الفن يعيد توظيف المكان تحت "كوبري" الودان!
تشكيل

الفن يعيد توظيف المكان تحت “كوبري” الودان!

ثعلب الفنك الليبي، آلة تتجسد حيوان الودّان، أخطبوط بألوان زاهية، حروفيات بلون ذهبي، امرأة عجوز ترتدي اللباس التقليدي وتحمل زهرة، رجل نحيل يبتسم للمارة، شخصيات كرتونية وغيرها احتلت مكانها في “كورنيش” مدينة طرابلس تحت جسر الودان منذ أسبوع. أنواع مختلفة من الفن التقت في مكان واحدٍ لتغير أموراً كثيرةً مرةً واحدة.

وفي خطوة سابقة عن غيرها، بدعم من مركز قدور الطبي احتضن مهرجان “لون للأطفال” مجموعة من الفنانين الشباب الليبيين في مكان واحد؛ ليضيفوا بأعمالهم بهجة على وجوه الأطفال وتثري ذائقتهم الفنية وحبهم للفن، بالإضافة لتقديم شكل آخر من الجداريات للمجتمع الليبي بعد أن تعود على العبارات السياسية المكتوبة بخط ولغة هزيليْن في كافة الطرقات أو الجداريات المرسومة لخدمة قضية معينة أو الجداريات التوعوية. المهرجان الذي أقيمت به مجموعة من الفعاليات كالاحتفال بالألوان، المحاضرات التوعوية بضرورة الفن في حياة الطفل ومشاركة فنانين أتراك، احتضن 4 فنانين شباب من خلفيات مختلفة: الحروفيات (الكاليجرافي)، الكاريكاتير، الجرافيتي والديجتال ليقوموا بتجربتهم الأولى في الرسم بالأماكن العامة.

الفن يعيد توظيف المكان تحت "كوبري" الودان!
الفن يعيد توظيف المكان تحت “كوبري” الودان!
تصوير: قاسم تنتوش.

– الفن يغير هوية المكان ووظيفته

تأتي هذه المبادرة التي وفرت للفنانين الإمكانيات المادية والمظلة التي يمكنهم فيها العمل على شغفهم وإظهاره لأكبر فئة من الناس بعد عقود من المعاداة للتميز أياً كان والخوف من الوضع الأمني غير المريح في السنوات القليلة الماضية، و”صعوبة العمل الفردي من عدم تواجد المواد ذات الجودة الممتازة في السوق الليبي، والخوف من المشاكل التي قد يسببها “إذا ما ضبط الرسام” كما يقول فنان الكاليجرافي أمين الزيّات الذي شارك بحروفه الذهبية لتكون مزاراً للشباب لالتقاط الصور أو الرقص تحتها. أمين الذي يمارس الرسم بالحروف منذ طفولته يخبر أن أهم ما قدمه المهرجان له هو تحرره من الخوف من الرسم في الأماكن العامة، متمنياً أن يتحرك الفنانون للمشاركة بتلوين الجداريات بدون الحاجة لمبادرات اجتماعية أو مهرجانات، ليغيروا وظائف الأمكنة في ليبيا قائلاً “بعد رسمنا تحت جسر الودان تغيرت وظيفة المكان، وجدت بعد ذلك مجموعة من الشباب يرقصون (بريك دانس) على أنغام مسجلة تحت إحدى الجداريات، الفن أينما حضر يستقطب صحبته فنوناً أخرى ويجعل المكان أكثر حيوية”.

الفن يعيد توظيف المكان تحت "كوبري" الودان!
الفن يعيد توظيف المكان تحت “كوبري” الودان!
تصوير: قاسم تنتوش.

– الفن هوية

ويضيف طه بن لاغا، فنان الجرافيتي الذي اعتاد على الرسم في الأماكن المهجورة وفي الأماكن الخاصة أن “الفن في الأماكن العامة مصدر طاقة إجابية متنقلة، يمد كافة المارة عبر الشارع وخصوصاً الأطفال الذين بطبيعتهم النفية يحبون الاستكشاف، وعندما يكون عادياً في حياته، سيعمل على تقديره وحبه وحب الجمال”. طه الذي بدأ تعلم الجرافيتي في 2008 واجهه دائماً الخوف من الممنوع، يرى أن هذا الوقت هو أفضل وقت للعمل على نشر ثقافة فن الشارع بعد أن شهدت البلاد “نوعاً من التفتح والقبول له” على حد قوله، ليكون الفن “المهرب، المتنفس، الهوية، الهواية”، له ولغيره من الفنانين.

الفن يعيد توظيف المكان تحت "كوبري" الودان!
الفن يعيد توظيف المكان تحت “كوبري” الودان!
تصوير: قاسم تنتوش.

– احترام الفنان أولوية

ويرى صهيب تنتوش، فنان الكاريكاتير أن أهمية ما قدمته لهم هذه المبادرة أنها قامت بـ “كسر حاجز الخوف من المجهول عند المتلقي من الرسم وعدم تفهمه له، وذلك بالتعامل معه والاحتكاك به أكثر”، متمنياً أن يصبح وجوده في حياة المجتمع شيئاً اعتيادياً وطبيعياً، وأن يصل للمرحلة التي تكون اللوحات غير مستقطبة للزخم، لأنه يرى عندها فقط سيكون الفن محترماً وحاضراً بقوة في حياة الليبيين، كما شدد أنّه على المجتمع أن يحترم الفنان الذي لايزال ينظر له كالغريب، “يجب أن نحترم الفن كمهنة لا مجرد هواية، يجب أن نعترف بوجود أناس تعيش على الفن”، يقول صهيب الذي يرى أن جيله تقع عليه مسؤولية تغيير المفاهيم للناس.

الفن يعيد توظيف المكان تحت "كوبري" الودان!
الفن يعيد توظيف المكان تحت “كوبري” الودان!
تصوير: قاسم تنتوش.

– الفن ضروري للحياة

وكانت هذه التجربة لفنان الكونسبت والديجتال سالم بحرون بمثابة انفتاح على قدراته وما يمكنه صنعه خارج شاشة الكمبيوتر، إذ يقول “أنا فنان ديجتال، هذا ما كنت أعرفه عن نفسي إلا أنني أصبحت أمتلك هواية ثانية أريد المضي فيها مستقبلاً، ربما جدارية أكبر من هذه على عمارة ما”، مذكراً المتلقي أن الفن شيء ضروري كالأكل والشرب وليس عملاً تخريبياً أو مشوهاً للمنظر العام للمكان، “يجب أن نمارس الفن لأجل الفن، ما قامت به الجداريات الليبية هو زرع فكرة التقزز عند الشعب منها لأنها تحمل رسائل سياسية وتخريبية” يقول سالم الذي يرى أن أي عمل فني يجب أن يكون مملوءاً بشغف، روح وجهد دون توقف حتى يساهم “في تغيير نظرة الليبيين تجاه الجداريات ولو بالقليل”، مؤكداً أن ما قاموا به سيساهم في تكوين وعي فني لدى كافة فئات المجتمع لتعتبر الفن كأحد ضروريات الحياة، مشبهاً إياه بإشارات المرور “بدونه، ستكون هناك فوضى!”.

_______________

نشر بموقع هنا صوتك.

مقالات ذات علاقة

الفنان الرسام، النحات محمد زعطوط .. (و هوس البحث الدائم في جماليات المكان و البيئة)

المشرف العام

الغرياني وسحر الطبيعة الصامتة

عبدالسلام الفقهي

رمضان في رسومات محمد الزواوي الساخرة

أحمد الغماري

اترك تعليق