أين ليبيا التي عرفت؟
المقالة

أين ليبيا التي عرفت؟ (8)

محمد نجيب عبدالكافي

حاولت في حديث سابق باقتضاب – وتقصير دون شك – شرح وضع ليبيا وهي تستقبل اللاّجئين من شقيقاتها الغربيّة الذين زاد عددهم، في فترة ما، عن السبع مائة معظمهم من الشباب، وما يمتاز به الشّباب من نزوات وحماس – وحتى سوء تصرّف أحيانا – قابلته ليبيا، حكومة وشعبا، بصبر وتفهّم واحتضان الأخ لأخيه. اندلعت الثورة الجزائريّة بتبعاتها البشرية والمادية والسياسيّة فوجدت في ليبيا، ملكا وحكومة وشعبا، خير سند وأخلص نصير.الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . عملت ليبيا بهذه الآية الكريمة بكلّ إيمان وصدق، دون منّ ولا أذى.

لقطة نادرة تجمع بين فريقي منتخب طرابلس ومنتخب جبهة التحرير الجزائرية سنة 1957 م ضمن فاعليات الدعم لصالح الثورة الجزائرية.
لقطة نادرة تجمع بين فريقي منتخب طرابلس ومنتخب جبهة التحرير الجزائرية سنة 1957 م ضمن فاعليات الدعم لصالح الثورة الجزائرية.

– فروق:

وجدت الثورة الجزائرية مناصرة وتأييدا من عديد الدّول والشعوب، في مقدّمتها الدّول العربيّة طبعا. لكنّ المساندة والتّأييد أنواع وأشكال وغايات. فإمّا لأهداف سياسيّة أو حسابات اقتصاديّة أو دوافع استراتيجيّة، منها تصفية حسابات مع الدّولة المستعمِرة. لذا كانت ميزة موقف ليبيا ومناصرتها الفعليّة، خلوُّها من أيّ حساب أو غاية، بل اساسها الإيمان بالحق لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا.

– الشعب:

لئن قامت ليبيا الرّسمية بواجبها وأكثر، وتصدّت من أجل ذلك للضغوطات والمناورات – وحتّى التهديدات – ممّا جعل بعض المسؤولين مثل أحمد عون سوف وأحمد الحصايري والنوري بن غرسسة يقولون لي، كلّ على حدة وفي مناسبات مختلفة، “كدنا نضحي باستقلالنا”، فالشعب بأسره وقف وقفة الرّجل الواحد، يبذل ما يستطيع وبكلّ الأشكال، كي يدلي بدلوه لمآزرة أخيه في الجزائر. أقول للشباب الليبي وحتى الكهول، اسالوا أمّهاتكم وجدّاتكم كيف كنّ يخلعن حليّهن فيلقينها في سلاّت جمع مساعدات الثورة الجزائرية، في حفل أو اجتماع أقيم لهذا الخصوص. اسألوهنّ كيف تبرّعن بجلود الأضحيات سنوات عدّة كي تستفيد من ريعها الثورة الجزائرية.

– أسماء وعبرة:

تردّدت طويلا قبل أن أقدم على ما أنا فاعله الآن، وهو ذكر اسماء أفراد برزوا في مجال سند المقاومة، لا الجزائرية فقط، بل والتونسيّة والفلسطينية أيضا. تردّدت لأن الذين تشرفت وسعدت بمعرفتهم، علمت بيقين أنهم كانوا يتصرّفون بمثل قوله تعالى: {إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} انتقل جميعهم إلى الرّفيق الأعلى، فأصبح ذكرهم واجبا واعترافا. فهذا عبد الرّازق شقلوف، وكان وكيل وزارة المالية، وذاك الحاج مبارك السوسي من رجال أعمال بني غازي وقبلهما الهادي المشيرقي صاحب الفنادق الذي أبى إلا أن يدفن بالجزائر والسيد يوسف مادي الذي أقام دار لرعاية ابناء الشهداء والمجاهدين، وسالم شلبك الذي سخر شاحناته لقضيتي تونس والجزائر. كلّ هذا كان مسندا مؤيّدا بمواقف برّاقة من ألمع المناضلين السياسيين الوطنيّين ونواب البرلمان ممّا عزّز الموقف الرسّمي. فأين ليبيا التي عرفت؟ للحديث بقيّة إن طال العمر.

________________________________

– الصورة: لقطة نادرة تجمع بين فريقي منتخب طرابلس ومنتخب جبهة التحرير الجزائرية سنة 1957 م ضمن فاعليات الدعم لصالح الثورة الجزائرية.

مقالات ذات علاقة

عندما نصل إلى نوبل نصل بأسوأ ما فينا!

المشرف العام

مجرد معايدة

أم العز الفارسي

القِــرَاءَةُ : فَــنُّ الحَيَاةِ الرَّائِــعِ

خالد السحاتي

اترك تعليق