تعد منطقة تاسيلي وهي سلسلة جبلية ممتدة على الحدود المشتركة بين ليبيا والجزائر، متحفًا بسماء مفتوحة، صنف تراثًا إنسانيًا عالميًا، بالنظر إلى النقوش الصخرية المرسومة على مساحة واسعة أبدع في إنجازها الإنسان الأول الذي استوطن المنطقة.
ويضمُّ هذا المتحف المفتوح 15 ألف لوحة ومنحوتة صخرية تعود لفترة ما قبل التاريخ، حسب وكالة الأنباء الليبية (وال).
وتتميّز منطقة تاسيلي بكونها وجهة سياحية نادرة بما تضمُّه من مناظر طبيعية، يقصدها السياح المحليون والأوروبيون لاكتشافها بواسطة الجِمال أو السيارات رباعية الدفع ، كما تتميز المنطقة تضاريسيًا بكتلها الصخرية من الحجر الرمادي، التي ترسّبت على قاعدة بلورية تسمى «السهل ما تحت الطاسيلي»، وتُعرف أيضًا باسم «النجد الأرضي المتبلور»، وتتقاطع مع هذه الجبال أودية كبيرة تشكل البطون الجافة لمجارٍ مائية قديمة، وهو تكوين جيولوجي يأخذ شكل نتوء يمتدُّ من الشمال إلى الجنوب، ويوجد في سهل غرب هضبة المسالك الليبية، ويُمكن رؤيته من خلال الأقمار الصناعية، ويبدو أنّ هذه المرتفعات تمثل حدودا طبيعية وثقافية بين سكان تاسيلي وإقليم فزان الليبي.
ويؤكد باحثون أنّ منطقة تاسيلي قديمة التكوين، و تعود إلى حقبة ما قبل الكامبري (قبل الزمن الجيولوجي الأول)، وهي مؤرخة بحوالي 600 مليون سنة، وتشمل مساحة واسعة، و هناك مَن يُدرجها ضمن حقبة الباليوزويك التي تعود إلى الزمن الجيولوجي الأول بين 550 مليون سنة و370 مليون سنة، وتتشكّل هذه المنطقة من عدد من المسارات لا يُمكن للسائح أن يقطعها دون الاستعانة بدليلٍ أو مرشد صحراوي.
وبحسب الدراسات التاريخية والجيولوجية، فإنّ أخاديد وجبال تاسيلي شهدت تعاقب العديد من الشعوب، وذلك ما تدلُّ عليه الرسومات الموجودة لليوم.
و قام عددٌ من الباحثين، ومن أشهرهم الملازم الأول الفرنسي «برينانس» الذي زار المنطقة سنة 1933، بتقسيم تاريخ المنطقة إلى فترات زمنية، بحسب ما تُثبته الرسومات التي عُثر عليها داخل الكهوف، أو على الصخور المتناثرة هناك، حيث بدأوها بالفترة الطبيعية، وهي الأقدم وتعود إلى العصر الحجري القديم، ثم الفترة المسمّاة «القديمة» أو العتيقة، والتي تتميّز بكثرة الحيوانات المرسومة وتتناسب مع المناخ الرطب، تليها فترة رعاة البقر، وتمتدُّ من 4000 سنة قبل الميلاد إلى 1500 سنة قبل الميلاد، وهي الأهمُّ من حيث عدد الرسوم المحفوظة التي تتميّز برسوم للأشخاص وقطعان الأبقار، ومشاهد من الحياة اليومية.
وتأتي بعد ذلك، فترة الخيول التي تُغطي نهاية العصر الحجري الحديث، والتي شهدت اندثار العديد من الأنواع الحيوانية بسبب الجفاف، كما تميّزت بظهور الحصان من خلال رسوم الخيول المتوحشة والخيول المستأنسة الموصولة بالعربات. تتبعها فترة الجمال، وتبدأ في القرون الميلادية الأولى، ويظهر فيها الجمل بصورة واضحة عبر رسومات مختلفة.
وتظهر عبر هذه المراحل أنواعٌ كثيرة من الحيوانات، مثل الجاموس والفيل ووحيد القرن والزرافة والكركدن، وهذا ما تدلُّ عليه الرسومات الموجودة بالمنطقة، فضلًا عن مشاهد كثيرة تُصوّر بعض الجوانب من الحياة اليومية للسكان.
وأسّست الكثير من الدراسات التي أُجريت على تلك الرسومات القديمة بمنطقة تاسيلي خلاصة مفادها أنّ شمال إفريقيا يُعدُّ من أقدم المناطق التي استقرّ بها الإنسان، وأنّ إنسان تاسيلي استطاع التكيُّف بصورة مذهلة مع شروط بيئته القاسية، وذلك ما عبّرت عنه بجلاء رسوماته التي واكبت حياته وتفاصيلها.