حوارات

الكاتب الليبي إبراهيم عثمونه: أكتب لأمتع نفسي لا لأغير العالم

خلود الفلاح (العرب اللندنية)

يعتبر الروائي الليبي إبراهيم الكوني رمزا للصحراء لما قدمه لها من أعمال روائية غاصت في عوالم الطوارق وجعلت منها حكايات متوالدة، وبنفس التمشي حاك الروائي الليبي إبراهيم عثمونه رواياته لتكون لسان الجنوب الليبي وتحديدا قرية سمنو التي لا تتوقف عن التنوع في ما يكتبه. “العرب” كان لها هذا اللقاء مع الكاتب في إطلالة على أهم آرائه حول الكتابة والأدب والمكان.

الكاتب إبراهيم عثمونة (الصورة: عن صحيفة العرب)

إبراهيم عثمونه روائي ليبي، رواياته امتداد للحياة في الجنوب الليبي وخاصة في قريته سمنو. وبحسب الناقد منصور بوشناف روايات عثمونه تفتح آفاقا أخرى للجنوب الليبي غير تلك التي فتحها إبراهيم الكوني، فهو يقدم الواحة والقرية والمدينة بالجنوب، وليس صحراء البدو الرحل.

يقول الروائي إبراهيم عثمونه إنه راض نسبيا عن روايته الأخيرة “الممر” (2018)، أما رواياته الأخرى، “بلقاسم” و”ضد” و”طريق آخر إلى الجنة”، فقد كانت أشبه بتمرين وتجارب مبكرة. والآن لديه رواية جاهزة تبحث عن ناشر بعنوان “الظرف الفارغ”، كل خطوة فيها وكل كلمة وكل صورة هي في سمنو البلدة التي وُلد فيها وحجز في مقبرتها مكاناً له إلى جانب أبيه وأمه، ويضيف “قد يحدث لو قُدر لي يوماً أن أعيش بمكان آخر لسنوات أن أكتب عنه، لكن الكتابة عن الجنوب تأتي وحدها ولا أتكلف فيها، خاصة حين أكتب عنه بحنق وحسرة”.

عن مدى تفكيره في القارئ أثناء الكتابة يوضح الكاتب “ليتني أفكر مثل أولئك الكُتاب الكبار. ساعة أكتب لا أفكر، وقلمي لا يرى مسافة سطر أمامه، وما يعاب على كتاباتي أنها عجولة، لا تنتظر، لا تتأنى، ولا تخطط للعمل، بل تندفع كما لو أنها في حالة دفاع مستمر عن نفسها حين أغلق باب الغرفة عليّ، ويسمع مَن في الخارج طقطقة أصابعي على حروف لوحة المفاتيح. لا أحب باب الغرفة مفتوحاً، حتى إذا بدأتُ أكتب أكون وقتها قد وقعتُ في هوة سحيقة. لا أذكر مرة أنني تخيلتُ قارئاً يجلس إلى جانبي في تلك الهوة السحيقة، ولا أذكر أنني وضعتُ اعتباراً لأحد يطالع في الحال ما أكتب ويقول لي هذا جيد وهذا غير جيد”.

ويشير صاحب رواية “طريق آخر إلى الجنة” إلى أن كاتب القصة أو الرواية، لحظة الكتابة، مثل الموسيقار الذي يقوم بتلحين أغنية، هو وقتها يعزف على العود ليُطرب سمعه ويُمتع نفسه ولا أحد آخر، وأي أثر تتركه موسيقاه فيما بعد على المستمعين فذلك عمل غير مقصود بالدرجة الأولى”، مستطردا “هكذا أنا تماماً حين أكتب لأمتع نفسي ولا يشغلني القارئ والمجتمع، أنا لا أكتب لأغيّر العالم والمجتمع بل أكتب لأمتع نفسي بالدرجة الأولى. الكتابة متعة، وما يحصل بعدها من أثر على القارئ والناس أظنه نتيجة غير مقصودة من الكاتب، أو على الأقل نتيجة غير مقصودة بالدرجة الأولى من الكاتب الذي يُشبهني، ولو لم تكن لي في الكتابة متعة لما كتبتُ للقارئ والمجتمع. كثيراً ما أسمع عن كًتاب كبار يخططون للعمل قبل الكتابة، ثم يوم تتخلق شخوص الرواية في مخيلتهم وتكتمل الحبكة أمامهم يجلسون للعمل وإلى جانبهم يجلس قارئ، لكنني لستُ منهم، وأتمنى أن أكون يوماً منهم. وبالتالي، حتى اليوم وحتى هذه الساعة، لا مكان للقارئ داخل الغرفة التي أكتب فيها وبابها موارب”.

يعترف صاحب رواية “بالقاسم” بأنه ليست لدينا رواية بتفاصيل ليبية، فليبيا بحسب تصوره ما زالت جديدة، ليس في الرواية وحسب، بل في كل شيء. ومفاجأة 2011 وما حصل بعدها أثبتا أننا ما زلنا جُددا. ما زلنا بحاجة إلى دولة تضرب جذورها في التربة لعقود طويلة فتعفرنا وتصهرنا وتجمع شتاتنا الذي بدا مكشوفاً كعورة مُخجلة بعد فبراير.

ويتابع “أظننا بحاجة إلى طريقة ‘سنوسية‘ جديدة تصنع رواية بتفاصيل ليبية، أو بحاجة إلى دولة كدولة ‘أولاد امحمد‘ التي حكمت جنوب ليبيا 300 سنة حتى إذا ذهبت تركت وراءها أغنية مرزكاوية ما زالت تصدح إلى اليوم في الأعراس الليبية، إذ لا شيء يجمع الليبيين اليوم في سنوات الحرب سوى أغنية مرزكاوية يوم الخميس بالليل”.

يرى عثمونه أن انتماء الروائي إبراهيم الكوني إلى الصحراء وليس إلى ليبيا في كتاباته كان نتيجة هذا الضعف الذي يحدث في المكان، حين لا يقوى على شد مواطنيه (أدباء كانوا أم ساسة أو غيرهم). لذلك يتصور التفاصيل الليبية التي نبحث عنها موجودة أكثر في “غناوة علم” وفي “مرزكاوي أسمر”. لكن، أياً يكن الأمر، واستدراكاً لما فات، لا أحد يحجب رؤية أعمال أدبية في القصة والرواية بتفاصيل ليبية، أمثال القاصة عزة المقهور والروائي محمد الأصفر.

> حالة اختزال

يتحدث إبراهيم عثمونه في روايته “ضد” عن حالة من حالات القهر والأمل والاستحالة المتمثلة في شخصيته مسعود بن مسعود، وهنا يوضح أن رواية “ضد” من الأعمال التي استعجل في كتابتها ونشرها قبل أوانها، كان يمكن أن يكون الضد فيها أكثر ضراوة لو لم يتعجل في كتابتها، وكان يمكن لمسعود أن يظهر أكثر قدرة على التكيّف مع الاستحالة، ويعيش المجتمع كله ماشياً على رأسه وقدميه إلى أعلى. “الضد هو حالة اختزال للآلية التي حكم بها معمر القذافي 40 عاما في صورة واحدة مقلوبة على رأسها حتى عاد الأمل مقلوباً هو الآخر والناس تنظر إليه من أسفل”.

رواية الممر
رواية الممر

وهنا نسأله عن حضور قريته سمنو في أعماله؛ هل هي محاولة لاسترداد هوية مفقودة؟ فيقول “لا أذكر مرة أنني حاولتُ القيام بشيء محدد وواضح أثناء الكتابة، بل ربما تجدني أقرب إلى النطق السهل. لا أحب المحاولة والخوض في الأمور الصعبة. ربما يكون ذلك شيئا مخفيا ولا أراه حين تحجبه وتظهر تلقائياً بلدتي سمنو التي هي البطل في جل ما أكتب. فأنا لو تأملتُ في سؤالك أكثر قد أكتشف أن كل شيء يبحث عنه الكاتب وكل الإجابات لكل الأسئلة التي تخطر على بالي موجودة في داخل سمنو، وبالتالي لا أرى ضرورة البحث بعيداً عنها، ففيها قد أجد سراباً من إجابات استعصت على نيوتن وسقراط وابن خلدون”.

يقول إبراهيم عثمونه إن روايته “الممر” مستوحاة من طائرة تم اختطافها من مطار تمنهنت بجنوب ليبيا إلى مطار فاليتا بمالطا في ديسمبر 2016، مضيفا “كنتُ واحداً من ركاب الطائرة حين أخبرونا أننا في طريقنا إلى مالطا بدل طرابلس، ليلف الطائرة من الداخل صمت كثيف لم أسمع مثله من قبل. ما كنت أعرف قبلها أن للصمت صوتا كصوت الطائرة من الداخل. من هنا استلهمت الفكرة حين بدا لي الممر الذي يفصل مقاعد الطائرة طويلاً صامتاً وقليل الحركة تماماً مثل أبي الطويل الصامت والقليل الحركة ساعة يكون ممدّداً على فراشه. كل الرواية كانت تحوم حول صمت الطائرة وصمت أبي الذي أهديته العمل بأول صفحة ‘إلى صمت أبي‘، وهذا كل ما في الأمر”.

صحيفة العرب اللندنية، الخميس 2020/02/06

مقالات ذات علاقة

حوار سنا الومضة.. مع الأديب الليبي جمعة الفاخري

المشرف العام

زنوبيا الشريف: إن فكرة التعليق عما أكتبه تبدو لي غير مجدية!

المشرف العام

الصديق بودوارة: وما أحوجنا إلى نشر ثقافة النقد والتمعن، في زمنٍ أصبحنا فيه لا نتقن سوى ثقافة الكراهية بلا حدود

رامز رمضان النويصري

اترك تعليق