في عدد السبت الماضي من صحيفة “ذا غارديان” كتبت الكاتبة الصحفية هادلي فريمان في مقالتها الأسبوعية الممتعة تقول، إن افضل أيام عطلة “الكريسمس” هي الأسبوع الواقع بين “الكريسمس” وبدء العام الجديد، لأنها الفترة الزمنية الوحيدة في العام التي بإمكان البالغين الاستمتاع بتجربة “عطلة جماعية”، حتى وإن كان عليك الذهاب للعمل لشعورك بأن العالم مازال في إجازة.
السيدة فريمان لم تجانب الصواب لأن ما أطلقت عليه وصف “عطلة جماعية ” يشمل أيضاً أهل السياسة، الذين تحرمهم العطلة الإجبارية من متعة دفء الأضواء وتلميع وجوههم أمام شاشات القنوات التلفزية التي تعودوا عليها. كاشفين وراء ابتساماتهم الصفراء عن قبحهم وريائهم كبشر يتنفسون الكذب والتدجيل ولا يتورعون حتى عن القتل حين تواتيهم الفرص وهي كثيرة في عالم من صنع آلاعيبهم.
غياب السياسيين في عواصم العالم الكبرى في الغرب في عطلة حتى وإن كانت لأيام قصيرة يقدم فرصة مناسبة للبني آدمين المساكين من مواطني تلك البلدان، كي يرتاحوا قليلا ويسترخوا في بيوتهم مع عائلاتهم على آرائك يشاهدون باستمتاع برامج منوعات وأفلام معادة وسخيفة. محتسين أكواب الشاي وفناجين القهوة وما شاءوا من المرطبات والمشروبات الباردة.
غياب السياسيين في أوروبا في إجازات يقدم كذلك خدمة لمواطني بلدان العالم الثالث والرابع والعاشر لأن غياب السادة في إجازة يجعل من عملائهم الذين يحكمون تلك البلدان “طايحة السعد ” في وضع “إجازة اضطرارية” الأمر الذي يضمن لمواطني تلك البلدان فترة راحة تكفيهم شر حكامهم برهة قصيرة من الزمن حتى رجوع السادة من غجازاتهم وعودتهم إلى مكاتبهم والبدء في ممارسة مهامهم وإصدار تعليماتهم لمرؤسيهم داخليا ولعملائهم خارجيا.
للأسف فإن وسائل الإعلام المقرؤة والمرئية والمسموعة أكثر الخاسرين في ما اسمته السيدة فريمان “عطلة جماعية ” وأقصد بذلك أن وسائل الإعلام بسياسيين غائبين عن الساحات في إجازات تعني لها ورطة لا يحسدها عليها أحد. إذ كيف لصحيفة يومية سياسية من الصدور – ولا بد من الصدور- بدون فضائح سياسية أو كوارث سياسية أو مصائب سياسية. وقس على ذلك مع وكالات الأنباء والقنوات التلفزية الإخبارية… إلخ.
لكن رب ضارة نافعة ذلك أن وسائل الإعلام المختلفة تعودت أن تجد نفسها في هذا المأزق كل فترة كريسمس لذلك فإنها بمرور الزمن وزيادة التجارب توصلت إلى حلول كثيرة تعد ناجحة في نظري إذ بدلا من إغلاق مكاتبها ومطابعها واستوديهاتها تلجأ إلى تقديم خدمات إعلامية تتميز بتغطيات لمواضيع وقضايا بعيدة عن الشأن السياسي وأكثر التصاقا بمشاكل الناس وهمومهم اليومية والتي غالبا ما تركن جانبا في بقية شهور السنة. إضافة إلى تقديم تغطية لمواضيع تتسم بالظرف وخفة الدم والمسابقات وغيرها.
ورغم أنني شخصيا رجل متقاعد وفي وضعية “عطلة دائمة عن العمل” ولا حاجة بي لمشاركة السيدة فريمان إحساسها بالاسترخاء لما أسمته “عطلة جماعية ” فإنني ممتن لعطلة أعياد الكريسمس لأنها تتيح لي مرة واحدة في العام فرصة قراءة صحيفتي اليومية المفضلة براحة واستمتاع وبدون أن أحس بارتفاع في نسبة السكري في دمي أو بارتفاع في ضغط الدم أو بصداع في الرأس وبحزن في القلب.
ومن أجمل ما قرأت في عطلة هذا الأسبوع ما أورده الكاتب الصحفي اليميني رود ليدل في مقالته الأسبوعية بصحيفة ذا صنداي تايمز حيث بدأها بقوله: “في الأيام الأخيرة من عام 2018 وردت قصة قد تلخص بشكل ما العام كله. اعترض المهرجون على وصف السياسيين بالـ “مهرجين” لأنهم يرون أن ذلك يسيء للمهرجين.”