الطيوب | حاوره: رامز النويصري.
قبل أيام، صدر للأستاذ نورالدين السيد الثلثي، كتابه (التعليم في ليبيا – قراءة في سياقه التاريخي)، والذي يحاول من خلاله تقديم رؤية شاملة عن مسيرة التعليم في ليبيا.
في هذه الوقفة، نستضيف الأستاذ الثلثي، في محاولة للتعرف أكثر عن الكتاب وموضوعه ورأيه في العملية التعليمة الحالية في ليبيا، الذي قال في بداية حديثه، عن بدايات التعليم وفكرة الكتاب:
التعليم أساس كل تقدّم وكلّ تخلف حضاري، هو الأساس في إطلاق قدرات وملَكات الإبداع في العلوم والتقنيات والفنون والآداب، في ازدهار الاقتصاد ورفاه المواطنين. منه البداية. والحال كما نراه مما آل إليه التعليم النظامي الحديث في بلادنا، بعد بداياته المبشّرة في فترة ما بعد الاستعمار الإيطالي مباشرة، كان التعليم جديراً بالنظر في نشأته وتحولاته والظروف التاريخية المحيطة بها، ففي ذلك تذكير ودروس. هذا من جانب، ومن جانب آخر كانت بين يديّ أوراق تعود إلى فترة التأسيس تركها والدي، المعلّم، رحمه الله، كانت الدافع المباشر لما رأيت فيه أهمية التدوين والتسجيل لمرحلة التأسيس تلك. لكن العمل تشعب وتوسع، وكانت هنا حاجة لمقاربة مزدوجة… العودة إلى وضع التعليم تاريخياً في الحقبتين العثمانية والإيطالية وطبيعة الحكم والإدارة والغايات المتغيّرة المشكّلة له… ومن جانب آخر كانت هناك حاجة للنظر في ظروف وأسباب انتكاس التعليم بعد مرحلة نجاحه التأسيسي.
وعن مسيرة التعليم في ليبيا، يقول السيد نورالدين الثلثي:
الحديث عن حال التعليم يطول بطبيعة الحال، أما تدنّي مستواه خلال بضعة العقود الماضية، وبعد بداية تأسيسية واعدة، فذلك حقيقة يتناولها الكتاب بدرجة من التفصيل. لقد تدهور التعليم إلى درجة كبيرة جداً جداً، لكن كان هناك خيط رابط بين التعليم في مختلف عصوره منذ العصر العثماني، وإلى يومنا هذا، يتمثل في التلقين والحفظ والترديد طريقاً للنجاح بمعنى استيفاء شروط الحصول على الشهادة. وذلك يقع في المقدمة مما يحتاج إلى النظر والتحول عنه إلى ما يدفع نحو التفكير المستقل والابتكار والإبداع…. ولا ننسى غياب دور المدرسة في الدفع بالطالب نحو القراءة والشغف بها… لذلك أقول إن إصلاح التعليم سيتطلب عملية تأسيسية ثانية.
وحول ما آل إليه التعليم في ليبيا، يقول الأستاذ الثلثي:
التعليم عندنا أصبح بحاجة إلى عملية إصلاحية أساسية، هي أقرب إلى تأسيس جديد منها إلى إصلاح وترميم هنا وهناك.. تأسيس جديد لمنظومة تربوية تعليمية تعدّ التلاميذ والطلاب لحمل مسؤوليات النهوض بالوطن.. إعداداً لا تغيب عنه التربية الوطنية والإسلامية، وانتهاج نظام تربوي ينمّي روح التنافس والتفوق والبحث والاستكشاف والاستقلال بالرأي والقراءة، بعيداً عن القديم الذي طبعه التلقين والحفظ والإعادة. في تحقيق ذلك سيكون تحوّل تأسيسي جذري ينقل التعليم عندنا إلى حالٍ آخر ومستوى آخر.. يتطلب البدء من الروضة والابتدائي، أساسه فلسفة تعليمية جديدة وإعادة تكوين للمعلّم والارتقاء بمستواه العلمي والمادي ومكانته الاجتماعية، والافتراق عن اعتبار وظيفة المعلم مجرد وسيلة عيش، أو – وبكل تأكيد – علاجاً لمشكل البطالة. ويزداد المشكل صعوبة إذا ما نظرنا إلى التعليم في إطار منظومة الحكم والسياسة، ومنظومة القيم الثقافية، من حيث كونهما دافعتين أو كابحتين لتوجّهات التغيير والنهضة الشاملة، وليس في التعليم وحسب.