حوارات

القاص: أحمد يوسف عقيلة: القصة في ليبيا لا تقل شأناً عن القصة في أي مكان من العالم

حوار مع القاص: أحمد يوسف عقيلة

القصة في ليبيا لا تقل شأناً عن القصة في أي مكان من العالم

اكتشفتُ أنَّ قصصي تُنْشَر في الصُحُف الحائطيّة في المدارس

عدم الاطلاع والقراءة آفة جعلت الكثير من كتّابنا (يتآكلون)

حاوره: رامز رمضان النويصري

القاص: أحمد يوسف عقيلة

لا يختلف اثنان على القيمة الإبداعية للقاص “أحمد يوسف عقيلة” في التجربة القصية في ليبيا.. فهو قاص يحتفي بعالمه ويفعله، منتجاً قصته الخاصة، قصته البعيدة التي تشعرك بجذرها البعيد الضارب في متن الحكايات والقصص التي تحكيها الجدات.. ومن خلال مجموعاته القصصية الصادرة يقدم “عقيلة” تجربة غنية، ومدى لا ينقطع عن إنتاج القصص الصغيرة، والتقاط التفاصيل البعيدة.. في هذا اللقاء نحاول أن نسبر بعض هذه الأجواء..

عن القصة والذات والمكان..

* بداية سألناه عن القصة، لماذا هي دون غيرها؟

– ليس هناك (لماذا).. فالمسألة لم تكن اختياراً.. كتبتُ نَصًّا فقالوا: هذه قصة قصيرة.. لم أكن أعرف شيئاً عن النواحي الفنيّة للقصة.. لكن ربما تكون هناك أسباب خَفيّة.. فرغم المساحة الهائلة التي يحتلّها الشِّعر عندنا.. إلاّ أنَّ الحكاية في بوادينا أكثر قُرباً من الشِّعْر.. نحن نسمعها كلّ ليلة.. أمّا الشِّعْر فيتم إقصاؤه خارج حميميّة البيت.. بسبب ارتباطه (بالعَيْب).. لذلك تأثرتُ وجدانيًّا بالحكاية أكثر.. قد يبدو هذا سبباً غريباً.. وقد لا يكون هو السبب أصلاً.. إنها فقط محاولة للبحث عن إجابة لسؤالك.

* وإلى أي مدىً تعتقد بخلوّ القصة من الذاتي؟

– ذات الإنسان _مُبدعاً أو غيره_ ليست قابعة في رُكن قصيّ منعزل.. بحيث يُمكنه أن يفصل كتابته أو أي سلوك من سلوكيّاته عنها.. الذاتي موجود في كلّ ما يصدر عنّا.. ليس في الإبداع فقط.. بل في كل شيء.. حتى في إعداد الطعام أو الشاي ستجد ذات الصانع.. بل أستطيع القول بأنّ الكتابة الإبداعية هي أكثر سلوكيات الإنسان تمثّلاً للذات.

* وعن علاقة المكان، أجاب:

– لا أنظر إلى علاقتي بالمكان على هذا الأساس.. لا يُمكن للإنسان أن يكون بلا مكان.. ولا قيمة للمكان بدون الإنسان.. عندما خلق الله آدم وضعه في الجنّة.. لماذا؟ إنها حاجة المكان.. وما قيمة الجنَّة دون آدم؟ ستظلّ مُجرَّد مساحة جميلة مُقفِرة.. وسَمَّيتُها (مساحة) عن قصد.. فلا يُمكنني أن أُسمِّيها مكاناً.. مكان لمَن دون آدم؟!

في الشؤون الداخلية للقصة..

* في قصّتك حكاية.. هل انتهت أم أنّ الحكايات مازالت تنهل؟

– الحكاية لا تنتهي.. ولا أتصور ذلك حتّى مجرّد تصور في الذهن.. فطالما وُجِد الإنسان وجدت الحكاية.. بل الحكاية تبقى وتمتد حتى بعد رحيله.. الحكاية نوع من قهر الموت.. محاولة إيجاد معنى لكل شيء.. يقول (كولن ولسن): (لكي يكون للحياة معنى فلا بد أن تصبح قصة).. إنّ ما يُخيفني ليس هو نضوب الحكايات.. فأنا أستطيع _دون مبالغة_ أن أكتب كل يوم حكاية على الأقل.. لكنّ الخوف من التكرار.. والاجترار.. والتآكل.. يقول الكاتب الهندي (ناريان): (على القاصّ أن يكون من الحكمة بحيث يعرف متى يتوقّف.. دون أن ينتظر إلى أن يُبلغه الآخرون بأنَّ عليه أن يخلد للصمت).

* وفي الحكاية يضيف:

– أسعى لكتابة حكاية يرويها كل الناس.. وفي زماننا هذا قد يحدث العكس.. أي أن يروي الأبناء لأمهاتهم.. وهذا ما حدث.. فقد روت لي بعض القارئات أنهنَّ قرأن كتاب (الجراب) لأمهاتهن الأُميّات.. وحين أقامت دار الرعاية بالبيضاء حفلاً للأطفال.. أخبرني من شهد الحفل أنّ بعض الأطفال ألقوا بعضاً من قصصي القصيرة جداً.. كانوا يحفظونها.. واكتشفتُ أيضاً أنَّ قصصي تُنْشَر في الصُحُف الحائطيّة في المدارس.. قد لا تُصدِّق إذا قلتُ لك إنني أشعر بسعادة أكثر حين تُنشَر قصصي في الصُحُف الحائطية.. فالقُرّاء هنا شريحة أخرى.. بعيداً عمّا نُسمِّيه (النخبة).

* سألناه عن شخوص قصصه: لماذا عليهم انتظار الأمر منك للتحرُّك؟

– كثير من النّقاد الذين تناولوا قصصي قالوا عكس هذا.. أي أنّ الشخصيّات تتصرف دون قيد من الكاتب.. ولكن أنا أنظر إلى المسألة من زاوية أخرى.. أن تتصرف الشخصيّة دون قيود.. فهذا كلام نظري.. قد يبدو جميلاً.. لكنّه بعبارة أكثر حِدّة (مُجرَّد هُراء).. فلو أنّني بدأت قصتي مثلاً هكذا: (امرأة تسير على جانب الطريق.. تلتفِت إلى الخلف بعد كل بضع خطوات) .. سيقول لي النقاد: (دعها تتصرف على سجيّتها.. لا تتدخل).. حسناً.. صدّقني أنّ هذه المرأة إذا تركتُها منتظراً أن تفعل ما تشاء.. فلن تفعل شيئاً.. ستظل تتلفَّت إلى أن أقول لها ماذا ينبغي عليها أن تفعل بعد ذلك!.. هذه ليست سُخرية.. على القاص أن يُحرِّك شخوصه تحريكاً إيجابياً ليخدم الفكرة التي قامت على أساسها القصة.

* وأضفنا: أنت لا تُحبّ الجُمَل الطويلة.. لا تُحبّ الإغراق في التفاصيل.. لا تُحبّ أن تكون خارج دائرة حكاية.. (المهم حكاية).. فماذا تُحب؟

– لست أنا فقط الذي لا يُحبّ الجُمَل الطويلة.. القارئ أيضاً _والسامع_ لا يُحبّ ذلك.. أمّا التفاصيل فإنني أُحبّها كثيراً.. بشرط أن تكون تفاصيلَ دالّة.. التفاصيل الصغيرة تمنح العمل الكثير من الوهج.. لكن على القاصّ أن يعرف متى يتوقّف عن سرد التفاصيل.. يجب أن يعرف ذلك بنفسه قبل أن يُخبره الآخرون بتثاؤبهم..!

في شان القصة الليبية..

* في سؤالنا عن القصة الليبية، يجيب “عقيلة”:

– القصة في ليبيا لا تقل شأناً عن القصة في أي مكان من العالم.. فالقصة الليبية تُرجمت إلى الكثير من اللغات.. لدينا قصّاصون مميَّزون.. نحن فقط يعترينا الكثير من الكسل على صعيد الوصول إلى الآخر.. إذا لم تكن هناك مؤسسة تتصدَّى لنشر الأدب.. فينبغي العمل بشكل فردي.. الوسائل الآن مُتاحة أكثر من أي وقت مضى.. بعض القصّاصين الليبيين استطاعوا الاشتراك في مسابقات للقصة على مستوى الوطن العربي وتحصلوا على الجوائز الأولى.. هؤلاء لم ينتظروا أية مؤسسة.. المبادرة الفردية في غاية الأهمية.. أمّا الشكوى من التهميش والتجاهل فهي في رأيي لا معنى لها.. إذا كان إبداع الكاتب حقيقيًّا فلا أحد يستطيع تهميشه.. وأنا أقترح على القصّاصين الليبيين أن نُنشئ موقعاً على الشبكة للقصة الليبية.

* وكيف تقرأ جيلَها الشاب؟:

– القصّاصون الشباب أكثر نشاطاً من سابقيهم.. فقط عليهم أن يقرؤوا كثيراً.. إنّ عدم الاطلاع والقراءة آفة جعلت الكثير من كتّابنا (يتآكلون).. وهو لا يقرأ بُحجّة أنّه أصبح كاتباً.. وعلى الآخرين أن يقرؤوا له..! إنّ الكاتب هو أكثر الناس حاجة إلى مزيد من القراءة.

حديث قصير عن الجراب..

* سألناه عن فكرة (الجراب):

ـ (الجراب) هو الوعاء الذي نضع فيه أشياءَنا الثمينة.. أردتُ أن أُعرِّف الآخرين بتراثنا الشعبي الشفهي.. وقد تلقّيت رسائل وتعليقات من كل أنحاء العالم _حتى من غير العرب_ تُشيد بالموقع وبالمادة التي يُقدّمها.. سأسعى إلى تطويره ما استطعت.. الشبكة تُتيح لنا التواصل مع بعضنا أوَّلاً.. ومع الآخر.. ما قامت به الشبكة من تعريف بالأدب الليبي هو أكثر _بما لا يُقاس_ مما قدّمته دور نشرنا ومجلاتنا وصحفنا ذات الانتشار المحدود حتى في بلادنا..!

* مجلة المقتطف.. العدد:50-51.. 6-7/2005

مقالات ذات علاقة

أماني محمد: الغربة قد تكون نقطة انطلاق رجعية

حنان كابو

أونيس: نحرص على ألا يكون مكان ليبيا شاغرا بالمحافل الثقافية

المشرف العام

شكري الميدي يفتح أسرار جيرمني الإيطالي في حانة بنغازي

المشرف العام

اترك تعليق