سعد بوزعكوك
تفاجأت صباح اليوم برسالة عبر (الماسنجر) من صديقي (محمد) – من دولة اليمن – يخبرني فيها بأنه سوف يصل إلى مطار بنينا بعد ساعة من الآن ! فرحت بمجيئه وارتبكت قليلاً من غرق شوارع المدينة التي ستضعني في موقف محرج أمام (ضيف المدينة)، لكنني واسيت نفسي بمقولة ( الحال من بعضه).
التقيت محمداً، وانطلقنا نحو المنزل، لكنه طلب أن نقوم بجولة في شوارع (العصية) القديمة – كما سمع عنها، وبحكم العنصرية توجهت صوب منطقة البركة لكي يشاهد (نافورتنا الملونة) بميدان الشهيد الفضيل بوعمر.
فور وصولنا إلى النافورة بدأت أسرد له تاريخ المنطقة وسبب تسمية الميدان بهذا الاسم بعد أن نكل الطليان بجثمان الفضيل وعلقوا رأسه في هذا المكان، ثم تمثل لي وجه الشهيد في مياه النافورة الراكدة، وقد شوهت الطحالب ملامحه، وبعد تناول قهوة (الشومالي) وبكلاوة (طرخان) توجهنا صوب بوزغيبة ثم إلى الرويسات وتحدثنا في طريقنا عن مدى تشابه الوضع بين ليبيا واليمن وعن تقارب اللهجتين، ثم قاطعني قائلاً: افطن! ضحكت، ثم قلت له: نعم، لدينا نفس الكلمة في لهجتنا، وهي تعني انتبه.
تشبث محمد ب(طبلون) السيارة، وقال بصوت مرتفع: انتبه افطن، أمامك حفرة يا كوميدي.
توقفت فجأة، وابتعدت عن الحفرة، وأكملت عملي كمرشد سياحي : هذا الشارع يا ابن اليمن السعيد اسمه (شارع بومدين) نسبةً إلى الفنان الليبي الراحل سيد بومدين، ثم أشرت بإصبعي إلى اتجاه عشوائي لأشتت انتباهه عن حفرة أخرى، وقلت : هنا كان يسكن بومدين، لكنني كدت أن أفقأَ عينه بعد سقوطنا في الحفرة، وأحسست أن شادي الجبل يلعنني في قبره.
اتجهت إلى جزيرة (عبد الله عابد) قاصدين منطقة سيدي حسين لكي يرى بأم عينه المياه الحلوة وهي (تتدردح من فوق العلوة)، وبالفعل وجدناها قد ارتطمت بسور مدرسة الأندلس، مشكلة لوحة فنية تجمع ما بين أعقاب السجائر العائمة وما كُتب على سور المدرسة من مقولات يبدو أن كاتبها قد طُرِد من هذه المدرسة بسبب غيابه المتواصل عن حصة الإملاء.
تعمدت أن أسير بسرعة وسط (الغدير)، ولحسن الحظ ارتفع دخان (الديسكيتيات) على جانبي السيارة، ولم يعد بإمكان صديقي رؤية باقي ذكرياتنا الحائطية.
انقشع الضباب بالتزامن مع ارتطام صدر السيارة بحفرة أخرى، ودون أن أنظر إلى الشارع قلت له : هذه شوكة مطعم الشهد، وهي تقع في منتصف شارع جمال عبد الناصر، وانعطفنا ناحية اليسار مع رعشة في صالة السيارة، وأكملت وقوفي على الأطلال أثناء حديثي عن سبب تسمية الشارع بهذا الاسم، وأنه سُمي قبل ذلك باسم (شارع الاستقلال)، حتى ارتطمت سيارتي مرة أخرى، لكن هذه المرة مع سيارة أخرى قادمة في الاتجاه العكسي، واكتفينا أنا وقائد السيارة (غير الشرعي) بالتشاجر عبر النوافذ فقط.
رفعت صوت المسجل، وانطلقت صوب البركة مجدداً ونحن نستمع إلى الأغنية الشعبية التي تقول: هايم في البركة خليني، وعزفت (المراميتا) لحناً رائعاً بعد احتكاكها بمطب إسمنتي، لكنها كانت سيمفونية الوداع من سيارتي.
ودون اتفاق مسبق بيني وبين محمد، وجدنا أنفسنا ندفع السيارة لتأخذ قسطاً من الراحة على الرصيف، ثم قال لي : نحن مثلكم، مطباتنا كثيرة وعالية.
قلت له : مطباتنا أعلى من طموحاتنا.
ثم استيقظت على صوت المنبه، وعلمت أنه كان مجرد حلم، وشكرت الله كثيراً، واعتذرت من رموز مدينتنا.