الفنان التشكيلي محمد زعطوط
تشكيل

الفنان الرسام، النحات محمد زعطوط .. (و هوس البحث الدائم في جماليات المكان و البيئة)

عبد العزيز الزني

الفنان التشكيلي محمد زعطوط
عن صفحة الكاتب منصور أبوشناف

 

الصغار يلْهون بتطلعهم إلى تكوينات السحب ، المنتشرة بأحجامها المختلفة ،على وجه السماء ، كانوا يرون فيها ملمحا لمخلوقات  يعرفونها ،  و قد تشكلت هناك بعوامل لا يدرون عنها شيئا ، بينها ما يشبه وجوه البشر أو جزء من وجه ، أنف أو ذقنٍ . و أحياناً يبصرون أشياء أخرى ، جوارٍ كالأعلام  مثلاً ، تمخر عباب بحرٍ . أو ما يماثل قافلة تعبر الصحراء .

وتمضي عيونهم بشغفٍ و متعةٍ ، تبحث  و في كُتل سحب أخرى ، عن تشكيلات أخرى ، ويشير أحدهم بفرحة المكتشف ، إلى وردة ، ويصرخ آخر جملا أرى، وثالث شيخا أبصر.

وهكذا وقت ، يتتابع  و قد تسيد فيه البصر و الخيال، و تتلاشى تلك السحب أو ترحل  و معها كل التشكيلات و ما تصوره الصغار .. ليستقبلها صغار آخرون في بقعة  أخرى من العالم … و يمارسون معها نفس اللعبة.

وذات المشهد يُنشأ مع الأشجار ، مع بعض أغصانها و فروعها و على جذورها , و أوراقها ، حيث يمكن رؤية ما يشبه مخلوقات ، يعرفها الصغار أو أشكالا أخرى مبهمة إلا أنها موحيةً . ما يرفع درجة المتعة و التسلية .

محمد زعطوط كان كغيره من صغار المدينة , الذين عاشوا لا تفارق مسامعهم مغاني السواقي و ترانيم تدفقها ، و متابعة أسراب الطير و هي تُشكل و تَتَشكل في أجواء المدينة ، فتوحي للرائي إليها بتكوينات مختلفة ، ثم أن هذه الأجواء كانت و بطبيعتها الأسرة مهيأة لتهيئة ، أجواء مناسبة للموهبة ، كي تنطق و تنبعث في أشكالٍ تعبيرية متنوعة ، فيقرأ المتلقي رواءهم .

زعطوط حين أحس توهج موهبته ، استجاب لها ، و الاستجابة انصياع لصدق الموهبة.

إذ ما أن استوت له الأمور اقرّ ( كنت مهووساً بالبحث الدائم في جماليات المكان و البيئة ،محاولا أن استخلص منها رؤاي الفنية ) . و قناعة منه ، أن لا تدعيم لميوله الفطرية سوى التحصيل العلمي ، و الجلوس أمام  معلم  . و يتخرج في معهد ناصر للمعلمين ، في مدينة بنغازي ، قسم فنون جميلة ، عام 1980م .

و هو المولود بمدينة سوسة 1960م . تلك الفاتنة التي ” لفها الأصيل في حلة نسجت من الأضواء ” الأمر الذي كان أساسيا في تكوين موهبته و يعمل معلماً لمادة الفنون التشكيلة ، ثم موجها و يهتم لاحقا بالصغار ، ممن برزت ميولهم الفطرية و بوضوح نحو المحاكاة . و يقيم الورش الفنية ، و المعارض في أكثر من مناسبة ، خارج وداخل الوطن ، و صار تشكيلياً معروفا ً. تناولت إبداعاته عديد المقالات ، و أجريت معه الكثير من اللقاءات ، تَعريفاً و تعرفًا ، على لوحاته و منحوتاته .

و لم  يكتف زعطوط  بالوقوف أمام لوحة على حامل ، و بيده فُرشاة . فرأيناه لاحقا ، و بعد ما تحقق له ، من توفيق في هذا الاتجاه ، يلتفت و حوالي عام 1990م ، إلى الغابة و ما أدراك ما الغابة ، غابات البحر المتوسط دائمة الخضرة ، هذا ما عُلمنا من كتب مادة الجغرافيا ، قبل مشاهدته واقعاً . و مع  مكونات الشجرة تلك التي أصابها العطب ، فسقطت أرضاً ، بسبب طول جفافٍ أو رياحٍ عاتية ، أو آفة قاسية  فرعا و غصناً و جذعاً ، من شجر البطوم ، و الزيتون ، والخروب  تبدأ  بعد ذلك مرحلة أخرى ، مغايرة  لها شروطها و متطلباتها  ، قطعة خشب بين يدي زعطوط ، يأخذ تطلعه إليها منحى آخر ، حينها  تلك القطعة ، هي أقرب ما تكون ، إلى وليد بين يدي “القابلة” التي ما أن تستلمه ، بعد تلك الدّفْقة الجاضة بالحياة ،تمضي و هي تردد “مشاء الله ” في إماطة  الأذى عن جسده الطّرِيُّ ، ثم تغسله جيدا ، قبل أن تدثره ، و تضعه و قد دبّ الدفء في  أوصاله  ، إلى جانب  أمه ، ليمتص من صدرها الحياة . القابلة تفعل كل هذا بمتعة مطلقة . زعطوط كمبدع  يعمل هو الآخر ذات الشيء ، مع تلك القطعة ، بعد أن يلتقطها  من تحت الشجرة الأم ، يقلبها بين يديه ، يتأملها ، و إلى أن يتضح له ملمحا بعينه .

يستظل زعطوط ظل تلك الشجرة ، يستند إلى جذعها ، لا يتوقف عن تقليب تلك القطعة ، ولا تأملها ، إذا ستصير منحوتةً ..  لها دلالاتها  ، يبدأ و أزميله عملية تخليص الجذع  مما علق به من شوائب ، و نتوءات ، و زوائد يرى بحسه الفني عدم جدواها ، و يمضي زعطوط  النحات  منصاعاً لتكوين تلك القطعة الطبيعي ، مهيئا إياها بعد أن تنصاع له هي الأخرى ، لما ستصبح عليه . يستغرق هذا من الوقت غير القليل ،  لا تفارقه  متعة الإبداع و التكوين .

فزعطوط  ينحت و يلون و يرسم بمحبة بيئته ، و الحياة و الكائنات . يبذل ما يستطيع كي يحافظ على خصوصيته و خصوصية بيئته ، يُظهر مكامن الجمال ، دونما ابتذال ، منحوتاته تحرض العين على اقتحامها ، و من ثم المضي إلى أبعد نقطة يمكن أن تتحقق من الإدراك و الاستيعاب .

المنحوت عند زعطوط مساحة مفتوحة أمام التأويل ، تعكس موقفه مع ما حوله ، يمكن للرائي أن يستشف ما لم يخطر على ذهن صاحب الأزميل قراءات من قبل مهتمين و دارسين ، تناولت إبداعات زعطوط أبانت الجوانب الجمالية ، و تحدثت عن دلالاتها و مراميها . و من نقاط الاتفاق في هذا التناول      ( تعدد الدلالات للمنحوتة الواحدة ، بتعدد زوايا النظر إليها ) عموما منحوتات زعطوط تستوقفك  لتقول لك شيئا  رمزاً أو صراحةً .

أكد الفنان محمد زعطوط على انه لم يأخذ أو يتبنى توجها أو مذهبا فنياً بعينه ، إلا أنه لم يمنع على نفسه أن يستفيد ، من إبداعات غيره ، يجد لها صدا في داخله .

و من المطبوعات التي تناولت نتاجات  زعطوط و من بينها من كررت هذا أكثر من مرة :   الشاهد / الأعداد ـ 182 ـ 184 ـ 190 ـ المسرح و الخيالة / الأعداد ـ 26 ـ 27 ــ المجال /العدد ـ 27 ــ شؤون ثقافية / العدد ـ 21 ــ المؤتمر /العدد ــ 27 ـ  العرب /العدد 6097 ـ أويا /الأعداد ــ 197 ـ 285 ــ الشط / العدد 716 .

____________________

نشر بصحيفة فسانيا

مقالات ذات علاقة

في مديح الأسود والأبيض

ناصر سالم المقرحي

لوحات علي الزويك.. «رجل تمضغه السعادة»

أسماء بن سعيد

حديث الْمَشَّائين ورحلة السوق اليومية في لوحات صالح عبدو

عدنان بشير معيتيق

اترك تعليق