المقالة

فِي وَدَاعِ رَمَـضَــان

رمضان كريم

مَا أَسْرَعَ مُضِيَّ الأَيـَّامِ، وَمُرُورَ السَّـاعَاتِ وَاللَّحَظَاتِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ نَشْعُـرَ بِهَا، أَوْ نُوقِفَ هَذَا الزَّمَـنَ المُسْـرِعَ وَلَوْ قَلِيلاً، خُصُوصاً إذَا كُنَّا فِي هَذِهِ الأَوْقَـاتِ- الَّتِي تَتَسَرَّبُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا كَحَبَّـاتِ عِقْدٍ انْفَرَطَ فَسَقَطَتِ الْوَاحِـدَةُ تِلْوَ الأُخْـرَى- نَجِدُ مُتْعَةً وَخُصُوصِيَّةً جَمَـالِيَّةً لاَ نَجِدُهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ آخَرَ مِنَ السَّنَةِ، وَهَذَا حَالُنَا مَعَ شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ، ذَاكَ الضَّيْفُ اللَّطِيفُ المُتَعَجِّلُ، الْمَحْبُـوبُ لَدَى النُّفُوسِ، فَلاَ يَلْبَثُ أَنْ يَأْتِيَ وَنَسْتَقْبِلَهُ بِالْبَهْجَةِ وَالاسْتِبْشَـارِ، حَتَى تَمْضِيَ أَيَّامُهُ سِـرَاعاً، وَلَحْظَـاتُهُ تِبَاعاً، وَنَجِـدُ أَنْفُسَـنَا مُضْطَرِينَ مِنْ جَدِيد لِمُكَـابَدَةِ لَـوْعَةِ الْوَدَاعِ، وَمَا أَقْسَـاهَا مِنْ لَوْعَة عَلَى نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، الذِي عَمَّـرَ رَمَضَانَ بِالذِكْرِ وَالطَّـاعَةِ وَالصَّـوْمِ، وَأَحْيَا لَيَـالِيَهُ بِالْقِيَامِ وَالتَّهَجُّـدِ، وَتِلاَوَةِ الْقُـرْآنِ الْكَـرِيمِ.

وَرُغْمَ هَذَا الأَلَمِ الَّذِي يَعْتَصِرُ النُّفُوسَ بِسَبَبِ قُرْبِ انْتِهَاءِ هَذَا الشَّهْـرِ الْكَـرِيمِ، إِلاَّ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَثْمِرَ مَا بَقِيَ مِنْ أَيَّـامِهِ الشَرِيفَةِ بِطَاعَةِ اللهِ تَعَالَى، وَتَحَرِّي لَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّتِي شَرَّفَهَا اللهُ عَزَّ وَجَـلَّ بِإِنْـزَالِ الْقُـرْآنِ فِيهَا، وَجَعَـلَهَا خَيْراً مِنْ عِبَـادَةِ أَلْفِ شَهْـرٍ، فَقِيَـامُهَا يُعَـادِلُ عِبَادَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً وَثُلُثٍ (تَقْـرِيباً)، وَقَدْ كَـانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَـلَ الْعَشْـرُ الأَوَاخِـرُ مِنْ رَمَضَـانَ أَحْيَـا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْـلَهُ، وَشَـدَّ مِئْزَرَهُ، وَهَـذَا يَـدُلُّ عَلَى اجْتِهَـادِهِ فِي الطَّـاعَةِ – عَلَيْهِ الصَّـلاَةُ وَالسَّـلاَمُ- وَهُـوَ النَّبِيُّ المُصْطَفَى، الَّذِي غَفَـرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَـدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَـا تَأَخَّـرَ..

وَ يَكُونُ وَدَاعُ رَمَضَـانَ بِالتَّصَالُحِ مَعَ النَّفْسِ وَمَـعَ الآخَرِينَ، وَالْعَـزْمِ بِجِدِيَةٍ عَلَى الاسْتِمْرَارِ فِي الطَّـاعَةِ بَعْدَ انْتِهَاءِ هَذَا الشَّهْرِ الْمُبَـارَكِ، بِمَعْنَى الاسْتِمْـرَارُ فِي التَّغْيِيرِ الإِيجَـابِيِّ (الذِي يُفْتَرَضُ أَنَهُ حَصَلَ خِلاَلَ هَذِهِ الْفُسْحَةِ الإِيمَانِيَةِ) بِكُلِّ جَـوَانِبِهِ الأَخْلاَقِيَةِ وَالاجْتِمَـاعِيَةِ وَالترْبَـوِيَةِ وَالنفْسِيـةِ..، وَكَذَلِكَ يَكُـونُ وَدَاعُ رَمَضَـانَ بِإِخْرَاجِ “زَكَـاةِ الْفِطْرِ” الَّتِي فُـرِضَتْ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَـاكِينِ، فَهِيَ تَجْبـُرُ النَّقْصَ الَّذِي يَكُونُ مِنَ الصَّـائِمِ؛ بِسَبَبِ آفَـاتِ اللِّسَانِ وَغَيْرِهَا، وَأَخِيراً أَخِي العزيز لاَ تَـدَعْ رَمَضَانَ يَرْحَـلُ وَأَنْتَ غَـافِلٌ عَـمَّا فِيهِ، لاَهٍ عَـمَّا يَحْمِلُهُ مِنْ بَرَكَاتٍ وَنَفَحَـاتٍ إِيمَـانِيَّةٍ، فَالشَّقِيُّ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَـانَ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، وَالسَعِيـدُ مَنِ اسْتَثْمَرَ لَحَظَـاتِ الطَـاعَةِ، وَاسْتَشْعَرَ بِكُلِ جَـوَارِحِهِ عَظَـمَةَ الأَوْقَـاتِ، التِي هِيَ الأَنْفَـاسُ، فَمَا مَضَى مِنْهَا لاَ يَعُـودُ أَبَـداً.

مقالات ذات علاقة

علاقة الأرض بالإنسانية

علي بوخريص

الخال يوسف القويري (2)

سالم الكبتي

عام الشر..!!

سالم أبوظهير

اترك تعليق