حوارات

القاص الليبي أحمد يوسف عقيلة:

القاص الليبي أحمد يوسف عقيلة:

أخشى على مشروعي الأدبي من النضوج

 

حاوره: صالح قادربوه

 القاص: أحمد يوسف عقيلة

أنا أعشق الجبل الأخضر، ونصوصي مرتبطة به

المكان هو الذي يعطي اللغة شكلها

لا يعنيني أن أكون كاتبا ليبيا

لا وجود للحدث خارج المكان

قورينا: هل للأمكنة هذه القدرة المشاعة على الإضافة للأدب؟

عقيلة: القَصّ سرد لحدثٍ ما، والأحداث لا يمكن تجريدها عن الأمكنة.. ليس هناك حدث في لا مكان.. حين يشرع كاتب ما في الكتابة فهو بالضرورة سيكتب عن محيطه، وحين تكون في مكان كالجبل الأخضر وعلاقتك به علاقة عشق فإنك لا تستطيع تجاوزه.. ثم إن الأمكنة تسترعي الانتباه قبل قاطنيها ؛ حين تسافر ترى الأمكنة: الطبيعة والقرى والمدن قبل أن تتعرف على ساكنيها، وحتى في الخلق فإن الله خلق الأرض قبل الإنسان.. اللغة أستمدها من المكان ذاته.. أنا أكتب عن الجبل الأخضر، مكان كثير الأَودية  والدروب الضيّقة المتعرجة خلال السفوح ومسارب الغابة، وخلال حركة الإنسان داخل هذه التضاريس يسعى لاختزال المسافات، والوصول من أقصر الطرق وأَيسرها، فجاءت اللغة في قصصي انعكاساً لهذا المكان.. الجمل قصيرة متلاحقة دون حروف عطف في الغالب ؛ فهذا المكان تُشكّل الأودية فواصله، ومساربه ضيقة، فانعكس هذا على أسلوب الكتابة.. لو كتبت عن الصحراء كمكان مفتوح لكانت الجمَل أطول.. إن علاقة اللغة بالتضاريس لا تخفَى.

قورينا: أليس الحدث أكثر أهمية وتشويقاً وتأثيراً من الوصف.. كيف ينسجم ذلك مع مواصلة التعويل على المكان في صنع نصوص أدبية ذات معنى وبإمكانها البقاء؟

عقيلة: إن الوصف المجرّد يقطع السرد، فينبغي أن يكون الوصف جزءاً من السرد، حتى لا يكون هناك فاصل بين المكان والحدث.. ينبغي أن يتماهى الاثنان.. وحتى الشخوص في هذه الحالة تكون ملتصقة بالمكان، حتى لا تشكّل بروزاً أو نشازاً، إذ لو اختلفت الأمكنة لاختلفت الشخوص، ولاختلفت اللغة أيضاً.. لهذا فالمكان يعطينا شكل السرد والشخوص أيضاً، وهذا يأتي بشكل عفوي تلقائي إذا كانت الكتابة صادقة.

قورينا: هل تحقق اللغة حقاً إمكانية التعريف الحي بالمكان وتفاصيله.. أليس ذلك مبالغة؟

عقيلة: اللغة هي الأداة الأساس في السرد، كالفرشاة في الرسم، وكما قلت سابقاً فإن المكان هو الذي يعطي اللغة شكلها، وتأخذ تفاصيلها من تفاصيله.. في المنطقة الجبلية الأفق متعرّج بتعرّجات قمم الجبال، وحين تكون في الوادي فإن السماء أيضاً تأخذ شكلها من انحناءات الوادي.. أكاد أقول بأن المكان هو الذي يعرّف باللغة وليس العكس.

قورينا: ما أحب النصوص النقدية إليك.. أهي تلك التي تقترب من روحك أم من روح ألعابك الأدبية؟

عقيلة: النصوص النقدية الأفضل عندي هي التي تضيف إلى العمل، وتستكشف مناطق قد لا ينتبه إليها القاريء العادي، وحتى مؤلف النص نفسه.. النصوص النقدية التي تنطلق من كنه النص لا أن تتسلّط عليه من خارجه.. كما تدخل كهفاً، قد يبدو مظلماً لأول وهلة، لكن عليك أن تتريّث قليلاً حتى تألف عيناك الرؤية في العتمة، بعد ذلك يمكنك اكتشافه بالنظر والسمع واللمس والشم أيضاً.. أليس هذا أفضل من أن تدخل متسلحاً بكشّاف ساطع يبدد عتمة الكهف ويفزع كائناته؟

قورينا: متى ستكتب سيرتك أنت.. سيرة ساكن الجبل لا سيرة الجبل؟

عقيلة: حين يكون الكاتب صادقاً فإن كتابته تشكّل سيرته الذاتية.. كيف يمكن فصل الذات عن الإبداع؟! أنا أكتب نفسي بالضرورة.. وأنا لا أفصل بين الجبل وساكنه.. الجبل يسكننا قبل أن نسكنه، يطبع كل سلوكياتنا، وينعكس في أدواتنا، ويصبغ حياتنا اليومية.. إذا نظرت إلى أثاثنا المنزلي مثل (الهدمة والحوايا) ستجدها مزخرفة بألف لون انعكاساً لطبيعة الجبل الأخضر.. وستجد سكان الجبل يسيرون خلف بعضهم غالباً، لأن مسارب الغابة تفرض ذلك.. فانعكس ذلك في سلوكهم.

قورينا: هل ترى أنك حققت مشروعك في الكتابة؟

عقيلة: لا.. لم أفعل.. ولا أريد ذلك.. أريد أن أكون مشروعاً قائماً لا يكتمل ولا يتحقق.. إنني أخشى النضج.. لا أود أن أنضج أبداً.. فالنضوج نهاية، وبداية في التحلل والتفسخ.. الثمرة الناضجة أقرب إلى السقوط.

قورينا: هل أنت كاتب ليبي؟ وهل هناك كتابة ليبية؟

عقيلة: لا يعنيني أن أكون كاتباً ليبياً.. قد تعكس نصوصي خصوصيةً ما، لكنني أكتب وكفى.. لا أريد أن أحصر نفسي في جغرافيا ضيقة.. في الواقع لم أقف عند هذا السؤال كثيراً.

قورينا: أي النوازع أقرب إليك عندما تشرع في الكتابة؟

عقيلة: حين أشرع في الكتابة فإن أكثر ما يقلقني هو هاجس الصدق.. وأقصد الصدق الفني.. وليس الصدق بمعناه الأخلاقي، فهذا الأخير لا يعنيني، لذلك فإنني لازلت أعرض نصوصي على بعض الأصدقاء قبل نشرها، وحتى بعد نشرها فإنني أنتظر الملاحظات بشغف، فأنا أعلم أن النصوص تظل ناقصة تبعاً للنقص الملازم للبشر بالضرورة.

قورينا: قراء الأدب الليبيون يعرفونك جيداً، فهل تعرفهم أنت.. وكيف تنظر إلى قارئك؟

عقيلة: ليس بالضرورة أن يعرف الكاتب قارئيه، أو السارد مستمعيه ؛ لأن هذه المعرفة قد تنعكس سلباً على النص.. هل ينبغي أن نراعي مستوى القاريء؟ هل يعني هذا أن يتنازل النص ليكون على مقاس القاريء؟ وإليك هذه الطرفة أخي صالح.. سألني أحد القرّاء: (كيف تكتب القصة؟).. فأجبته على الفور: (لا أعرف)، فاعتقد أنني أسخر منه، فأقسمت له أنني لا أعرف كيف تُكتب القصة القصيرة.. أنا اكتبها وكفى ! أشكرك أخي صالح على هذه الأسئلة المتميزة.. التي منحتني فرصة البوح بأشياء خارج النص القصصي.

عن موقع صحيفة قورينا

مقالات ذات علاقة

نورالدين الثلثي: التعليم عندنا أصبح بحاجة إلى عملية إصلاحية أساسية

رامز رمضان النويصري

الكاتب الليبي منصور بوشناف: المسرح الليبي يعاني غياب البنية التحتية

المشرف العام

حوار مع الأديب الليبي جمعة الفاخري

المشرف العام

اترك تعليق