من أعمال الفنان التشكيلي معتز الإمام.
قصة

ارتجال الواقع

محمد مسعود

من أعمال الفنان التشكيلي معتز الإمام.
من أعمال الفنان التشكيلي معتز الإمام.
الصورة: عن الشبكة.

 

كالعادة وكما هو الحال كل صباح، أجلسُ على مقعد الحديقة ومعي فنجان قهوتي البارد، أراقب المارة، أتفحص تفاصيل وملامح وجوهم جيداً، تشدني عينان ثاقبتان لإمرأة لطيفة أحس أنها مليئة بالوفاء، ترسل خيوط بسمتها إليّ دون ان يدري قلبها، فقد تعودتُ عليها حتى في خيالي.

كالعادة وكما هو الحال كل صباح، أتأمل السماء، أراقب ظل الشجرة، أغني مع الطيور، وأنظر إلى البنايات والبيوت، ويدفعني الفضول إلى التأويل ما الذي يحدث عند نوافذها و مالذي حدث حتى اصبتها الشيخوخة، بينما أراقب الطفل الذي يزعج امه بالاختفاء، تظل هي تصرخ بإسمه وتبحث عنه، وهو يختبئ خلف الاشجار ليلعب معها، وحينما تمسكُ به امه يبداً الطفل بالصراخ، هكذا أجلسُ بقرب ثلة رجال يتحدثون عن المرأة، والجنس والسياسة، وأخيراً الحرب!

 

يتكرر المشهد

يصنعون القصص، يفبركون الحبكة، يضحكون على الرجل مجنون الذي مر من امامهم ونسوا انه كان ذات يوماً بعقله الذي هو بميزان جلستهم الفارغة من المنطق، بينما الام تبحثُ عن طفلها، تزداد اسنانهم الصفراء بالظهور!

لكن ثمة مفترق طرق يجعلك تسأل، لماذا كل هذا؟

وذات يوم جاء رجل عجوز بعكازه وجلس على نفس المقعد الذي أجلس عليه، وأطلق تنهيدة سمعها جل رواد الحديقة ما عاد جلسة اللامنطق، كان العجوز يبكي كثيراً، ظننت بأنه قد سرقه لص محترف وسلب كل ما بحوزته، تسألت مع نفسي كثيراً، واقتربتُ منه، وسألته: ما بك ايها العجوز؟ هل لي بمساعدة؟

اجاب وعلى خده دمعة:

“بلادي كل يوم تموتُ في نظري، لقد سقط ابني الوحيد ضحية جلوس الاخرين على كرسي السلطة، سلبوا حامل اسمي، سندي في الدنيا، قتلوا ابني “سلطان” الخلوق المهذب، الذي كان يفكر بإستكمال دراسته لأجل مساعدة بلاده، كان دائماً يقول لي انه يحتاج لدعمي حتى ينجح ويرفع رأس بلاده، فماذا تريدني ان افعل يا ابني! ماذا؟”

انتابني شعور شديد بالحزن والبكاء بغزارة حتى تغرق بيوت اللذين سرقوا افراحنا بدموعي، اشتعل بداخلي بركان غضب، امسكتُ بيد العجوز وقلتُ له بصوت خافت:

“أتسمح لي ان اناديك، يا أبي، فأنا أيضاً خسرتُ أبي، وأفتقده كثيراً”

قال العجوز:

“لعلك تشبه أبني المغدور وتحيا مثل الطيور، اما أنا فقد أشبعتني مراحل العمر ضربا جراء الخيبات، وتعبتُ من الحياة، أريد أن أبكي”

 

يتكرر المشهد

والام تبحثُ عن طفلها، الطفل يختبئ خلف الشجرة، الرجال يضحكون، وفي لحظة، سمعتُ ذلك العاقل بزمانه، المجنون يتكلم بصوت مرتفع، ويحمل عصا بين يديه، وينظر إلى السماء قائلاً لها: ” الرحمة”

هززت رأسي مرتين، تأسفت على حالناً، نظرتُ إلى الشمس، تفحصتُ وجوه الناس، الاشجار، البنايات القريبة من الحديقة والسيارات المارة على الطريق.

ثم لعنة الحرب ورجال الجنس والسياسية، و أخبرتُ تلك الأم عن لعبة طفلها وغادرت المكان.

طفقتُ امشي إلى أن وصلتُ الكورنيش، هناك لم أقابل أحد، جلستُ وظلت عيني تتابع أمواج البحر، وفي لحظة ما سمعتً صدى صوت يقول: “ثمة غول قد زرانا ذات ليلة وعبث بدواخلنا وجعلها تموت ببطء دون اي مبرر، هكذا كما العجوز والرجل المجنون وكما الايام والعمر.

_____________________________

نشر بموقع بوابة أفريقيا الإخبارية.

 

مقالات ذات علاقة

ذاكرة زرقاء 6

هدى القرقني

ذاكرة زرقاء 8

هدى القرقني

قصتان في لون الريح

محمد دربي

اترك تعليق