عمرت مرحلة ما بعد تأسيس الدولة الليبية سنوات الملك إدريس السنوسى (1952- 1969) بزيارات فنية وأدبية لكبار النجوم البارزين من مصر، وشهدت ليبيا نشاطاتهم وتفاعلهم وحضورهم الإعلامى كما زياراتهم لأشهر المعالم شرق البلاد وغربها، بل إن بعضهم أقام صداقات مع عائلات ليبية تعرفوا عليها أثناء أحياء المناسبة التى تمت دعوتهم لأجلها.
ووثقت زياراتُهم عبر الدوريات المحلية صحفًا ومجلات، كما وسائل الإعلام المسموعة والتليفزيونية، وما زالت محفوظة ضمن الأرشيف الليبى عبر مؤسسات حكومية أو عند من قادوا تلك الوسائل الصحفية والإعلامية كجزء من تاريخهم وسيرتهم العزيزة على قلوبهم بما أنجزوا وبما قاربوا من مواقف تكشفوا فيها عن قرب مكنونات شخصية وإنسانية لأولئك الكبار فى قدرهم ومُنتجهم.
ومنذ أشهر وأثناء متابعتى للصفحة الشخصية على فضاء «فيسبوك» لرائدة العمل الإذاعى والتليفزيونى السيدة الليبية «عائدة سالم الكبتي» وقد فاجأت متابعيها بعملها الصحفى أيضًا كمراسلة لأشهر المطبوعات بمدينة طرابلس ستينيات القرن المنصرم وهى مجلة «ليبيا الحديثة» إذ أفصحت عن لقاءات عديدة أجرتها للإذاعة مع نجوم الفن والصحافة الذين حضروا لليبيا، ومما حكته أنها أجرت لقاءً مع الفنان عبدالحليم حافظ والذى أقام حفلة بطرابلس غنى فيه أحدث أغانيه وقتها، وهى «الويل الويل»، وقد أهداها بصوته فى برنامج المقابلة للمستمعين الليبيين، عبدالحليم أعجب بحركة فنى الصوت المنبهر به رافعًا يده عاليًا فاردًا ما بين أصابعه، وبعد نهاية التسجيل سأله عبدالحليم عن معنى تلك الحركة فشرحها له كإشارة إعجاب متبعة فى ليبيا مرفقة بقول «خميسة خميسة عليك»، ما أعجب عبدالحليم، وقال إنه سيعتمدها حركة ليده على المسرح، وحكى ضاحكًا أن الموسيقار محمد عبدالوهاب يرفض أن يقوم الفنان بحركات كثيرة على المسرح، وكيف أنه قال عنه بما معناه: الواد عبدالحليم ده ناقص يجيب سندويتش يأكله على المسرح نظرًا لكثرة حركاته. الإذاعية عائدة أعجبت بتواضع وثقة عبدالحليم بنفسه ما لمستهُ عند تحدثه مع زملائها يوم تسجيل اللقاء.
كما طالعتُ بصفحة الإذاعية «الكبتي» حكاية ثانية تتعلق بالفنانة «نازك» والتى علمت منها أنها تجيد خياطة الملابس كما تجيد الغناء، وبكل بساطة وعفوية طلبت أن تخيط لها فستانًا وبتفصيل حديث وفى زمن قصير، ورغم عظم المفاجأة كما العرض من فنانة مشهورة فإن عائدة ارتبكت وأمطرت الفنانة نازك بالشكر والتقدير لكرمها، وتعللت بأنها تشترى موديلات ملابسها الجاهزة.
وعن لقائها مع الفنانه الكبيرة «سعاد محمد» والتى حضرت لمبنى الإذاعة الليبية مع زوجها وقت موعد تسجيل المقابلة تستذكر أن «نازك» و«سعاد» كانتا بحفلتيهما على المسرح مع الجمهور الليبى تغنيان بكل قوة وثقة كما ملكتين، وساعة المقابلة كانتا تذوبان خجلًا وتواضعًا، وترى أننا فى يومنا هذا تنقلب المعايير مع نجوم لم يكملوا عقدهم الأول فنيًا!
وحكايتها الثالثة كانت مع الفنانة الرقيقة «نجاة الصغيرة» إذ تخبرنا بأنها طلبت أن تُجرى اللقاء معها «إعلامية»، وليس «إعلاميًا»، فاعتبرت عائدة أن ذلك ضربة حظ لها، وأنها سارعت للاتصال وترتيب الموعد معها بفندق «الودان»، وساعة وصلتها دعوتها للغذاء لكن شغف عائدة بالتواصل مع فنانتها ومن تحب حديثًا ومؤانسة جعلها تعتذر شاكرة، وتبادر إلى طرح أسئلتها، وقد لاحظت رفقتها الراقصة الفنانة نجوى فؤاد، «نجاة» استأذنت المذيعة «عائدة» فى شيئين، أولهما ألا تناديها بالصغيرة فقد انتفى مبرر تلك التسمية، وثانيهما لا أسئلة شخصية خاصة، وكان أن أجابت حول سؤال طقوسها قبل الحفل مؤكدة أنها تشرب الينسون أو الكمون الرقيق كغيرها من المطربين ولا تكثر الحديث قبل الحفل حتى تحتفظ بصوتها بحالته الجيدة.
حكايات «عائدة الكبتي» متواصلة عبر حلقات أسمتها «خربشات الزمن الجميل» والتى ستصدر قريبًا فى كتاب ليكون سيرة ذاتية لأول مذيعة تليفزيون ليبية.