
من أعمال التشكيلية مريم هنيدي

الإنسان في أعمال مريم الهنيدي يبدو محاصراً ومهزوماً، لكنه يواصل المقاومة، ثمة صلابة في المنحوتة وتنوع في صور هذه المقاومة وهذا العنف الذي يحيط بهذا الكائن، رجلاً كان أم امرأة في المنحوتة يغدو كائناً واشياً بالألم، المرأة لا بد من حضورها، فهي أيقونة أغلب العمل الفني، ولهذا كان معرض «تطلع» 2005، هو المعرض الشخصي الثاني، وما يثيره هذا العنوان من حكايات، لتواصل المبدعة حكاياتها مع معرضها الشخصي الثالت، الذي استوحت اسمه من منحوتة جلبها اسم رواية، رواية استنفرت حواس الإبداع فتململت يد ونادى الطين، عنوان المنحوتة «نساء الريح» للكاتبة رزان نعيم المغربي، هكذا صار اسم المنحوتة عنواناً لمعرض ثالت 2010م.. ما الذي كنتِ تتوقين له وتتطلعين إليه فأطلقتِ «نساء» يصارعن الريح.. وأي ريح هي؟
الإنسان هو محور كل أعمالي، خلال معارضي الشخصية الثلاتة أردت أن أعبر من خلال أعمالي الفنية، عما في نفسي وذاتي من مشاعر وأحاسيس وأفكار وأحلام، تشكل معاً محاولة متواضعة للتعبير عن رؤيتي الخاصة للحياة والكون، والإنسان الذي هو في كل معارضي الثلاثة، محوراً لكل ما صنعته يداي بلغة الطين، وأردت أن أبوح بالكثير عن واقع المرأة الشرقية، همومها وتطلعاتها، أفراحها وأحزانها، أردت أن أعبر عنها كما هي من الداخل وليس كما يراها الآخرون من السطح، تحلِّق وهي تمر بأقسى وأشد الظروف، لأنها تصارع من أجل البقاء، صراعاً وجودياً لذا ترينها في أعمالي بمختلف حالاتها وتجلياتها، وفي عملي الذي بعنوان «الهجرة» ترين هذه المرأة وكأنها تحمل العائلة الصغيرة إلى مكان آمن بعيداً عن الحرب، ولكن بين البحر واليابسة موجة هاربة من شاطئها الملوث، أمواج غامضة لا متناهية تقذف بقارب وبرحلة الإنسان إلى المجهول. إنها الذاكرة المهاجرة إلى أوكار مجهولة، كل هذه التخيلات تترك آثارها على طينة تنحت جسداً متلاشياً بحلمه وشغفه إلى غياهب البحر، ولكن هذه المرأة قادرة فعلاً أن تقود هذا القارب المتلاشي إلى بر آمن وتحفظ ذاكرة الشعب، ويبقى صراع الموج والجسد هو صراع إرادة الحياة، وأردتُ أن أقول أيضاً من خلال معارضي الثلاثة، إن النحت فن عظيم وقادر على أن يجسد دينامية وحيوية الإنسان المبدعة والخلاقة، وأن في داخلي صوتاً يصرخ بقوة ويجبرني على المقاومة بالفن بالطين، ففي الطين تكمن حقيقة الإنسان وقوته الأبدية التي قهرت كل الصعوبات التي تواجهنا.


مريم هنيدي في سطور:
وُلدت في طرابلس، ودرست فن النحت في كلية الفنون الجميلة – طرابلس، وتحصلت على البكالوريوس العام 1970، وكذلك تحصلت على الماجستير في كلية الفنون والإعلام العام 2015م، كانت رسالتها عن «زخارق المداخل في العمائر الإسلامية بمدينة طرابلس القديمة وإلى أي مدى تشابهت وتأثرت بمثيلاتها في مدينة تونس وجزيرة مالطا- «1551- 1711». تحصلت على أوسكار مهرجان «سيكا SICA» الدولي – كوتونو، بنين 2012م، وشاركت في عدة معارض دولية ومحلية.

مقالات ذات علاقة

عائشة إدريس المغربي: شعرت أنني أملك منذ صغري حدسا تجاه الأشياء والكون

المشرف العام

خَدِيجَة جِيب الله لِفَسَانْيَا : الْغُمُوضُ وَالْحُزْنُ رُوحُ لَوْحَاتِي وَرِيشَـتِي.

المشرف العام

تهاني دربي: أرفض أن أكون أداة في يد من يملكون السلاح

محمد الأصفر

اترك تعليق