اسمها مريم السالك. حضرت مع الكاتب الليبي الكبير إبراهيم الكوني، إلى القاهرة، لتشهد فعاليات وأجواء تكريم مهرجان القاهرة الأدبي، في دورته الثانية، والذي انطلقت فعالياته بالأمس، في بيت السحيمي، بشارع المعز لدين الله الفاطمي، وعشية انطلاق المهرجان كان أول ظهور لها في جلسة خاصة مع الشاعر المصري الكبير أحمد الشهاوي، ومحمد البعلي، مدير المهرجان وعدد قليل من الصحفيين.
وقبيل وصول «الكوني» إلى مقر جلستنا، علمنا بأن زوجته ستأتي برفقته، وكان من الطبيعي أن نتوقع موقفها من هذه الجلسة التي أراد كل منَّا أن يظفر بحوارٍ قصير أو تصريحات من المبدع الذي يبتعد كثيرًا عن الصحافة والإعلام، لكن الرياح تأتي بما تشتهيه السفن، في بعض الأحيان، فكان من غير المتوقع أن نجدها على علم كبير وقدر من المعرفة بعالم «الكوني» وبما يحلق في كونه. ظنها البعض – ممن لم يعرفها – مديرة أعماله أو سكرتيرته الخاصة، نظرًا للفرق الواضح بينهما في العمر، ولأكثر من أربع ساعات دار الحديث فيها حول العديد مما يشغل الرأي العام، في عالمنا العربي والأجنبي، سواءً على المستوى السياسي أو الفكري والاجتماعي والإبداعي، كانت مريم السالك تتحدث وكأن الأسئلة موجهة إليها أيضًا، فأحيانًا تضيف على ما يقوله «الكوني»، وأحيانًا كانت تصحح لمن يكتب ثمة ملاحظات من حديث صاحب «نزيف الحجر».
في البداية، عرفتها بنفسي، وعبرت عن فضولي للتعرف عليها – إذا سمحت بذلك – نتيجة لما لاحظته من علم ومعرفة ومشاركة في حديث «الكوني» معنا، وكيف يكون من النادر أن نجد كصحفيين زوجة كاتب كبير بهذه الدراية الواسعة وكأنها تكتب أعماله على اختلافها معه، فقالت لوكالة أنباء الشعر: «نعم أكتبها كلها، فـ«الكوني» حتى يومنا هذا مازال يكتب بالورقة والقلم، وما إن ينتهي من كتاب ما، يسلمني الأوراق لأقوم بإعادة كتابتها مرة أخرى إلكترونيًا، وأراجعه معه».
ومن هنا، سألت عن اللقاء الذي جمع بينهما، وعن دراستها الأكاديمية، فقالت: «درست الفلسفة، وأحبها كثيرًا، وبعد انفصال «الكوني» عن زوجته الأجنبية، الأولى، أراد الزواج، فأشار عليه أهله من الطوارق، بأن يتزوج من عائلته».
وعن الفارق الزمني بينهما، قالت مريم السالك: «يكبرني «الكوني» بـ27 عامًا، لكنني لم أشعر يومًا بأن هناك فارقًا عمريًا بيننا، بل أشعر بأنه ابني، وصديقي، ووجدته مازال محتفظًا بعادات الطوارق أكثر منَّا، فنحن إذا ما انتقلنا للعيش في مكان آخر، نتأقلم معه، ومع عاداته، لكن على الرغم من عيشه في الغرب، إلا أنه مازال طارقيًا، محتفظًا بعاداته وموروثاته جدًا».
وعن الفرق بين «الكوني» الإنسان والمبدع، تقول مريم السالك: «لديه قاعدة لا يتخلى عنها وهى: الواجب ثم الواجب ثم الواجب ثم اللذة، لا يشعر بأي راحة مادام هناك نص ما يشغله، فمثلاً كان عليه أن يكتب نهاية إحدى رواياته، في هذا اليوم، جلس على المكتب الذي يسميه «المقصلة» – وأشارت بيديها إلى عنقها معبرة عما تحمله الكلمة من وجهة نظر إبراهيم الكوني – منذ الساعة السابعة والنصف صباحًا، وحتى السابعة والنصف مساءً، لم يقم من مكانه إلا بعد أن أنهى كتابة الخاتمة، لم يطلب أي شيء، لا طعاماً ولا شراباً، لم يحرك رأسه يمينًا أو يسارًا، ظل ممسكًا قلمه والورق بين يديه يكتب، حتى انتهى بالفعل من هذه الرواية، كانت نهايتها معقدة بالنسبة».
وبسؤالها عن حياتها، وكيف أصبحت بعدما تزوجت «الكوني» وما يقال عن مزاج الكتاب والمبدعين، تقول مريم السالك: «بالعكس، في البداية كانت حياة مختلفة بعض الشيء، لكن حبي للفلسفة مثله، جعل بيننا أشياء تبدو وكأنها طبيعة، فأنا مثله لدي عدد محدود جدًا من الأصدقاء، ولا أجيب على الهاتف في أي وقت، هناك أوقات معينة له، فهو يرى أن هذه استباحة، هو إنسان عادي جدًا، أسافر معه، أراه كطفل، مادام قد أدى واجبه، هذه الفلسفة جعلتني أرى الصورة من زاوية مختلفة، حياة مثل هذه لا تعرف الروتين، ترى نفسك بين عوالم متعددة تود أن تطلع عليها في كل يوم، كما أن «الكوني» ما دام يشعر براحة الضمير تجاه ما عليه من واجبات، فهو إنسان محب، يعيش حياته بشكل طبيعي بين هنا وهناك، وحديثنا معاً هو نفسه الذي دار بينكم الآن، نقاش حول الفكر والإبداع، لا يتحدث أو يسأل – على سبيل المثال – ماذا سنأكل اليوم؟.
وعن أثر هذه الأجواء عليها، وإذا ما دفعتها للكتابة، أشارت مريم السالك: «كتبت الشعر قبل زواجنا، ثم توقفت، ربما يكون الخجل هو السبب، ولكني أحيانا حينما أرى نصًا كتبته، أسعد به، ولكنني الآن أعمل على تعلم العديد من اللغات الأجنبية، مثل الألمانية، والإسبانية، كما أحلم بتعلم الروسية، فـ«الكوني» لديه مكتبة كبيرة جدًا مليئة بأمهات الكتب الروسية أحلم بقراءتها».