طرابلس وحواريها الجملية .. وازقتها العامرة، وحواديث المقاهي العاجة برواد الجيل .. النوادي الرياضية، ندوات ولقاءات مثقفين، مقرات الصحف، مؤسسة الاذاعة، زواريب المجلس التشريعي، وجدران مكسوة بلوحات رسوم الفنانين الشباب، عناوينها تستجوب حادثة التفجيرات النووية الفرنسية في صحراء الجزائر، وتعويض شعب الصحراء، وقصة الطفلة البريئة ” معيتيقة ” والطائرة التي اودت بحياتها، ومسابقات الكتاب الشباب، والفرقة القومية للتمثيل، وقصيدة شعر تستلهم اشعار البارودي وشوقي، وتتجاوز لتنبش لقمة عيش المواطن، والسلع واجرة العامل، والصناعة، ومستقبل اقتصاديات الدول، وقضية الغاء السكك الحديدية، ولما لا نحافظ على خبرة مجال حيوي، وتطويره، وما اذا كان المجلس ارتكب خطأ فادحا تجاه امر يهم الاغلبية الساحقة، وكيف تفكك القضبان ويعادة تصديرها، وتحسس روائح جيوب شرهة، يهمها ما تجني اكثر من ما تخلع في نبش ما في الارض، انفس لا تنظر ابعد من ارنبة الانف، وقضية طريق فزان، وظروف جديدة تفصح عن نفسها، صراع الحكومة الاتحادية والولاية يلتحف عباءة معالجة الانحراف الذي لحق بالمشروع، وعيون متواثبة لإقالة الحكومة، صيرورة التكوين الثقافي، وتقلبات المشهد، اواخر عشرية الخمسينات عبورا الى نهاية السبعينات، طرابلس محط الرحال، الزحف الريفي، وبصمات البيئة الاجتماعية التقليدية وأعرافها الصارمة زمن النشأة والصبا، وواحة هون الجميلة التي ما انفكت تداعب الذاكرة، صورة القرية البعيدة عقب الحرب العالمية الثانية، عندما انعدمت الاحذية، وانقطع الكيروسين، وتحولت النقود الى طرفة، واستنطاق رتم حياة اخرى، ابراز لمعالم مجتمع مدني ليبي، بدأ منذ اواخر الخمسينات في النشوء.
مقهى ” الاوديون ” ملتقى الرموز التقدمية الشابة، تناقش قضية النقابات والحركة العمالية، ومقهى ملاصق مبنى مجلس الولاية، شارع البلدية، عند ناصية الواجهة، مبنى مقر البوليس الاتحادي، وادارة المهاجرة، وعمارات تجارية، ونادي الاتحاد، شارع الشط، واكتظاظ باحة جامع بن ناجي، وجامع سيدي حمودة يوم الجمعة، نادي الشباب الليبي الثقافي الاجتماعي، ويحتد الخصام اثر كل مبارة كرة قدم .. ويوم وصل وفد الثورة العراقية، معرفا ومبشرا بها، رفض النادي الاستقبال، وبصريح العبارة، ” الوفد سياسي ولا مصلحة للنادي بمخالفة ما هو محظور في نصوص الترخيص، المهمة ثقافية اجتماعية . وكيف لا وسط أجواء متوترة، تردد العراق في الانضمام لوحدة مصر وسوريا، وخلاف القادة، انحياز الرئيس عبدالسلام عارف للطرح الوحدوي، ورفض عبدالكريم قاسم وقد بدأ ناصر يستحود على الوهج كله، وبدأ القوميون والبعثيون يودعون شهر العسل، وتجربة غضة، ميول للطرح الاشتراكي، ومشهد يكاد يجزم ان المشكلة لم تكن لتباين توجهات سياسية، قدر من يقود القافلة، استلهام لتاريخ قديم، وعود على بدء لممارسات اختفت، نفحات عوالم ارحب تأسر القلوب في كتابات خالد محمد خالد : ” من هنا نبدأ “، ” مواطنون لا رعايا “، ” الديمقراطية ” .. المواطن القادر على صون المنجز، مقارعة نموذج محمد عبده، والزعيم المخلص، الاول والاخر، القادر على اصلاح الشرق في كلمة واحدة : ” انما يصلح الشرق مستبد عادل “، ولغط صادر الكتاب، والتنابز المشين بالألقاب، والتطوع بمعلومات لمكتب مكافحة المبادئ الهدامة، ودسيسة أقلام جريئة تتكئ على سندان العمل العربي، تنعت مقاهي بعينها وتصفها بأوكار الظلام، وتاريخ الادب العربي للزيات، واحسان عبدالقدوس في قبضه تلابيب القارئ، وعوالم نجيب محفوظ في ” الفولاذ سقيناه ” ” الام “، وعبدالرحمان الشرقاوي في رواية ” الارض “، وديستوفسكي وتولوستوي، وكتاب ” الدولار يحكم بريطانيا، ودراسة عادل ثابت عن ازمة بريطانيا الاستعمارية والانهيار الاقتصادي الذي بات قاب قوسين او ادنى، وسقوط حكم باتيستا في كوبا، وصعود نجم كاسترو، وما من مكان إلا وتجمع فيه التبرعات، دعما للثورة الجزائرية، نضال شعب الجزائر الشقيق ضد المستعمر الفرنسي، الاسلحة تشحن من كل المعابر، والحكومة الجزائرية المؤقتة وقد اختارت ليبيا مقرا لعقد اجتماعات مجلسها الوطني، وصور القادة الخمسة تملأ الجدران، وخشية من انزلاق الثورة الصاعدة في صراعات الزعامة اثر اغتيال عمبروش، وتحريك ذلك الواقع الآسن، نحو استقلال يوفر لقمة العيش الهني، ويطرد غول الفقر عن الجميع، وما اثير عن قانون ترجمة الاشرطة الاجنبية، بعدما تبين ان معظم الداعين لسن القانون اصحاب مكاتب للترجمة، وصحيفة ” الليبي “، ويوم ان رفض الوالي اي تدخل للحاشية الملكية، ومجلة الاذاعة، وجريدة العامل، ومقالة جسورة، وتقليب واقعا هش، ووعي غض، وقصيدة خالد زغبية : ” بلادنا غنية وشعبها فقير “، ومحاكمة تطاله، ونخب مثقفة ترفض، بينات استنكارية، امسيات شعرية مكرسة مؤازرة له، ارهاصات التكبالي، وكامل عراب، جمال اللغة وفسحة الامل، في مسابقة القصة القصيرة، الخصبة حد التخمة بمعاداة الرجعية وثقافة التبعية، والوجه الوطني البارز عبدالعزيز الزقلعي عضو مجلس النواب، يتولى تسليم الجوائز في حفل بهيج، جمع لفيف مثقفين، ومناشير مجهولة الكاتب يتحرى البوليس الاتحادي مصدرها، ويوسف القويري عاد بعد رحلة عمل بالجنوب في جريدة فزان، والتمكين للكتابة الابداعية لب المسألة الثقافية .
المنشور السابق
المنشور التالي
مقالات ذات علاقة
- تعليقات
- تعليقات فيسبوك