فـتــحي العريـــبي.. يـــقــول:
الكمبيوتر.. فتح أبوابا وشرع عدة نوافذ.. أمام مواهب الفنان الحقيقي
أستطيع أن أميز بيسر بين المبدع وغير المبدع
إن الذي لم يستوعب بشكل جيد قدرات وإمكانيات الكمبيوتر.. هو إنسان متقوقع
حاوره: رامز رمضان النويصري
التقنية تدخُل/تتدخل في كل شيء.. ربما تنفع هذه الجملة عنواناً لبحثٍ ما، لكن في عالم الإبداع الأمر مختلف، فالمبدع يعمل على تسخير ما يملك من أدوات خدمة لفنه.. وعندما تحول الكمبيوتر (الحاسوب) من الآلة الكبيرة الضخمة، إلى الجهاز بحجم الجيب، فإنه استطاع أن يتسلل في كل الفتحات، ويسدها بقوة.. ولم يكن المبدع بالغريب عن هذا، أذكر مثلاً فرحة الكاتب المصري “إبراهيم أصلان” بشرائه لجهاز كمبيوتر.
الفنان والمصور “فتحي العريبي” اسم له تاريخه في مجال التصوير الفوتوغرافي (التصوير الضوئي) في ليبيا، وهو يمثل تاريخاً مهماً في التصوير في ليبيا، في هذه الفسحة نلتقيه حول علاقته بالكمبيوتر، خاصة في تجربته الجديدة التي قدم فيها الكثير من النماذج التي لاقت الاهتمام من خلال موقعه (عش الحمامة)، الذي احتضن تجربته وكان الأفق المفتوح على العالم.. نلتقيه لنتحاور وإياه حول علاقة المبدع بما يوفره الكمبيوتر من إمكانات للمبدع، خاصة وإن “العريبي” من الأسماء العربية المهمة في هذه التجربة.. وأيضاً ما قدمته شبكة الإنترنت من خدمة اكبر للتواصل، بحيث كسرت الحدود الفاصلة وحولتها إلى لا شيء.. وحتى لا ندخل كثيراً في هذا الموضوع نترك للقاء يقدم ما عنده..
عن الكمـبـيـوتـر
– هذا سؤال تقليدي.. كيف بدأت علاقتك بهذا الجهاز (الكمبيوتر)؟
ج- بدأت هذه العلاقة في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وكانت بداية يشوبها الإعجاب حينا والدهشة والحذر والانبهار في غالب الأحيان.
– إلى أي مدى امتدت هذه العلاقة؟، وتداخلت في عملك كمصور؟
ج- امتدت إلي أبعد مدي وكنت سعيدا لتواجدها مع عملي كمصور.
– يقول البعض أن هذا الجهاز عمل على إضعاف موهبة الفنان الحقيقي، وفتح الفرصة أمام أصحاب المواهب الضعيفة؟
ج- لا أعتقد ذلك فأصحاب المواهب الشعرية الضعيفة أيضا لا يسعفهم قلم فاخر من نوع باركر لكتابة نص شعري بديع، وجهاز (الكمبيوتر) فتح أبوابا وشرع عدة نوافذ كانت موصدة أمام مواهب الفنان الحقيقي.
– إذن، من يتحكم في العمل الإبداعي (الفنان أم الكمبيوتر)، حال العمل يتداخل بين المبدع والكمبيوتر؟
ج- الكمبيوتر كالسيارة، مثل آلة الحياكة مثل الكثير من أدوات هذا العصر جاءت في وقتها لترفع من شأن العمل الإبداعي والفني والحرفي.. وإذا اتفقنا علي أن عروض الأزياء من الفنون التشكيلية، نتفق أيضا علي أن حياكتها حرفة فنية هي الأخرى وهنا نتوصل إلي أن الكمبيوتر لا يعمل لوحده كآلة الحياكة أو غيرها، فالبرامج التي بداخله هي أيضا من فعل الإنسان، وهذه البرامج تعادل قواعد اللغة أي لغة، ومن دون فهم واستيعاب هذه القواعد لن يكون في مقدور الكاتب ( روائي – قاص – صحفي – شاعر .. إلخ ) أن يبدع نصا مقنعا وصحيحا.
– يوجد الآن ما يعرف بفناني الكمبيوتر، وهم الذين ينفذون أعمالهم مباشرة عليه، باستخدام البرامج الخاصة بالرسم والصور ومعالجتها، كيف تقيم هذا الأمر؟
ج- كل عصر وتطور يفرز فنانيه، آلة الأورغ الكهربائية حلت محل الأورغ اليدوي في الكنائس والفرق الموسيقية العصرية، وبالتالي أوجدت فنانها الحديث.. آلة التصوير الفيلمية أصبحت من الماضي بل وأخذت تنـزوي في أرفف المتاحف وسيطرت علي الموقف آلة التصوير الرقمية أو تكاد، وأنا لست فنانا من فناني الكمبيوتر من الذين ظهروا فجأة مع هذا الجهاز، أنا فنان شامل منذ أكثر من أربعين سنة، أتقن التصوير الفوتوغرافي والسينمائي والفيديو والرقمي، كما علي معرفة عميقة بفن الموسيقي والقصة والمسرحية والشعر والسيناريو والإخراج التلفزي وفنون الرسم من جرافيك وكولاج وغير ذلك، وكلها مارستها بشكل عملي يضاف إلي ذلك فنون وتقنيات الحاسب الآلي، وفنان الكمبيوتر فنان مهم جدا في الصحافة الحديثة الآن وفنون التصميم والإعلان، فجميع اليافطات وإعلانات الشوارع هي في معظمها لفناني الكمبيوتر علي اختلاف مستوياتهم الفنية والتقنية وهو فنان باهر وخلاق في أيامنا هذه إلي أن تستجد وسائل تنفيذية وتعبيرية أخري.
– البعض لا يصنف هؤلاء كمبدعين، بل كمستخدمين جيّدين لهذه البرامج، فكيف تقيم الموضوع، لو وضعت في لجنة تحكيم وعرض عليك مثل هذا العمل؟
ج- جوابا علي ذلك أقول : ليس ثمة فوارق عندي بين صانع الطائرة وقائد هذه الطائرة الذي ليس له دور في صناعتها، كلاهما برأي ضروري في تخصصه وفي حياتنا المعاصرة، وكل منهما يسعى للجودة والكمال.. فلو تم تعييني مثلا في لجنة تحكيم أستطيع أن أميز بيسر بين المبدع وغير المبدع معتمدا في ذلك علي ثقافتي البصرية في هذا المقام.
الصورة والكمبيوتر
– نستطيع أن نقسم أعمالك التي تدخل فيها الكمبيوتر.. إلى أعمال تحمل لمسة أو تدخل خفيف (بمعنى لم يتعدى الأمر إطار أو خلفية) وأعمال تم التدخل فيها بنسبة أعلى (كإجراءات القص والتموج) إلى الأعمال التي كونت بمساعدة الكمبيوتر (كما في معرض حنظلة).. كيف تقدم لنا هذا الأمر؟
ج- عفوا .. أعمالي تتجاوز حدود الإطار أو الخلفية كما تقول وهي في مجملها في منتهي الوعي التشكيلي من حيث الفكرة والعرض أنظر مثلا إلي لوحة (العولمة – العلم الأمريكي الجديد) أو لوحة (الصبي محمد الدرة) وهنا لا يقوم الكمبيوتر بالتفكير أو الإبداع نيابة عني، بل علي العكس من ذلك.
– هل تدعو الفنان التشكيلي لتجربة العمل بالكمبيوتر، أو استخدامه؟
ج- ليس بالضرورة أن يستخدم الفنان (التشكيلي أو المصور الفوتوغرافي) هذا الجهاز في أعماله.. ولكنني أؤمن بأن الذي لم يستوعب بشكل جيد قدرات وإمكانيات الكمبيوتر حتى الآن (الفنان وغير الفنان) هو إنسان متقوقع ولا يدري ماذا يدور خارج قوقعته التي يغلقها في وجه كل جديد مفيد وفي مقدمة ذلك الحاسوب .
عش الحمــامـة
– كيف جاءت فكرة إنشائك لعش الحمامة على النت؟
ج- عش الحمامة في بنغازي هو خلوتي وملاذي الفني والأدبي، وهو عبارة عن مكتبة ضخمة ونادرة، بالدور الثالث في بيت العائلة أتطلع إلي تحويلها إلي متحف وغاليري دائم ، وهذه المكتبة تحتوي ضمن ما تحتوي علي أرشيف مصور لا مثيل له ليس في ليبيا فحسب أو الوطن العربي بل في العالم بأسره.. ومن لم تتح له حتى الآن فرصة زيارة هذا العش في بنغازي هو بتقديري لا يعرف شيئا عن هذه المدينة.. والفكرة التي تسأل عنها فرضتها ضرورة التواجد الدولي وبطريقة مختلفة عن مواقع الآخرين علي شبكة الإنترنت العالمية .
– ما الذي قدمته لك الشبكة؟
ج- إلي جانب ما قدمته لها من مقالات تشكيلية رفيعة في أسلوبها الأدبي، وصور ليبية نادرة، عرفتني بمجموعة طيبة وهائلة من الصديقات الودودات، وأصدقاء ممتازين من أمثالك في ليبيا وخارجها وهذا بحد ذاته كنز ثمين لا يفني بل يتجدد يوميا.
– وإلى أي مدى أفادك هذا التواجد، شخصياً، وكيف اثر في تجربتك الفنية؟
ج- إعجاب الآخرين بإعمالي (حمل ثقيل) إذ يتوجب علي تطوير تجربتي في كل لحظة لكي أكون في مستوي هذا الإعجاب، فالمنافسة الشريفة علي أشدها بين مصممي المواقع من جهة وأيضا بين أصحاب هذه المواقع من جهة أخري، مما دفع بتجربتي إلي الأمام بخطوات أثيرية واسعة، فعش الحمامة سنة 2000 غيره العش في الشكل والمضمون سنة 2005.
– وكيف رأيت تجارب العمل باستخدام الكمبيوتر، العربية والعالمية؟
ج- أنا ابن عصري واستعمل الطائرة في تنقلاتي بدلا من الناقة وأرسل الآن رسائلي عبر البريد الإلكتروني وليس من خلال البرقيات القديمة في مكاتب البريد، واستعمل الكمبيوتر بدلا من الآلة الكاتبة.. وهكذا .
– وما يمكن قوله في الختام
ج- أحييك وأحيي قارئات وقراء مجلة غزالة.. وكل لحظة وأنتم جميعا بخير ومعرفة مفيدة وثقافة أثيرية من غير رقابة أو حدود.